كانت النساء التركيات من أوائل نساء أوروبا اللواتي مارسن حقوقهن السياسية مع إنشاء الجمهورية التركية العام 1924. ولكن بعد مرور 87 سنة، تصنَّف تركيا في المركز الـ 122 من أصل 135 دولة العام 2011 على مؤشر الفجوة العالمية في النوع الاجتماعي.
هناك سجلّ تاريخي معقد لحقوق المرأة في تركيا. حصلت المرأة التركية على الكثير من حقوقها الاجتماعية والثقافية والسياسية الحالية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي بعد إنشاء الجمهورية التركية. ففي العام 1934 اعترفت تركيا قبل فرنسا وسويسرا بحق المرأة في التصويت والترشح لمناصب في الدولة. ومع الحقوق السياسية هدفت الكثير من الإصلاحات القانونية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي إلى توفير حقوق مساوية للمرأة التركية في المجالات التعليمية والأسرية والاجتماعية والقانونية وفي مكان العمل.
إلا أن هناك اليوم مشاكل ملحّة عندما يتعلق الأمر بالمساواة في النوع الاجتماعي في تركيا. هذه المشاكل لا تؤذي المرأة فحسب وإنما الرجال والمجتمع على اتساعه.
تشكّل المساواة في النوع الاجتماعي اليوم حجر الزاوية في العملية الديمقراطية، وفي محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكذلك مصدر قلق رئيسي لحركة نسائية تزداد قوة. وقد تم اتخاذ عدد من الخطوات القانونية، تؤثر بشكل خاص على الدستور والقانون المدني والقانون الجزائي خلال العقد الماضي لتصفيف قوانين تركيا المحلية مع التزاماتها الدولية.
أضاف تعديل المادة 10 من دستور العام 1982 في العام 2004 على سبيل المثال مادة جديدة تمنع التمييز على أساس الجنس. كذلك تم تعديل القانون الجزائي التركي العام 2004 بحيث يتم تفسير الجرائم ضد المرأة ضمن إطار الجرائم ضد الإنسانية، وإدخال حكم السجن المؤبد ضد مرتكبي ما يسمى «جرائم الشرف». وتقوم الحكومة في الوقت الحالي بصياغة قانون شامل جديد بشأن العنف ضد المرأة.
على رغم هذا الإطار القانوني، من الصعوبة بمكان الحديث عن المساواة الاجتماعية الحقيقية للمرأة. ففي الوقت الذي تفتخر فيه الحكومة الحالية بإبراز أن تركيا هي واحدة من الدول العشرين الأكثر نمواً في الاقتصاد في العالم، إلا أن تصنيفها الضعيف في مؤشر الفجوة العالمية في النوع الاجتماعي يقترح قصة أخرى، فالمجالات التي يبرز فيها عدم المساواة في النوع الاجتماعي بشكل كبير هي المشاركة الاقتصادية والفرص، حيث تصنّف تركيا في المركز الـ 132 من أصل 135 دولة، والتحصيل العلمي، الذي تصنف فيه الدولة في المركز الـ 106 من 135.
وحيث ان المعدل العالمي لمشاركة المرأة في سوق العمالة هو 52 في المئة، تتراوح النسبة في تركيا بين 24 و28 في المئة، وهي أقل من نصف المعدل العالمي. إضافة إلى ذلك، انخفضت معدلات التوظيف للإناث منذ تسعينيات القرن الماضي، نتيجة لهجرة هائلة من المناطق الريفية إلى المدن، الأمر الذي يعني ضمنياً أن النساء اللواتي كن يعملن في الزراعة في السابق ويقمن الآن في المدن لا يحصلن إلا على وظائف في القطاع غير الرسمي، أو يبقين دون عمل نظراً لانعدام المهارات والتعليم لديهن. وتشكّل النساء غالبية السكان الأميين في تركيا حيث توجد نحو أربعة ملايين امرأة أمية اليوم.
تظهر تجربة تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة أن المساواة القانونية لا تؤدي حتماً إلى مساواة حقيقية. هناك أمثلة عن ممارسات جيدة، بما فيها حملات على مستوى الدولة ومبادرات لتشجيع الأسر على إرسال بناتهن إلى المدرسة، وبدعم من منظمات نسائية غير حكومية تزداد نشاطاً. وعلى رغم ذلك، يبقى أثرهن محدوداً نظراً للصعوبات الاقتصادية والقيم الاجتماعية الأبوية.
مازالت الكثير من الأسر لا ترسل بناتها إلى المدارس لأن الفتيات يقمن بمسئوليات منزلية منذ صغرهن. لذا فإن التعليم الرسمي للفتيات لا يشكل أولوية، وهي مشكلة تتفاقم في المناطق الريفية بسبب مشاكل المواصلات.
هناك حاجة ماسة لأن تترجم النية السياسية الإصلاحات القانونية إلى مساواة حقيقية وعملية في النوع الاجتماعي في جميع نواحي الحياة. ويشكل توفير التدريب والتعليم للمرأة لتمكينها لتصبح قوية ومستقلة خطوة أولى مهمة. لذا فإن تحسين كل من نظام التعليم الرسمي وفرص التعليم الحياتية للمرأة يشكل أهمية كبرى.
يجب كذلك اشتمال الرجال في جهود تشجيع المساواة بهدف تحدّي العقلية والقيم السائدة. ويمكن لإدخال صفوف المساواة في النوع الاجتماعي ضمن نظام التعليم الرسمي وتوفير التدريب في مجال المساواة في النوع الاجتماعي، وخاصة بالنسبة للأفراد من الجيش والشرطة والخدمات القانونية، أن يشكل خطوة أولى في هذا المجال.
وعلى رغم أن الجهود الحكومية لمكافحة العنف ضد المرأة كانت مثيرة للاهتمام، فإنها لن تكون مفيدة إلا إذا تم استكمالها بمبادرة راسخة على جبهات أخرى، هي استقلال المرأة الاقتصادي والمشاركة الاجتماعية
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3373 - الخميس 01 ديسمبر 2011م الموافق 06 محرم 1433هـ