العدد 3373 - الخميس 01 ديسمبر 2011م الموافق 06 محرم 1433هـ

أول من بكى في كربلاء

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

البعض ممن يشاهد المسلمين الموالين لآل بيت النبي محمد (ص) يحيون كل عام ذكرى ثورة أبي عبدالله الحسين (ع) بهذا الشكل الاحتفالي المهيب، يشكلون عليهم الأمر مدعين أنها مجرد ثورة وانتهت بالقتل لصاحبها. وهم – لسوء الحظ - يخطئون في هذا التصور المبسط لثورة الحسين (ع)، فحركة الحسين (ع) ليست مجرد ثورة بالمعنى التقليدي للكلمة. بل هي ثورة رسالية، أي ليست آنية بوقتها وزمانها، لأنها تنادي بالتغييرات الكلية الشاملة، بدءاً بالثورة الداخلية في نفسي ونفسك، ثورة على الاستكانة والخنوع النفسي أولاً في وجه الطاغوت، وتنتهي إلى ثورة على حكم الطاغوت بعد تدريب النفس على عدم الخضوع والذلة الداخلية. هكذا تدربك ثورة الحسين، لتنتهي بعدها عند حدود تغيير المجتمع بكل أبعاده، من خلال تغيير الأشخاص والرموز التي تتحكم فيه لسنوات بل ولقرون من دون تغيير. ثورة خالية من الأهداف الشخصية الدنيوية الزائلة بزوال صاحبها من الحياة، لأنها حركة جهادية ذات أهداف شمولية وإنسانية عامة. من هنا هي ثورة الحسين (ع) تأتي بخلاف كل الثورات.

إذاً فالحسين (ع) هو شهيد ثورة الرسالة وقتيل العبرة، وأحيى بقتله دين جده وجدَّد حيوية الإسلام الذي يريد للإنسان أن يكون حراً أمام كل شيء إلا من العبودية لله وحده. وبجانب ذلك، فالحسين (ع) أوضح لنا كيفية الالتزام بمفهوم الإنسانية ومراهنته عليه حتى اللحظة الأخيرة قبيل بداية المعركة، فقد وقف الإمام الحسين (ع) ورمق جيش عمر بن سعد بعين باكية، فسألته أخته زينب (ع): أتبكي يا أخي؟ فقال: والله ما على نفسي بكيت، بل على دخول هذه الجموع إلى النار.

وكيفما كانت صحة الرواية أو راويها، فهي لعمري، تدل على الجانب الإنساني الراقي والسامي عند الإمام والذي استقاه بالطبع من تربية جده الرسول الأكرم له ووالده الإمام على (ع) كذلك. مع أنها ليست المرة الأولى التي بكى فيها ضمن هذه القضية. فحين أراد أن يخرج من مكة، جاءته ابنته الصغيرة صائحة وكان يحبها جداً وتعلقت بثوبه قائلة: مهلاً مهلاً أبه، توقف حتى أتزود من النظر إليك، فهذا وداع لا تلاق بعده. ثم قبلت يديه ورجليه، فجلس وأجلسها في حجره، وبكى بكاءً شديداً ومسح دموعه. كذلك، حين وقف على جسد أخيه العباس وسط ميدان كربلاء فرآه صريعاً، وكلتا كفيه مطروحتين في موضع، فحينئذ بكى بكاءً شديداً. وأيضاً، عندما برز القاسم ابن الحسن إلى القتال اعتنقه، وبكى حتى غشي عليه. ولا ننسي حين برز ولده علي الأكبر، أرخى عينيه، وأخذ شيبته بيده ورفع رأسه ودعا ربه... نعم لقد بكى الحسين في عدة مواضع لأنه في النهاية بشر له أحاسيس وعواطف، ولكن قضية بكائه على أعدائه لدخولهم النار بسبب قتالهم له وجهلهم بذلك تعذراً أو طمعهم في الدنيا غالباً، ليس أمراً عادياً يقوم به كل البشر، فهذه هي صفات الأئمة المعصومين فقط. فالحسين (ع) إذاً ليس ثائراً عادياً، بل هو معيار الكفر والإيمان في ذاك الوقت، فهو يدعوهم إلى الجنة، أي الإيمان، وأعداؤه يدعون أنفسهم إلى النار، أي الكفر بعينه. وهذا أيضاً أحد الوجوه الفلسفية لنداء الإمام الحسين (ع) في كربلاء قبل استشهاده، ألا من ناصر فينصرنا، أي ألا من راغب في الجنة فيدخل معنا. إلى هذه الدرجة من الإنسانية كان الحسين يفكر بمن يقاتله أو من لم يبلغ الفتح معه بعد. وإنه لنداء مازال يتردد بين جنبات الزمن، ألا من ناصر فينصرنا ليكون مع الحسين (ع) وأصحابه وليس مع جيش يزيد وأصحابه. فهل من مجيب ومستبصر؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3373 - الخميس 01 ديسمبر 2011م الموافق 06 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:33 ص

      ماذا يبن سلمان لو نسبنا الحسين

      من هو الحسين(الجد محمد بن عبد الله شفيع الامه منقذها ونبيها . الاب علي ابن ابي طالب غني عن التعريف الام فاطمه الزهراء بنت محمد قال فيها الحبيب انها سيده نساء اهل الجنه باجماع المسلمين كافه الجده خديجه بنت خويلد التى تشرفت بامتداد ذريه محمد من رحمها الطاهر اذا من هو الحسين هو سبط رسول الله وحبيبه وقال فيه انه وأخوه الحسن سيدا شباب اهل الجنه من قتل الحسين ولماذا وهل يرقى من قتل الحسين الى مستوى شسع نعل الحسين هذا تساؤل فهل من مجيب

    • زائر 4 | 5:41 ص

      بحريني مقهور حده .

      شعار ثورة الإمام الحسين عليه الصلاة و السلام .
      كل أرض كربلاء و كل يوم عاشوراء .
      أينما وجد الظالم , ترى ثورة الحسين عليه الصلاة و السلام , تكون في المقدمة , ضد هذا الظالم .
      غاندي الهندوسي قال مقالة شهيرة جدا :- (( علمني الحسين عليه الصلاة و السلام , كيف أكون مظلوما فأنتصر )) .

    • زائر 3 | 4:34 ص

      ولائية

      السلام عليك يا صاحب الدمعة الساكبة هذه ايام تجارة المؤمن باحيائه هذه الفاجعة الاليمه اللهم تقبل منا ومنكم صالح الاعمال ومأجورين

    • زائر 2 | 4:10 ص

      سؤال

      شكرا استاذنا ولكن ممكن تشرح لنا لم سمى الإمام الحسين مسير وواقعة الطف بالفتح، عندما قال في خطبته قبل المسير لكربلا ناصحا لمن لم يلتحق به بأنهم ( لم يبلغوا الفتح)؟
      شكرا

    • زائر 1 | 12:24 ص

      مقال رائع

      لقد هز أركاني وأبكاني حسك وعمق مقالك -بوركت

اقرأ ايضاً