نشرت إحدى الصحف، بصيغة الاتهام، أن مؤتمر المنتدى العربي للبيئة والتنمية «يروِّج للاستثمار في الاقتصاد الأخضر». بدل أن يكون نجاح المنتدى في وضع الاقتصاد الأخضر على جدول الأعمال العربي بمثابة تهمة، فهو في الواقع إنجاز.
لقد نجح التقرير السنوي للمنتدى عن «الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغيّر» في تحويل الكلام الإنشائي عن التدهور البيئي وانتهاك الموارد الطبيعية إلى حقائق وأرقام تحدد الخسائر، وتنطلق من هذا إلى اقتراح استثمارات صديقة للبيئة في ثمانية قطاعات. ومرة أخرى، بالأرقام التي تظهر حجم الاستثمارات المطلوبة والعائد المتوقع منها، إلى جانب أثرها البيئي والاجتماعي.
وإذا كان البعض قد اعتاد على مؤتمرات «حوار الطرشان» البيئية، التي تقتصر على مونولوج ضمن مجموعة واحدة، فما الضير في جمع 500 مندوب، ينتمون بالتساوي إلى القطاعين العام والخاص والمجتمع الأهلي والجامعات ومراكز الأبحاث، للمشاركة في حوار جدي رصين، انطلاقاً من تقرير علمي؟
ينسى بعض المنظّرين أن معالجة مشاكل عالم من سبعة مليارات نسمة اليوم وعشرة مليارات في العام 2050، لا يمكن أن تقوم على أساليب مشابهة لما كان ممكناً قبل 100 عام، حين كان عدد السكان أقل من مليار ونصف. كيف نُطعم مليارات الأفواه الجائعة؟، كيف نؤمّن لها المياه النظيفة والصحة؟، كيف نؤمّن لها الخدمات الأساسية، في وقت لايزال نحو ثلاثة مليارات من البشر يعانون فقر الطاقة؟
تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية اقترح بالتفصيل حلولاً لتأمين الغذاء، والماء، والطاقة، والمواصلات، على نحو يغطي حاجة أربعمئة مليون إنسان عربي اليوم، مع الحفاظ على حق الأجيال المقبلة في الحصول على ما يكفي من احتياجاتهم إلى العيش في مستوى لائق بكرامة الإنسان.
سأل جبران خليل جبران في كتابه «المواكب»: «هل تحممت بعطر وتنشفت بنور». كم هي جميلة هذه الصورة الرومانسية. لكن العطر الطبيعي النقي لن يكفي لاستحمام المليارات السبعة من البشر، ولا النور للتنشّف. انهم يحتاجون الى صابون، ومياه، ومناشف مصنوعة من القطن، تحتاج بدورها إلى الغسل بمساحيق. ولما كان من غير الممكن تجنُّب كل هذه، فالمطلوب استخدامها بكفاءة وتقليل ضررها.
وليست الرومانسية البيئية كل المشكلة، بل تتعداها إلى الانفصام بين النظرية والتطبيق. فحين يتحدث أحدهم ضد كل الصناعات، لا يحق له، مثلاً، أن يقبل «جائزة» من إحدى أكثر شركات الصناعات الكيماوية تلويثاً. وحين يعترض آخر على المنتدى العربي للبيئة والتنمية لأنه طبع تقريره على ورق، بدلاً من أن يكتفي بتوفيره عبر الانترنت، كان الأجدر به أن يبدأ بنفسه، فلا يطلب الحصول على خمس نسخ مطبوعة من التقرير! فأين الجريمة، إذا كان الهدف إيصال رسالة مفيدة، في استخدام الورق المعاد تصنيعه، أو القابل لإعادة التصنيع، أو المنتج من غابات يتم تجديدها؟.
نحن نعتز بشركة تنتج مصابيح توفر 80 في المئة من الطاقة التي تحتاج إليها المصابيح التقليدية، وتدعم مبادرات لتحسين كفاءة الطاقة في الدول العربية. ونرفع أيدينا تأييداً لمصنع ألمنيوم في دبي أو البحرين، استطاع توفير 40 في المئة من الطاقة والمياه بإدخال تعديلات على خطوط الإنتاج. ونصفّق لمهندس في عمّان شيّد منزلاً يستهلك 60 في المئة كهرباء أقل.
نعم، المنتدى العربي للبيئة والتنمية يدعو إلى الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، من أجل تنمية مستدامة تحقق التوازن بين الاحتياجات البيئية والاجتماعية والاقتصادية. الاقتصاد الأخضر هو طريق لتحول العالم العربي من «الاقتصاد الافتراضي» القائم على المضاربات العقارية والمالية والعمولات، إلى الاقتصاد الحقيقي القائم على الإنتاج، والذي وحده الكفيل بخلق فرص عمل. كما أنه الطريق إلى الانتقال من رومانسية البيئة إلى إطعام مليارات الأفواه الجائعة، اليوم وغداً.
الاقتصاد الأخضر، كما نفهمه، يعمل على تنمية الموارد لتوزيعها بعدالة تضمن الرفاهية والرخاء للمنتجين، لا الاكتفاء بما تيسّر من «العطر والنور». ذلك أن التوزيع العادل هو توزيع الغنى لا توزيع الفقر
إقرأ أيضا لـ "نجيب صعب"العدد 3374 - الجمعة 02 ديسمبر 2011م الموافق 07 محرم 1433هـ