العدد 3380 - الخميس 08 ديسمبر 2011م الموافق 13 محرم 1433هـ

مصر على أعتاب الديمقراطية (3 - 3)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

بعد يومين من مراقبة الانتخابات، تم إدخال البيانات التي جمعتها مختلف مجموعات فريق المراقبة الدولية في المحافظات السبع التي شملتها الجولة الأولى من الانتخابات، وهي القاهرة وكفر الشيخ والبحر الأحمر وبورسعيد والإسكندرية وأسوان والسويس وأسيوط والمنوفية، في الحاسب الآلي لتحليل الأنماط المتكررة لمعلومات ومؤشرات الحملة الانتخابية. وقد صدر بيانٌ من المعهد الوطني الديمقراطي في ضوء ذلك يشيد بالانتخابات ونزاهتها وشفافيتها.

بعد ذلك عقد اجتماع مطول لأعضاء الفريق من مراقبين وإداريين لمناقشة ملاحظاتهم. كما تم رصد ما نشرته الصحف المصرية وما بثته القنوات الفضائية من قبل البعض اختياراً لا تكليفاً.

من الملاحظ أن الجيش كلف بحراسة ونقل صناديق الاقتراع إلى مراكز الفرز المركزية، وقد تأخّر نقل الصناديق بفعل الزحام الشديد والفوضى أحياناً.

لكن وبسبب الاستناد بشكل مطلق لعد الناخبين، وكذلك عملية الفرز يدوياً وكذلك انتظار وصول نتائج الانتخابات من بلدان عديدة خارج مصر، فقد استغرق ذلك وقتاً أكثر مما هو متوقع، أي يومين، حيث أعلنت النتائج النهائية مساء الجمعة 2/12/2011، إذ ذكر المستشار عبدالمعز إبراهيم أن من أدلوا بأصواتهم قد بلغ 8.449 مليون بنسبة 62% ممن يحق لهم الاقتراع.

إنه وحسب نظام الانتخابات، لا حاجة لإعادة الاقتراع على اللوائح الحزبية التنافسية، حيث تستند إلى نظام النسبية من أصوات المقترعين، لكنه ستجري إعادة للمرشحين الأفراد المتنافسين ممن لم يحصلوا على نسبة 50% +1 من الأصوات. والملاحظ ان القلة القليلة هي ممن فازوا من الجولة الأولى في حين ان 90% من الدوائر ستشهد جولة ثانية. بالطبع لن تعرف خارطة تركيبة حزب الشعب القادم إلا بعد انتهاء الجولات الثلاث والإعادة لتشمل جميع المحافظات، لكن يمكن من خلال الجولة الأولى وجود مؤشرات مهمة.

المؤشر الأول هو طغيان التيار الإسلامي ممثلاً في الاخوان والسلفيين والجماعة الإسلامية كلوائح ومرشحين أفراد. الأقوى من هؤلاء حزب الحرية والعدالة (المنبثق من الاخوان المسلمين)، ورئيسة محمد مرسي، ويحتل المرتبة الأولى من الأصوات في أغلب المحافظات، وتقدر نسبة الأصوات التي حصل عليها ككتلة 40%، ويليه حزب النور (سلف) والناطق باسمه يسري حماد، وقد تفوق في بعض الدوائر المدينية في بعض المحافظات مثل القاهرة والإسكندرية وبورسعيد ودمياط وكفر الشيخ، حيث حل ثانياً وحصل على ما يقدر 20% من الأصوات، ما شكّل مفاجأةً لجميع المراقبين، فإذا كان مفهوماً وجود الأخوان المسلمين وتعبيرهم الحالي حزب الحرية والعدالة، منذ الثلاثينات وصمودهم في وجه جميع العهود التي توالت على حكم مصر، فإن حزب النور قد ولد بعد انتصار ثورة 25 يناير، وهو تيار موجود منذ عهد السادات لكنه تيار هامشي ومحاصر.

أما حزب الوسط الذي يقوده أبوالعلا ماضي، والذي هو انشقاق من الاخوان بتوجه إصلاحي حداثي، وقد تقدم بطلب للاشهار في عهد الرئيس السابق حسني مبارك قبل 10 سنوات لكنه لم يحزها، وظل موجوداً كأمر واقع، وعانى من حصارين: حصار الاخوان وحصار النظام. وكان من المتوقع أن يلي حزب الحرية العدالة في أوساط الناخبين الإسلاميين لكنه احتل موقعاً متأخراً بسبب سطوة الاخوان.

أما الجماعة الإسلامية فهي هامشية، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الإصلاح والتنمية، وحزب الاصالة بقيادة عادل عفيفي (وينطق باسمه عاصم عبدالماجد) وحزب الريادة (هيثم خليل). وإذا كان الاخوان والسلف قد تنافسا بشدة في الجولة الأولى، فإنهما قد تبادلا الدعم للمرشحين الأفراد في بعض الدوائر، ويتوقع أن يتحالفا في إعادة الجولة الأولى، وفي الجولتين الثانية والثالثة.

من الغريب أن الاخوان شكلوا تحالفاً ضم أحزاباً ليبرالية مثل الوفد، ويسارية مثل التجمع بزعامة رفعت السعيد، والكرامة بزعامة حمد بن الصباحي قبل الانتخابات، لكن هذا التحالف انفرط عند الانتخابات. بالنسبة للتيار الليبرالي والقومي واليساري، فإنه شهد تشرذماً انعكس على أدائه، والمفاجأة في التراجع الكبير لحزب الوفد بزعامة السيد البدوي، هذا الحزب التاريخي العريق أو ما يعرف بحزب الوطنية المصرية الذي أسسه الزعيم سعد زغلول، والذي رغم الترخيص منذ عهد السادات وفي عهد مبارك، فقد ظلّ محاصراً، وتعرض لعمليات انشقاقات مدبرة من قبل السلطة. وقد وضعت آمال كبيرة على الوفد، لكنه تعرض لنكستين الأولى في نتيجة تحالفه مع الأخوان في البداية مما أفقده صدقيته كحزب ليبرالي، فلما فك التحالف منذ بعض مؤيديه من الإسلاميين. أما النكسة الثانية فهي أنه عول على دعم الكنيسة والمسيحيين، حيث ضم عدداً معقولاً من المرشحين المسيحيين ونساء على قوائمه، لكن يقال أن الكنيسة رمت بثقلها وراء الكتلة المصرية وعمادها حزب الاحرار المصريين بزعامة وتمويل البليونير ساويرس، التي حصدت أصوات الليبراليين والديمقراطيين والمسيحيين، واحتلت المرتبة الثالثة بعد الأخوان والسلفيين بما يقدر بـ 20% من الأصوات، في حين يُقدّر نصيب حزب الوفد بـ 5% من الأصوات.

هناك أحزاب انبثقت من شباب ثورة 25 يناير، أبرزها حزب الثورة مستمرة وائتلاف شباب الثورة بقيادة زياد العلمي وحزب الجيل بزعامة ناجي شهاب وحزب العدل وزعيمه مصطفى النجار، ولهم ثقل في بعض الدوائر خصوصاً في المدن الكبرى التي شهدت الاحتجاجات مثل القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد، لكن مشكلتهم تكمن في دعوة العديد من حركات 25 يناير وخصوصاً معتصمي ساحة التحرير إلى مقاطعة الانتخابات، وفقدان التحالف وحتى التنسيق بينهم.

هناك أيضاً كتل أخرى مثل تحالف الناصريين والذي ضم 5 أحزاب ناصرية بقيادة نقيب المحامين مسامح عاشور، وهناك أحزاب أخرى مثل حزب الغد وحزب المحافظين والحزب القومي بزعامة طلعت السادات (توفي قبل أيام). والملاحظ أن العديد من الأحزاب الإسلامية والليبرالية والقديمة قد شهدت انشقاقات ترتب عليها أحزاب جديدة، وتتقاسم هذه التكتلات وأحزاب أخرى أصغر منها ما تبقى من الأصوات. هذه الصورة وهذا التقاسم للأصوات والمقاعد سوف يعكس نفسه بالتأكيد على الجولات القادمة، لكنه لن يكون بالضرورة تكراراً لها، وفي ضوء نتائج الجولة الأولى وإعادتها، ستعقد تحالفات وتفك تحالفات. وكما أن الأطراف المتنافسة كتلاً وأفراداً سيعيدون حساباتهم ويراجعون تجربتهم، وقد يعدلون برامجهم وشعاراتهم ومرشحيهم.

وإذا كان التنبؤ بالنتيجة التي يمكن أن تحققها الأحزاب والكتل صعباً، فإن الأصعب هو التنبؤ بنتائج المرشحين الأفراد المتنافسين، حيث تتداخل عوامل عديدة في النجاح والخسارة.


الجنس الناعم

أحد المظاهر الايجابية هو ترشح عدد لا بأس به من النساء المناضلات والمؤهلات وبينهن الممثلة المعروفة تيسير فهمي نجمة ساحة التحرير والإعلامية جميلة إسماعيل (وهي جميلة فعلاً) مطلقة أيمن نور زعيم حزب الغد الذي تحدى مبارك وخاض معركة الرئاسة وسجن لأربع سنوات. وقد تعرض حزبه للانشقاق بسبب مهادنته للمجلس العسكري. ويطلق على دائرة القصر العيني وسط القاهرة بأنها دائرة الجميلات حيث يتنافس عدد المرشحات الجميلات فعلاً مثل جميلة إسماعيل ونهال فتحي.


ظاهرة عمرو حمزاوي ومدلولاتها

يشكل الأكاديمي والباحث الحداثي عمرو حمزاوي ظاهرة ترمز لجيل جديد من السياسيين. حمزاوي تخرج من جامعة القاهرة ودرس الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية في الولايات المتحدة، حيث درس في عدد من جامعاتها ليستقر كباحث أول في «مؤسسة كارنيجي» التي تعتبر أهم مؤسسة أبحاث (Think Tank) في العالم، ولها مكاتب في أميركا وموسكو وبروكسل وبيروت. وقد أسهم حمزاوي في تعزيز وجود دور كارنيجي في المنطقة العربية، وخصوصاً مع فتح مكتب بيروت، وكمرجعية للاستشارات الأميركية والغربية حول الشئون العربية. وقد أضحى حمزاوي نجم المحطات الفضائية العربية والأجنبية في الشئون العربية والأوسطية، والمشهور عن حمزاوي سرعة بديهته وغزارة معلوماته وبلاغته بالانجليزية والعربية، وقد ترشح في دائرة مصر الجديدة كوجه ليبرالي حداثي، مستنداً إلى رصيده المعرفي ومناصرته لثورة 25 يناير في مواجهة قطب الاخوان محمد سعيد أبوالفدا، وتفوق عليه بفارق كبير من الجولة الأولى، ويرمز للمعركة بينهما انها ما بين الشعر الطويل (حمزاوي) واللحية الطويلة (ابوالفدا).


دور النواب المستقلين

معركة حمزاوي في مواجهة ابوالفدا نموذج لمعارك بين ليبراليين مثل طارق طلعت من حزب العدل والمستشار محمود الحضيري من الاخوان في الإسكندرية، كما هناك معارك بين مرشحين مستقلين مثل جميلة إسماعيل في مواجهة أبوحامد عن الكتلة المصرية. وحيث أن عدداً كبيراً من المترشحين الافراد من المستقلين، فإن نجاح عدد معقول منهم سيسهم إيجابياً في الحد من الاستقطاب السياسي والديني، ويضفي تنوعاً أوسع على مجلس الشعب. أما الايجابيات الأخرى فهي ان العديد من هؤلاء المرشحين الفرديين هم من المناضلين ومن نشطاء ثورة 25 فبراير ونشطاء المجتمع المدني وخصوصاً في مجال حقوق الإنسان، والمحامين الذين دافعوا عن النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحافيين الشرفاء، ومنهم المحامي حافظ أبوسعد أمين عام المعهد المصري لحقوق الإنسان، وناصر أمين الأمين العام للمنظمة العربية لاستقلال القضاء والمحاماة، والنقابي المعروف أبوالعز الحريري، وقد يشكل المستقلون الفائزون ما يعرف بالقوة المرجحة.


الحكومة المقبلة

حتى قبل إعلان النتائج الرسمية، أعلنت قيادات من حزب الحرية والكرامة مثل مستشارها القانوني أحمد أبوبركة، ونائب رئيس الحزب عصام العريان، ان الأغلبية البرلمانية يجب أن تشكل الحكومة القادمة، وأن حزب العدالة والحرية مستعد للتحالف مع أحزاب أخرى إسلامية وليبرالية لتشكيل حكومة ائتلاف وطني، في إشارة إلى فوز مرتقب للحزب. وقد جاء ذلك رداً على حديث للواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية عضو المجلس العسكري، بقوله ان المجلس هو من سيحدّد رئيس الوزراء المكلف وليس بالضرورة من الأغلبية البرلمانية، وأعقب ذلك عملية شد وجذب بين المجلس والاخوان.


حزب الكنبة

تطلق هذه على الأغلبية الصامتة غير المنتمية إلى أحزاب، على اعتبار أن من يجلس على الكنبة لا يتحرك، وبالتالي ليس له صوت مسموع. والحقيقة أن كثيراً من الناخبين هم من الأغلبية الصامتة، إذا عرفنا أن الحكم الاستبدادي السابق قد جعل الحياة السياسية والحزبية عقيمة، وبعد ثورة 25 يناير، انفجر تشكيل الأحزاب بحيث تجاوزت الخمسين، وغالبيتها غير معروف سمعةً وهويةً. لذلك لا عجب أن يكون غالبية المصريين العاديين غير منتمين لأحزاب، غير أن أغلبيتهم يصوّتون للأحزاب الإسلامية، للاحتياط الديني، أو لالتصاق أعضائها بهم، وبما قدمته وتقدمه لهم من خدمات. والملايين من الجماهير التي شاركت في ثورة 25 يناير 2011، وجدت نفسها وحيدة بعد انقسام حركات وقيادات الثورة على نفسها، فانضمت لأحزاب الكنبة.


خلاصة

خطت مصر الخطوة الأولى نحو الديمقراطية بإجراء الجولة الأولى للانتخابات لمجلس الشعب. ورغم الأخطاء والثغرات والمخالفات التي شابتها، فإنها بدايةٌ مشجعةٌ جداً. وحتى لا يعاد إنتاج نظام الاستبداد في صورة جماعة سياسية باسم الأغلبية، فإن دور الشارع ممثلاً في ميدان التحرير والميادين الأخرى في مختلف مدن مصر، يجب أن يظل حاضراً، حتى يتكرّس نظام ديمقراطي تعدّدي لا تتسلط فيه الأكثرية السياسية على الأقلية أو تكرّس استمراريتها في الحكم

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3380 - الخميس 08 ديسمبر 2011م الموافق 13 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً