العدد 3375 - السبت 03 ديسمبر 2011م الموافق 08 محرم 1433هـ

مبروك للجامعة العربية!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ألف مبروك للجامعة العربية على إنجازاتها التاريخية الكبرى، التي لا تعد ولا تحصى.

كانت جثة ممددة قبل أشهر، وشاهدة زور على الوقائع العربية الكبرى، تسترق السمع على القدس التي تفض بكارتها منذ ستين عاماً، وغانية تؤدي رقصة الموت على أطلال بيروت وغزة... حتى أوشك العرب على دفن رفاتها قبل عام.

هذا العام نهضت من قبرها، وخلعت أكفانها، ولملمت رفاتها، لتمارس دور قائدة بعض الثورات دون بعضٍ في زمن الربيع العربي. أصدرت الفتوى الأولى للناتو للبدء في عملية تحرير ليبيا من رجس الطاغية الدكتاتور القذافي. أطلقت صفارة البداية ووفرت الغطاء القانوني للعمليات الحربية وبدء الغارات من القواعد العسكرية في إيطاليا وفرنسا. ومما يهوِّن الخطب أنه تم الخلاص من واحدٍ من أبشع الطغاة العرب؛ وأن هناك ثمة أملاً وإن كان ضئيلاً، بأن تسترد ليبيا عافيتها، وإن كان مقابل ارتهان ثروتها النفطية لأجيال... مع أن الشعب لم يستفد من هذه الثروة لنصف قرن.

لم تكن عمليات الناتو الحربية تدخل في إطار الأعمال الخيرية، وإنما من أجل النفط. ولم تكن الجامعة العربية حريصة على الديمقراطية، لأن جميع أعضائها يعانون من فقر ديمقراطي مزمن وحاد. إنما هي باختصار... تصفية حساباتٍ بين قبائل لم تنس ثاراتها منذ أيام البسوس!

في سورية... يراد للسيناريو الليبي أن يتكرر، نظامٌ عربيٌ نموذجيٌ في الاستفراد بالرأي واحتكار السلطة والمال والنفوذ، لا يفرق عن سواه في الدكتاتورية والبطش... إلا أن خطيئته الكبرى وقوعه على خط تماس مع «إسرائيل»، ولعبه دوراً في مقاومتها وإزعاجها. وشارك بطريقةٍ غير مباشرة في إذلالها في الحروب الأخيرة دون أن يتورَّط في حرب، حفاظاً على قواعد الاشتباك التي أرسيت منذ منتصف السبعينيات. و «إسرائيل» مثلها مثل جيرانها، لم تنس ثاراتها، ولا مقبرة دبابات الميركافا، والجنود الذين عادوا صرعى من الجنوب أو لمستشفيات الطب النفسي. لم يكن حبر تقرير «فينوغراد» قد جفّ بعد... وحان الوقت للأخذ بالثارات.

عندما طـُرد الإسرائيلي من جنوب لبنان العام 2000، في أول انتصار عربي اختتم نصف قرن من الهزائم والانكسارات، أسرَّ نبيه بري لحسن نصرالله أن هذه الجرعة الكبيرة لن يتحملها الجسد العربي... فكيف كان سيتحمل ما جرى في حرب تموز 2006، وفي غزة 2008؟ وإلا من يصدِّق أن الحكام العرب حريصون على مستقبل الشعب السوري وديمقراطيته، وهم الذين يحرِّمونها في ديارهم؟ ألهذه الدرجة انبعثت الغيرة فجأة في أوداج الحكام العرب من أجل القومية والديمقراطية وحقوق الإنسان السوري وهم ممن شاركوا بحماسةٍ في إحكام طوق الحصار حول غزة وتجويع شعبها ومحاولة تركيعها؟ حصارٌ ومقاطعةٌ وحرب استنزاف اقتصادي سيتضرَّر منها الشعب السوري قبل أن تمس شعرةً في مفرق النظام.

بعد طرد جيش صدام حسين من الكويت في 1991، بدأ هؤلاء المعمِّرون في السلطة، بفرض الحصار الاقتصادي القاتل على الشعب العراقي. لم يمس الحصار أحداً من أولاد أو بنات أو أزلام صدام، وإنما أصاب الأطفال الرضع الذين أخذوا يموتون بالآلاف، وكان النظام المستبد الذي يقتل الرجال والشباب، يستغل مشهد تشييعهم الجماعي لاستدرار العطف في الخارج.

حصار 12 عاماً خطط له الأميركيون من أجل النفط، في ظلِّ إدارات جمهورية وديمقراطية متعاقبة، حتى اهترأت التفاحة وحان وقت قطافها، فالتقى ذلك مع لحظة الثأر بين القبائل... وانتهت حرب 2003 بسقوط صدام في ضربةٍ خاطفة. كانت حرب قبائل، الصواريخ أطلقت من قواعد بعضهم، والطائرات انطلقت من مطاراتهم لقصف المدن العراقية، وحين سقطت بغداد بدأوا المناحة الكبرى على قتلاهم، وسكبوا دموع التماسيح أنهاراً على الشعب العراقي، ونصبوا سرادق العزاء لمن نصبوه «شهيد الأمة» الذي كفـَّروه قبل عام. أتريدون أن تصدقكم الشعوب العربية يا جامعة التضليل؟ هل عرفتم لماذا يلعنكم العراقيون ليل نهار؟ أتريدون للسوريين أن يلعنوكم بعد عام؟ وهل ستنصبون السرادق ذاتها حين تضيع الدولة السورية تحت أقدام الغزاة الأميركيين؟

أمة لن يستنقذها من ثارات القبائل غير شباب الميادين، بوعيه وصبره. أنظمة أفلست وعليها الاستقالة والخروج من التاريخ، وحكام أنانيون بأسهم بينهم شديد، لا يتصرفون كرؤساء دول وإنما رؤوس قبائل أيام داحس والغبراء، آن لهم أن يتنحوا ويتركوا شعوبهم تعيش في أمان وكرامة لتدافع عن وجودها ومستقبلها. فهل تريدون أن تصدِّقكم الشعوب في هبـَّتكم المفاجئة من أجل أن يتنعم السوريون بالديمقراطية... وأنتم تحرِّمونها على شعوبكم التي تسوقونها كالقطعان؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3375 - السبت 03 ديسمبر 2011م الموافق 08 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 1:16 م

      كلام صحيح و جريء جدا

      مقال جريء جدا في زمن لا يأمن الإنسان على نفسه، بالإضافة إلى قوة التعبير و اللغة الجميلة. شكرا لك ووفقك الله

      فريدة

    • زائر 19 | 11:46 ص

      !!!!!!!!!!

      حدث العاقل بما يعقل شيد

    • زائر 18 | 10:52 ص

      سوريا لماذا ...!!

      سوريا اوقعت نفسها في الفخ الذي طالما يحلم الغرب به سنين طوووال , ولكني تغيرت الفكره لدي عن سوريا بعد قتل الناس بهذا الشكل المريع وأستخدام آله الحرب الثقيله .. مع الأسف
      واما بالنسبه الي الجامعه العربيه فهي تعو تعو برو برو والدليل الأنحياز لناس وناس

    • زائر 17 | 9:46 ص

      الجامعة المخللية.

      الجامعة العربية غرشة آجار خليط من الخضار منقوع في خل ، فما يكون المخلل ؟ واذا اصبح المخلل من دون خل صالا وع.

    • زائر 16 | 8:33 ص

      عين عورة وليست جامعة تمثل العرب

      سكت دهرا فاستيقضت لتصبح نمرا وربي مايناسب
      للاسف سكرو عيونهم عن البلادان الجريحة واشتغلوا بسن السيف على سوريا
      يبة طالعوا عدل جوفو منو المسلحين اللي يقطعون الناس الابرياء وبعدين تحجوا صج يبون يكسرون المقاومة بس ماعتقد هناك عيون من تحت البساط
      اتمنى اللحمة للسوريين وصدقوني اللي يبيه الشعب السوري اهوه اللي بيحققه بس مو بتسليح وتذبيح بمنهج طائفي ليش هالافة اللي يمولها الخبثاء@@

    • زائر 15 | 8:04 ص

      فقهاء السلاطين

      شكرا لك ياسيد قلت مايجب ان يقال ونريد مقالات عن من يدعون انهم شيوخ وعلماء وماهم الا والباقي نتركه لكتاباتك ويكفي العنوان

    • زائر 14 | 7:38 ص

      من اسس الجامعة العربية اليست بريطانيا العجوز بعد الحرب العالمية الثانية

      الآن جاء دور تآمرر المؤسس بضم الميم ) على الربيع العربي ورد الجميل من قبل الجامعة العربية فلا يأخذكم العجب ، وفاقد الشىء لا يعطيه هل من المعقول ان الجامعة العربية فاقدة للدمقراطية فكيف بها توزعها هنا وهناك ؟؟

    • زائر 12 | 3:48 ص

      لا بد أن يرحل

      لا أعتقد أن وقوفه ضد اسرائيل يسمح له أن يذبح ويقتل وينكل شعبه إنه طاغية لا بد أن يرحل

    • زائر 11 | 3:40 ص

      الى زائر رقم 6

      وهل يشفع للنظام السوري مواحهته لاسرائيل ودعمه لحركات المقاومه مايفعله بشعبه من تقتيل وتنكيل ،مصر على خط المواجهه ايضا واستعادت اراضيها ولم يفعل النظام السوري ذلك . ومع ذلك تغير النظام في مصر . استغرب من ناس يطالبون الحريه ويدافعون عن نظام بشار?

    • زائر 10 | 3:06 ص

      يأمرون بالمعروف وينسون انفسهم

      نفاق عربي بامتياز ..يظنون ان الشعوب لاتزال في العصور الوسطى

    • زائر 9 | 2:06 ص

      إلى التعليق رقم 5 الزائر 6

      هل أفهم أنك ضد إسقاط بشار ؟ إن كنت كذلك فأبدا لا يحق لك أن تنعت الطرف الآخر بالطائفية لأنك ستكون طائفياً بامتياز ومنتصراً لنظام طاغ ، ليس من الحكمة أبداً أن أقبل بالنظام القاتل لأنه كما يقال ( يحمي المقاومة ) ، هو قتل سوريين كثر لماذا لم يوجه هذه الطلقات للعدو ؟ هو مجرد جداً من الإنسانية وبعيد جداً عن تعاليم الإسلام الحق فكيف نقبل به ؟ وكيف نصدق أنه حسن النوايا ونصير المظاليم ومقاوم العدو ؟

    • زائر 8 | 12:56 ص

      أتّقدم بإسم البحرين بطلب الحصول على "شهادة الجامعة العربية"

      المعترف بها "دُولياً"!!

    • زائر 7 | 12:50 ص

      سيد

      رحم الله روح والديك وجزاك الله خير الجزاء
      أوجزت فأصبت لك تحية إكبار يا قلم الحريه يا حر

    • زائر 6 | 12:38 ص

      هم يريدون كسر جناح المقاومة

      صحيح أن النظام السوري نظام دكتاتوري شأنه شأن بقية الأنظمة الحاكمة لكنه نظام لم يهرول لإسرائيل كما فعلت بقية الأنظمة وعلى رأسها قطر والأردن وبعض أنظمة الخليج، بقي النظام صامدا ضد إسرائيل، صحيح أنه لم يطلق رصاصة على العدو لكنه على الأقل حمى حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، كما دعم المقاومة الوطنية في لبنان وتحمل في سبيل ذلك الكثير
      مشكلة هذا النظام أنه ليس على شاكلة بقية الأنظمة لقد انتهزوا فرصة الثورات العربية لينقضوا عليه بعد أن فضح هرولتهم المذلة نحو العدو الصهيوني

    • زائر 5 | 12:26 ص

      ريشة رسام

      ان هذا المقال لم اقراء مثله منذ مده كأنها لوحة مرسومة بريشة رسام يرسم الواقع
      شكراً لكم

    • زائر 4 | 12:07 ص

      -

      صراحة من أوقح ما اشاهده في حياتي من سينارو مخطط له وتنفذه للاسف جامعة الدول العربية تحت عناوين مضللة يفهما حتى الصغار فإنا لله و إنا اليه راجعون.
      رحماك يارب فما سوف يسال من دماء لسنا مسؤلين عنها لاننا لسنا راضون بما يحدث
      رحماك يارب

    • زائر 3 | 12:07 ص

      صباح العطاء سيدنا

      المشكله سيدنا مثل قديم ايقول ام زر تعيب على ام ودكه الودكه هي غشاء يتكون على قرنيه العين عادتا لا يلاحظه الاخرون اما الزر فهو مايشبه الثلول يصيب قرنيه العين ويكون عادتا كبير حتى الجفن مايقدر ايغطيه هذا هو الحال مع سوريا طول السنين الماضيه احتضنت اشراف العرب المعارضين لانظمتهم والان بدا وقت تصفيه الحسابات مع بشار وانتقاما من ابيه واذا لم يسقط النظام السوري وتعافي فان الدول التى طبلت وزمرت وخططت لاسقاطه ستدفع ثمن مواقفها المشبوهه واخرها محاوله رشوه وليد المعلم بمئه مليون دولار وقصر في دوله خليجيه

    • زائر 2 | 11:40 م

      بارك الله فيك

      لا اقول الا الله يحميك ويحرسك المقال قوي جدا جداً جداً ..

اقرأ ايضاً