نظل أسرى المفاهيم، مغلقين على المعاني التي نريد. نظل لاهثين وفي بحث دائم عن القيم التي هي بيننا لكننا لا نراها؛ لأننا مشغولون بما دونها. بالذي يشدنا إلى الجمود لا الحركة. إلى السكون لا العنفوان. نشاطنا كسل ما دمنا لا نحرز تقدماً في اختبارنا للنعمة الكبرى: العقل.
نظل أسرى عصبيات تخرجنا من آدميتنا من دون أن نشعر.تخرجنا؛ بل تسلخنا من قيمتنا التي نبحث عنها في هياج تلك العصبيات وانتباهتها الدائمة المؤذية والمدمرة أحيانا.
تحتضننا المدن الكبرى؛ لكن في الظل. في أكثر من أسر نعانيه. نظل نزلاء سجون عملاقة مفتوحة على اللاهدف واللاجدوى. تائهون نحن نلتمس هدى أو وصولاً؛ فيما نراكم متاهاتنا يوماً بعد يوم. تضج وتحتشد فينا المتاهات. لدينا قابلية أن نمضي متوهمين هدانا الذي لم نعرف. لم نلتقه.
لنا أكثر من «هدى» نتوهمه؛ فيما هو أكثر من متاهة. أكثر من وهم. كأننا أبناء الوهم في زمن باتت صناعته وموهبته الوهم بامتياز!
الإنسان بجبروت تكوينه قادر على الانتصار على سجنه وأسره المادي المباشر؛ لكنه في الوقت نفسه أضعف من أن يخرج على سجنه وأسره من الداخل.
قيد كل واحد منا اليوم هو أغلاله في الداخل أكثر من أغلال نرسف فيها بحجز جماعي أو انفرادي في سجن نزلائه من اللصوص والخارجين على القانون؛ أو حتى أولئك الذين انتصروا على أغلالهم في الداخل فرفعوا صوتهم؛ أو سبابتهم احتجاجاً على خلل انتاب الحياة، فاودعوا سجوناً لن تمس شيئا من فضائهم الداخلي المطلق والرحب. أولئك هم الذين لم يخضعوا لصناعة الوهم، ولم يخضعوا لصناعة أسر هنا أو هناك.
لا يصنع الحياة الأسر، ولا يصنعها الوهم، ولا تتراكم بالانشداد إلى العصبيات. ولا تحقق المدهش والمعجز بالوهم. كل ذلك مقابر مفتوحة على العدم، ولا شيء غير العدم.
بدائية الحياة ليست حياة بالنظر إليها اليوم بكل تفاصيلها. كانت درساً أول استطاع منه الإنسان الأول أن يذهب إلى درس الحياة بقابليته تعلم ذلك الدرس، وقدرته على الانتصار لها وبها؛ ومن ثم الانتصار لنفسه ووجوده. وفي تيهه ووهمه وعصبيته كان مهدداً لوجوده قبل أن يكون مهدداً للحياة. لم تختلف الصورة كثيراً في عصر يضج بالمعارف؛ لكنه يظل عاجزاً عن فهم واستيعاب خريطة نفسه. فهم الذين يشكلون معناه وقيمته، ومن دونهم لا معنى ولا قيمة له؛ ومن ثم لا معنى للحياة نفسها.
نعم أبناء الوهم أولئك الذين يذهبون إلى يقين زائف مفاده أن معنى العالم وقيمته من معناهم وقيمتهم فقط. ما عداهم عدم لا أثر له. نعم أبناء الوهم أولئك الذين يحصرون موهبة الحياة وقيمتها في جنوحهم وانشدادهم لأغلال الداخل. أولئك الذين كلما تكاثروا وتناسلوا. تكاثر وتناسل خلل الحياة. كلما أصبحت الحياة في النقيض من معناها. أصبحت عدماً يطل على عدم
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3381 - الجمعة 09 ديسمبر 2011م الموافق 14 محرم 1433هـ
في طيغانهم يعمهون
أبناء الوهم هم الخاسرون أولا واخيرا. وهم يخسرون كل يوم ويكابرون مع يقينهم بالهزيمة .
والإنتصار الحقيقي هو انتصار الإنسان لذاتة انتصار للقيم الإنسانية والمباديء الخالدة ومهما توهموا فلن يصح الا الصحيح . مقال رائع يا سوسن (نعيمة)