العدد 3380 - الخميس 08 ديسمبر 2011م الموافق 13 محرم 1433هـ

شباب الثورة في كربلاء

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم يقف بينهم وبين التضحية من أجل المبادئ الثورية الحاسمة عمرٌ ولا منزلة... «أو لسنا على الحق؟ إذن لا نهاب الموت أوقعنا عليه أم وقع علينا». ولم يتواني حتى ذو الإثني عشر ربيعاً أن يقدّم نفسه الطاهرة بعدها فداءً لقائد الثورة فـ «لا أرى الموت معك إلا أشهى من العسل».

هكذا كانت نماذج الثورة من الشباب المجاهد في سبيل الله على أرض كربلاء، ومع القيادة الحكيمة أبد الدهر، وما عداها من بعدها مجرد هراء سلطوي وحب دنيا ولهاثٌ وراء شهوة الحكم.

نموذجان من شباب كربلاء الصامد حتى اليوم، على الأكبر والقاسم بن الحسن (ع). حريٌّ بكل شاب يتوق لمعرفة أفضل سبل التضحية والإيثار والفداء لأعز مبادئ الثورة أن يسير على خطاهما. هذان النموذجان في الحقيقة يمثلان أيضاً أعمق موقف وتحليل لفلسفة الموت والتضحية التي تنهي بالفناء من الحياة، ولكن لمرحلة أخرى من حياة أسمى وأرفع، أليس المولى عز وجل القائل «وإن الدار الآخرة هي الحيوان»؟

هنا تكمن فلسفة شباب الثورة عند التضحية، رغم صغر سنهم اليافع على أرض الفداء، كربلاء الأسطورة الخالدة في لوحة الشهادة الفاضلة. تلك اللوحة الفلسفية جسدها بدايةً في كافة مراحل الثورة الحسينية الإمام الحسين (ع) ملهم الثوار الشباب أولاً من أهل بيته، ثم أصحابه الخُلّص الذين تبعوه ورموا حب الدنيا الفانية وراء ظهورهم، ثم لكافة الثوار في العالم على جميع الصُعد والمساحات الجغرافية والزمانية.

مثل هذه الفكرة عن فلسفة الموت، جعلت المفكر الفرنسي روجيه غارودي يقول: «إن نموذج هذا الشهيد جسّده لدى المسلمين استشهاد الحسين حفيد النبي الذي استشهد في معركة كربلاء في عام 680م. إن للشهيد هنا معنى آخر غير الهزيمة أو الموت لأنه شاهد باسم الحق والإيمان. إنه في نفسه مساهمة في نصر هذا الحق وهذا الإيمان».

فلسفة الموت من أجل المبادئ المحقة كما رواها بدمه الحسين وشباب الثورة ومن تبعهم على أرض كربلاء، جعلت فيلسوفاً آخر هو الألماني ماربين يقارنها بمأساة المسيح في الفكر المسيحي قائلاً: «إن مصائب الحسين أشد حزناً وأعظم تأثيراً من مصائب المسيح... وإني أعتقد أن بقاء القانون الإسلامي وترقي المسلمين هو مُسبّبُ عن قتل الحسين وحدوث تلك الوقائع المحزنة».

فلسفة الموت من أجل الحياة، ولكن أية حياة، بالطبع هي في المفهوم الحسيني ليست حياة الذل «مع الظالمين لأنها برما» كما قال الحسين، والبَرمَ هو السأم والضجر من الحاكم الجائر الظالم. وليست حياة الخنوع لحالة حرمان الحقوق وكبت الحريات وإن طالت السنون، بل هي حياة الحرية ضمن العقيدة ذات الصراط المستقيم التي تحفظ كرامة الإنسان وعزته ووجوده الفاعل ضمن منظومة المجتمع الواحد، لا فرق فيه بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى وليس بالواسطة البغيضة ولا بالنسب القبلي العشائري الحاضن لكل أنواع الفساد.

فقط هذه الحالة الإنسانية الراقية عند الحسين وشباب الثورة هي التي جعلت الناس على مختلف مشاربهم ومذاهبهم يوجّهون هوى قلوبهم إلى شهيد الخير والحق والفضيلة، ويتبعون أثره في كافة بقاع الأرض عبر التاريخ، انطلاقاً مما حدث في ميدان كربلاء. كما فعل العديد من الأدباء والمفكرين المسلمين والمسيحيين أمثال الأديب والفيلسوف المسيحي جبران خليل جبران الذي كان يُولي الإمام الحسين (ع) اهتماماً عظيماً في فكره وعقيدته لدرجة أنه وضعه في مرتبة الأنبياء والرسل.

وليس بعيداً عن جبران ذلك الذي أكده عن الحسين (ع) وشباب ثورته الأديب المسيحي روكس بن زائد العزيزي في كتابه «الإمام علي أسد الإسلام وقدّيسه».

ألا ترون معي، كم هي عظيمة هذه الثورة التي انطلقت من ميدان الحرية والعزة والإباء في كربلاء. فحريٌّ بنا أن نتخذها درساً عالمياً ونرسلها لكافة أصقاع الأرض ما حيينا، لأنها تحمل بين طياتها سراً خطيراً وفلسفياً عميقاً من أسرار الوجود وأسباب خلق الكون والبشر

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3380 - الخميس 08 ديسمبر 2011م الموافق 13 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:11 ص

      شكرا لكم ولاقلامكم الحرة

      السلام عايك يا ابا عبدالله الحسين وعلى الارواح التي حلت بفنائك يابا الاحرار والثوار .. مشكور اخي على مقالك الرائع

اقرأ ايضاً