في الوقت الذي ينصبّ فيه انتباه الإعلام على المعاني الضمنية المحتملة لهجوم الناتو الأخير، الذي أدى إلى مقتل 24 جنديّاً باكستانيّاً، هناك تطورات سياسية مهمة في الدولة تستحق الاهتمام كذلك.
بعد عقود من الحكم العسكري والحوكمة غير الفاعلة من جانب الحزبين الباكستانيين الرئيسيين، حزب الشعب الباكستاني والرابطة الإسلامية الباكستانية، تشهد البلاد صعوداً سياسيّاً سريعاً إلى حد مّا لزعيم حزب حركة الباكستان من أجل العدالة، ولاعب الكريكت السابق عمران خان.
ويدعو ذلك إلى طرح السؤال: هل يشير تصاعد شعبية خان إلى تحول في الملعب السياسي في الباكستان؟
شكّل عمران خان حزب العدالة الباكستاني العام 1996، على رغم كونه عضواً في البرلمان الوطني من العام 2002 حتى 2007. إلا أن حزبه لم يتمكن أبداً من الحصول على دعم شعبي كبير، وبعد أن هام في البريّة السياسية لمدة سنوات كثيرة، اجتذب مهرجان شعبي عام للحزب عقد حديثاً ما يزيد على مئة ألف باكستاني، الأمر الذي أثار استغراب غرمائه السياسيين. كذلك راقب المجتمع الدولي رأس مال خان السياسي المتزايد بمزيد من الاهتمام والحذر.
يستطيع المرء فهم هذه المشاعر المختلطة إذا أخذنا في الاعتبار تصريحات خان القوية ضد «الحرب على الإرهاب»، التي أطلقت عليه اسم «طالبان خان» المثير للريبة. يتساءل البعض محليّاً عما إذا كانت شعبيته التي تم اكتشافها حديثاً تعكس تحولاً في الرأي العام، أم أنها مجرد نتيجة للدعم من جانب الجيش الباكستاني ووكالات الاستخبارات، التي سئمت من امتثال القيادة السياسية الحالية للأوامر الغربية. سيثبت خان على الأرجح أنه أقل امتثالاً للمطالب الغربية نظراً إلى إصراره على الاعتماد على الذات وعلى تقرير المصير.
إلا أن عدداً متزايداً من الناس يتساءلون عما إذا كان خان يملك القدرة والطاقة على مساعدة الباكستانيين على تحقيق قدر أكبر من الاستقرار من خلال تحسين أساليب الحكم.
تخرّج خان في جامعة كامبريدج، وهو الرئيس السابق لفريق الكريكيت الباكستاني، الذي فاز تحت رئاسته بأول نصر بكأس العالم، هو النصر الوحيد له، العام 1992.وخان كذلك صاحب أعمال خيرية، قام بتأسيس مستشفى خاص للسرطان يتمتع بسمعة واسعة ومركز بحوث في لاهور، إضافة إلى كلية ذات علاقات دولية في قريته الريفية ميانوالي.
بدأ خان بتجميع دعم سياسي متزايد في أوساط القواعد الانتخابية الحضرية، بمن فيهم الشباب، من خلال مطالباته بالمساءلة الحكومية ومعارضته الشديدة للتعاون مع الولايات المتحدة ضد المتشدّدين المسلّحين في إقليم الشمال الغربي المضطرب. ويعارض خان كذلك ضربات الطائرات الأميركية من دون طيار ويرثي الاعتماد الحالي على المعونة من الغرب، وهو أمر يرن صداه بقوة في العقلية الوطنية الباكستانية.
هناك تغاضٍ غير رسمي عن هجمات الطائرات من دون طيار بشكل خاص، التي ازدادت أعدادها خلال العامين الماضيين من قبل الحكومة الباكستانية. إلا أن الاستطلاعات الرئيسية تشير إلى أن غالبيةٍ كبرى من الباكستانيين تعارض استخدامها بسبب الخسائر الجانبية التي تتسبب بها.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه وثاقة الصلة السياسية لخان، أصبح الكثير من سياسيي التيار الرئيس توّاقين إلى الانضمام إليه في أي تحالفات ممكنة.
ويبدو أن تزايد أهمية خان هذه تردد وتضخّم مطالب عامة في أوساط قواعد انتخابية واسعة لحكومة شفافة ودولة قوية مستعدة وقادرة على التعامل بشكل مستقل مع مشاكلها.
تجعل مطالب خان بمساءلة الحكام الفاسدين، إضافة إلى سجلّه الذي لا تشوبه شائبة على ما يبدو في هذا المجال، تجعله مرشحاً جذاباً للباكستاني العادي الذي سئم السياسيين الذين يتمتعون بأسلوب حياة مريح، لكنهم غير قادرين على توفير احتياجات مواطنيهم الأساسية، مثل التعليم والصحة والمرافق الصحية.
وفي الوقت الذي يشعر فيه البعض بالقلق بشأن سياسته، ويشير المعارضون إلى افتقاره إلى الخبرة في الحكم وعدم القدرة على صياغة مجموعة شاملة من السياسات لجعل الباكستان أكثر ازدهاراً وإنصافاً، إلا أن المؤشرات الأخيرة بازدياد شعبيته تثبت وجود سكان محبطين يرنون إلى قادة يمثلون مصالحهم.
هناك فجوات كذلك في حزب خان تعكس بعض التحديات التي تواجه غالبية الأحزاب السياسية الباكستانية. لم يجرِ تطوير خطٍ ثانٍ أو ثالث من القيادة داخل حزبه خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، الأمر الذي يشير إلى أن خان لم يتمكن من التسامي عن التوجهات الدكتاتورية، التي شكّلت مصدر هلاك جميع الأحزاب السياسية الرئيسية داخل الباكستان. وإذا كانت هذه الأساليب وراء الارتفاع المفاجئ في شعبيته دقيقة، فإن الدعم لحزبه سيستمر في الصعود، إذا تمكن خان من التعامل مع هذه الفجوة.
بينما تنتظر خان الكثير من التحديات في مقدمة الانتخابات العامة المقبلة، إلا أنه من الواضح أن هناك رغبة جامحة بين الباكستانيين لقائد يستطيع تحقيق الوعود الانتخابية بالمساواة والعدالة والمساءلة
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3380 - الخميس 08 ديسمبر 2011م الموافق 13 محرم 1433هـ