العدد 3374 - الجمعة 02 ديسمبر 2011م الموافق 07 محرم 1433هـ

كيف أسَّس الأوروبيون دولهم بهذه القوة؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

صدر مؤخرًا عن المنظمة العربية للترجمة كتابٌ ثمين للباحث الفرنسي غيوم سيبرتان - بلان. عَنوَن المؤلف سِفرَه بـ «الفلسفة السياسية في القرنين التاسع عشر والعشرين»، ويتحدث فيه عن أهم النظريات الخاصة بالدولة منذ بداية القرن التاسع عشر (1801م) حتى يومنا هذا. وهي بحوث مهمَّة جدًا، قد تجيب على أكثر التساؤلات إلحاحًا، ونحن نعيش فترة فاصلة من تاريخ عالمنا العربي السياسي، الذي يرفل في ربيع تغييري لم يشهده من قبل، وما نواجهه من تأملات حول الفروق ما بين دولة الحقوق، والدولة الوطنية أو الدولة الاجتماعية، وهل السياسة حِكرٌ على الدولة قرارًا وفعلاً؟

يحتوي الكتاب على ثلاثة أقسام، وثمانية فصول. القسم الأول، أفرده المؤلف عن مبررات الدولة، ثم وزَّعها على ثلاثة فصول، الأول للحديث عن أساس الدولة، والثاني لتأسيسها، والثالث لمنطقها. والقسم الثاني جعله لمعارف الدول وممارساتها، ثم وزَّعه على ثلاثة فصول أيضًا، الأول للاقتصاد والسياسة، والثاني للعلوم والدولة الاجتماعية، والثالث للدولة البيروقراطية. أما القسم الثالث فكان للحديث عن الحدود القصوى للدولة، مُوزَّعٌ على فصليْن، الأول عن الدولة الشمولية، والثاني عن الدولة في حالة ثورة، وخاتمة عن الديمقراطية.

يبدأ سيبرتان بالحديث عن الأسباب التي تجعل من وجود الدولة أمرًا ضروريًا لحياة الناس، وشكلها المفترض ومصادر شرعيتها والأسباب التي تجعلها قادرة على الحياة والاستمرارية. يذكر سيبرتان أمرًا ضروريًا، وهو ارتباط مسألة الدولة بالاضطراب السياسي والاجتماعي الحاد. وقد ضَرَبَ في ذلك مثالاً، أحوال الثورتيْن الأميركية والفرنسية. ففي الأولى، كانت حرب استقلال، وفي الثانية بانطلاقة الطبقة البرجوازية وانحطاط الأرستقراطية لصالح الملكية.

في موضوع الثورة الفرنسية، يظهر أن شعار «إتمام الثورة» ظلَّ طوال القرن 19 ولغاية الاستقرار الهش للنظام الجمهوري ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين. فالصعوبة بدأت لدى الفرنسيين لحظة انطلاق الثورة، لكن صعوبات تأسيس الدولة احتاج إلى قدرة عملية ونظرية مشتركة. فالحالة النظرية كانت تواجه مشكلة، أن الدولة المراد تأسيسها هي نموذج جديد، وهو إقامة جمهورية ديمقراطية متأسسة على سيادة الشعب وبالتالي فهو يحتاج إلى عمق نظري مُشبَع، بالمنسوب ذاته الذي تحتاجه العملانية، والممارسة السياسية الديمقراطية.

وكما هو معروف، فإن فكرة الجمهورية تقوم على مُحددين للمواطنة، الأول: سلطة القانون الملزِمَة للجميع، مع حمايتهم من غلواء أي سلطة خاصة (الشرعية)، والثاني: على حق المواطنين في المشاركة في تدبير الشئون العامة (الحق السياسي)، وهما أمران يختلفان تمامًا عن طبيعة السلطة إبَّان الحكم الملكي المطلق، وبالتالي استمرّ لديهم العمل والتنظير معًا لإتمام مشروع الدولة الجديدة. بالإضافة إلى كلّ ذلك، فقد لعِبت النظريات السياسية الموروثة دورًا سلبيًا في جعل فرنسا ما بعد الثورة بعيدة عن الاستقرار سنين عديدة.

فالجمهورية بَنت مشكلة السلطة السياسية على فكرة الميثاق الاجتماعي واتساقه مع الحقوق الطبيعية، مع أن الفكرتين كانتا صادرتين من تقليدين مختلفين. فالثاني متشدد لا يقبل بالسيادة المطلقة في قبال الشرعية، أما الأول فكان يعارض «بعض» الحقوق الوراثية والامتيازات الممنوحة للكنيسة خلال الحقبة الملكيّة. وربما استند التوجه الأول، إلى نظرية جاك روسو الذي دعا إلى تأسيس سيادة ضمن إرادة عامة لا تقبل القسمة.


الثورة وردود الأفعال

يتحدث سيبرتان عن موضوع مهم جدًا بالنسبة للموقف من الثورات في أوروبا. فالثورة الفرنسية واجهت صدًّا من مفكرين محافظين وقفوا إلى جانب الرجعية الملكية، والنظام الأوروبي القديم، كـ لويس دو بونال، وفرانسوا دو شاتوبريان، وجوزيف دو مستر. لكن الثورة انتصرت، وأسست نظامها الحر بالرغم من مقاومة تلك الجماعات. أغرب ما يُمكن ملاحظته في تلك المواقف، هو أن النزعة المحافظة والنزعة الليبرالية كانتا في موقع الخصم لبعضهما في بداية القرن التاسع عشر، إلاَّ أنهما التقتا لاحقًا في موضوع مناهضة الخصم المشترك وهو المد الثوري. لذا، قام الليبراليون باستعارة العديد من الحجج من التيار المحافظ لنقد النظام الديمقراطي، مع محاولتهم التمايز عن المحافظين لكي لا يُنعتون بأنهم رجعيون.

كان الليبراليون ينتهجون نقدًا حادًّا «ضد الملكيات المطلقة وسلطة الكنيسة وامتيازات أصحاب الحرف والتقاليد المعرقلة لتحرر العقل الإنساني، من أجل التسامح الديني والحركة الفكرية» إلاَّ أنهم، وقفوا ضد الثورة بحجَّة أنها «طغيان ديمقراطي» مثلما كان الأول «استبداد ملكي». هم دخلوا في مرحلة الثورة باعتبارها أمرًا يعبِّر عن ذات قناعاتهم، لكن ذلك الدخول كان على مضض، باعتبار أن الثورة لم تأتِ إلاَّ بما كانت الليبرالية تطالب به. لذا، فإنهم اقتنصوا الفرصة المناسبة للانفصال عن الثورة، وهو ما حصل بعد استلام روبسبيير مقاليدها ومجيء مرحلة الرعب.

تأسيس الدولة: الشعب والوطن

كانت كلمة «وطن» مترابطة مع مفهوم «الدولة الوطنية» دون فصل. لكن قرار يوليو/ تموز 1789 الذي حوَّل الحديث من «المس بصاحب الجلالة» بصيغة «المس بالوطن» قد جعل تعريف الدولة أكثر تحديدًا، باعتبارها «شخصية قانونية، تتشكل من مجموعة الأفراد، المكونين للدولة». كانت النقلة كبيرة في مسألة المفهوم، فلم يعد التحول من سيادة فردية إلى سيادة شعب، ولا الملكية إلى جمهورية، وإنما كان بانتهاج خطاب السيادة الشرعية، وتأسيس الهيئة السياسية ودولة الحق، بطريقة منهجية لا تقبل التراجع.

لقد مرّ التحول السياسي الأوروبي بمرحلة تأسيس من القاع للأفكار والقناعات الفلسفية والسياسية، حتى استطاعت القارة أن تقيم نظامًا سياسيًا مستديمًا في استقراره على مستوى الداخل، وعدم تثوير الناس بسبب إشكالات المواطنة والمساواة والحقوق. (للحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3374 - الجمعة 02 ديسمبر 2011م الموافق 07 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 3:39 ص

      موضوع مهم

      الموضوع مهم للغاية ويلامس واقعنا عن قرب اتمنى التوفيق للكاتب الكريم

    • زائر 7 | 3:31 ص

      nice

      very important and nice artical

    • زائر 6 | 1:02 ص

      عبد علي البصري / تنبأ الامام الخميني برحيل الماركسيه والرأسماليه

      لقد اتضح للجميع أن البحث عن الشيوعية يجب أن يتوجه من الآن فصاعدا إلى متاحف التاريخ السياسي العالمي. ((فلا يغرنكم هذا الكاتب المخدوع )) بالحضاره الغربيه وقوتها ، ففي الاسلام شيئ احسن تمسكو به . وان الحضاره الغاربيه قد نبأبها الامام الخميني بأنها ستتهالك كما تنبأ بالحضاره السوفيتيه .ههه وبالفعل كان ذالك ، انظروا الى رساله الامام الخميني لكربتشوف على النت ,والسالم عليكم اخواني و مأجورين بمصاب الحسين الشهيد .

    • زائر 4 | 12:30 ص

      عبد علي البصري((دولتنا في آخر الزمان))

      فقول الامام علي عليه السلام (( ان للحق دوله وللباطل جوله ))الدوله النبويه هي ليست كباقي الدول لها سلك عسكري وآخر امني . تعتمد على معتقدات وأخلاقيات مكتسبه من الكتاب والسنه وسيره الائمه الاطهار . لذلك بقيت كل هذه القرون رغم التقتيل والتشريد والتجويع . ففي تاريخ العباسيين الكثير . ولو كان غيرهم لنقرضوا من الارض ولكانوا في خبر كان . وظهور الكثير من مؤيديهم في القرن الافريقي ، هو نذير بوجود دوله علويه تقوم على اساس (( ان خلافتكم هذه لا تساوي شسع نعلي الا ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر))

    • زائر 3 | 12:07 ص

      عبد علي البصري ((كيف اسس اهل البيت دولتهم بهذه القوه))

      يا سعاده الكاتب اما ترى الازمات تحل بهم يوما بعد يوم.
      الدوله التي اسسها الرسول الاعظم واهل بيته ، قامت على ثلاثه ادوار . ألاول : دور التنزيل ودول التأويل أو التوضيح ودور التفعيل. مارس الرسول كل هذه الادوار في زمانه ، بينما مارس الائئمه الطهار دور التأويل ودور التفعيل . حتى ثبتت الدوله النبويه بهذه القوه ، لها كيانها السياسي والاديولوجي والمالي الخاص . فلقد تعرضت للكثير من التشكيك والتهويل ، وتعترض معتنقيها الى كثير من التنكيل والتشريد وقطع الارزاق .

    • زائر 2 | 11:59 م

      عبد علي البصري

      فكلمه الامام علي عليه السلام ((ليستريح مؤمن ويستراح من فاجر ))من ضمن مفاهيمها ((كما افهم انا ان قوام الحكم بكلتى جنبتيه حق او فاجر)) ان الامن هو اهم مقومات الحكم وعليه تقاس درجات ثباته وزواله , والامن اصلا لا يثبت بالظلم ، وسوء الاداره وبالفساد الاداري ، فقوله ليستريح مؤمن يعني على نفسه وعلى ماله وعلى عرضه وعلى معتقداته . ويستراح من فاجر من شره . فأذا حدث العكس فذلك من علامات زوال الحاكم .

    • زائر 1 | 11:51 م

      عبد علي البصري

      قول الامام علي عليه السلام((لا بد للناس من امام حق او فاجر ))ليس ذلك بمعنى اقرار منه عليه السلام بحكم الظالمين ، كما يفهمه بعض الاخوه . فلو كان كذلك لتخلى عن الحكم لمعاويه او لاصحاب الجمل ؟ ولرضي بالخلافه بعد مقتل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ! ولاكن المعنى ان الفطره الانسانيه تقتضي ان يكون هناك خليفه اما حق او باطل ليدير الدوله ، ليستريح مؤمن ويستراح من فاجر.

اقرأ ايضاً