العدد 3379 - الأربعاء 07 ديسمبر 2011م الموافق 12 محرم 1433هـ

ملك يتزوَّج من عامة الناس!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يبلغ جيجمي خيسار وانجتشوك من العمر 31 عامًا، بينما تبلغ جتسون بيما 21 عامًا. الأول هو ملك مملكة بوتان، والثانية هي طالبة جامعية من عامة الناس. الذي جرى أن الملك جيجمي خيسار وانجتشوك تزوَّج الطالبة الجامعية جتسون بيما دون أن يلتفت أنه سليل عائلة من أبناء الذوات والمُلْك، في حين أن عروسته فتاة لا تملك عائلتها سوى راتب مُعيلها. أقصى ما قاله الملك للصحافيين في حفل زفافه البوذي بقلعة قديمة بجبال الهيمالايا هو «أنا سعيد. إنها إنسانة جميلة وذكية، بيننا قاسِمٌ مشترك كبير، هو حُبنا وولعنا بالفن».

ربما لم يكن ذلك الزواج والاختيار ليحصل بين شخص من أصحاب الذوات، وأخرى من العوام، لولا ما جرى في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2005 عندما أعلن الملك سينجاي وانغشوك أنه سيجري تعديلات على شكل الدولة، ويُحوِّل المملكة من ملكيّة مطلقة إلى ملكية برلمانية. ونقل معظم صلاحياته لمجلس الوزراء، وبالفعل، ففي 16 ديسمبر من العام 2006م بدأت بواكير ذلك الوعد في التحقق، وبأكثر مما كان يُتوقع.

في مارس/ آذار من العام 2008 نظِّمت انتخابات تشريعية في بوتان، حيث فاز بها حزب السلام والرخاء بأغلبية ساحقة، فحصل على 45 مقعدًا من أصل 47 معقدا. الغريب، أن الحزبين الرئيسيين في ذلك البلد، كانا يتحدثان بصراحة، من أن الديمقراطية فرِضَت عليهم من ملِكِهِم جيجمي سينجاي وانجتشوك، وهو ما يعني أن قيادة البلد، كانت أسبق في التفكير من مجتمعها بسنوات.

هذه حالة فريدة، لكنها تبقى نموذجًا رائعًا في الديمقراطيات الوليدة. بلدٌ كمملكة بوتان، لا يتجاوز عدد سكانه الـ 700 ألف نسمة، ومساحة جغرافية في الطرف الشرقي من جبال الهيمالايا لا تزيد عن 38,816 كيلومتراً مربعاً بلا سواحل، ولم يدخله التلفزيون إلاَّ في العام 1999 ويقع في منطقة صراعات سياسية وإثنية، وبين بلدَيْن نِدَّيْن هما الصين والهند، لم يمنعه من أن يختط لنفسه تجربة مستقلة ومتميزة عن غيره.

اليوم مملكة بوتان هي أسعد بلد في آسيا، وثامن أسعد البلدان في العالم بحسب تصنيف مجلة «بيزنس ويك» نقلاً عن مسح عالمي أجرته جامعة ليستر قبل أعوام. بالتأكيد، فإن هذه المملكة البوذية الصغيرة ليست مدينة أفلاطون الموعودة، لكنها أيضًا ليست أقل من نموذج ملفت في الانتقال الجريء نحو الديمقراطية، ومأسسة الدولة، يُمكن أن يُعيَّر بها القائلون إن مجتمعاتهم لم تبلغ بعد مرحلة النضج السياسي الذي يؤهلهم إلى أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، رغم مستوى التعليم العالي الذي يحظون به، ونشاط الطبقة الوسطى. إنها فعلاً فِرية وتجنٍّ على الناس، وعلى كرامتهم الإنسانية، لا يمكن القبول بها مطلقًا.

إذا كانت هذه الشعوب هي شعوب جاهلة وغير ناضجة، فلماذا ثارت وانتفضت على أوضاعها. والمعلوم أن الثورات هي سلوك اجتماعي متقدم، يُدلِّل على الوعي التام بالحقوق، وبقراءة المستقبل. بل إنها وفي سبيل ذلك، قدَّمت أغلى ما تملك، وهو الجود بالنفس في سبيل المبادئ والأهداف. فهي ليست شعوباً عَدَميَّة، ولا هي شعوب عبودية، لا تعرف طبيعة التواصل مع الخارج، لإبراز قيمها. حتى اليمنيين، الذين يتفشَّى بينهم السلاح، وتنتشر بينهم الأميَّة، كانوا الأكثر قدرة على البوح بأهدافهم، وإبداء المواقف تجاه الإقليم والعالَم.

نشَرَت مجموعة جيوبولوسيتي مؤخرًا، تقريرًا عن خسائر الدول العربية التي شهِدت ثورات وانتفاضات شعبية تجاوز الـ 50 مليار دولار في طليعتها مصر وليبيا وسورية. فالأولى خسرت 9.79 مليارات دولار، والثانية 14.2 مليار دولار، والثالثة فقدت 27.3 مليار دولار، بينما خسرت تونس 2.52 مليار دولار، والبحرين 1.09 مليار دولار، واليمن 0.98 مليار دولار، مع الإشارة إلى أن تقديرات تلك الدراسة لم تأخذ في الاعتبار الخسائر البشرية، والأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية والمشروعات وخسائر الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو ما يعني أن الخسائر أكبر بكثير.

نحن هنا نتساءل: ما الذي حدا بالرئيس المصري إلى أن يبقى في السلطة حتى 11 فبراير/ شباط لكي تخسر مصر ما خسرته ثم يتنحى؟ وما الذي يجعل القذافي يبقى إلى آخر شهيق في صدره، متشبثًا بسلطة زالت من يده، ويقاتل من أجلها في معركة خاسرة، ويرى خلالها مدن سِرت وبني وليد ومصراته وطرابلس وهي تحترق؟ وما الذي يجعل الأسد، يحجُّ بجيشه وقواه الأمنية، مرةً في إدلب، ومرةً في القامشلي، وثالثةً في حلب، وهو يرى خسائر بلاده تكثر، دون أن يفكر في الرحيل؟ وكذلك الحال بالنسبة للرئيس اليمني علي عبدالله صالح.

اليوم مملكة بوتان لا تحتاج إلى جيش يزيد تعداده عن 16 ألفًا، ولا لموازنة تزيد عن 13.7 مليون دولار (1.8 في المئة من الناتج المحلي) لأن سياسة قادته ليس في نيتهم أن يوجِّهوا بنادقهم وقوتهم باتجاه شعبهم. كما أنهم لم يتذرَّعوا بالصين الشيوعية لكي لا يتحوَّلوا إلى الديمقراطية، ولا بنفوذ الهند على شئونها الداخلية والخارجية لكي لا يوجدوا لهم برلمانًا بصلاحيات واسعة، ولم ينتظروا أحدًا ليقول لهم اعتنوا بحقوق الإنسان، وبمنح شعبكم حرية الاختيار، لأنهم أصلاً فعلوها قبل وصول الدعوة. وكما قال الأديب اللاتيني الكبير غابرييل غارسيا ماركيز «أن يصل الإنسان في الوقت المناسب خير من توجيه الدعوة إليه»

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3379 - الأربعاء 07 ديسمبر 2011م الموافق 12 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 4:14 م

      قلم حر

      مقال رائع سلمت يداك

    • زائر 9 | 5:32 ص

      النشوة بعبودية العبيد تمنع البعض من التعقل

      نعم نشوة التملك والسيطرة تمنع أمثال القذافي ومن يسير على شاكلته من التنازل لشعبه لبعض الحقوق المشروعةويسفك الدماء من أجل الحفاظ على تلك المغانم والمكاسب الغير مشروعة حتى النفس الأخير ولو قتل 150000 كما حصل في ليبيا. ولكن غالبا إرادة الشعوب أقوى إذا ماصمدو.
      اللهم إحفظ بلاد المسلمين من أمثال القذافي
      آمين يارب العالمين وعجل فرجهم
      أبو غائب

    • زائر 8 | 4:34 ص

      احسنت

      و لكن من يتعض

    • زائر 6 | 2:05 ص

      شكرا جزيلاا

      بارك الله فيكم

    • زائر 5 | 1:35 ص

      مقال رائع

      قلمك مبدع . استمتع بقراءة مقالاتك

    • زائر 2 | 11:15 م

      رجال

      هو كان من عامة الناس وقد يكون مستواة اقل من اي مواطن والارض لكل المواطنين

    • زائر 1 | 10:18 م

      في الصميم

      صراحه المقال في الصميم

اقرأ ايضاً