انعقد في مراكش في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي المؤتمر الرابع للدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وقد أجريت حينها مقابلة مختصرة مع صحيفة «الوسط»، وحالت المشاغل دون الكتابة عن الموضوع في حينه.
وبحسب نظام الاتفاق فإن الدول الأطراف في الاتفاقية تعقد مؤتمرها كل عامين ويدعى له إلى جانب الدول الأطراف في الاتفاق كمراقبين، الدول غير المصدقة، ومنظمات الأمم المتحدة ووكالاتها المعنية والمنظمات والهيئات والصناديق والبنوك الدولية والإقليمية، وكذلك المنظمات الأهلية الإقليمية والدولية المعنية بمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والنزاهة المعتمدة لدى الأمم المتحدة. وسأركز حديثي هنا على دور المنظمات الأهلية.
انعقدت الدورة الرابعة في ظل الربيع العربي والذي انعكس على أعمال وأجواء المؤتمر. أول ذلك هو نقل مقر انعقاد المؤتمر في قصر المؤتمرات والذي يقع في شارع محمد السادس في قلب مراكش حيث غالبية فنادق الوفود، إلى أطراف المدينة حيث مجمع الغولف الرياضي، خوفاً من المظاهرات الاحتجاجية التي تعم المغرب، وخوفاً من أي عمل إرهابي حيث شهدت مراكش عملية تفجير إرهابي في أحد المقاهي أودت بحياة العشرات قبل أشهر.
وعلى رغم ذلك فقد استمرت الحراسة على قصر المؤتمرات. أما الأهم فهو أن مفاعيل الربيع العربي، عكست نفسها على جدول أعمال المؤتمر وكلمات الوفود ومقارباتهم. ففي الكلمة الافتتاحية التي ألقاها مستشار جلالة الملك محمد السادس نيابة عنه، أكد فيها أن الفساد في أوساط النخب الحاكمة، واستغلال النفوذ من أجل جمع الثروة، وفقدان النزاهة، وفشل التنمية، وازدياد البطالة في أوساط الشباب وفقدان المشاركة الشعبية في الحكم هي من أهم أسباب اندلاع الثورات والاحتجاجات التي اجتاحت البلدان العربية. وطالب جلالة الملك بإقامة تحالف دولي لمكافحة الفساد، إضافةً إلى إصلاحات عاجلة في النظام السياسي والاقتصادي محلياً ودولياً، لمعالجة الأوضاع المتفجرة في العالم.
كما انعكس الربيع العربي في الكثير من كلمات الوفود الرسمية، وكرّس لذلك عددٌ من الندوات والورش لمناقشة مواضيع محددة طرحها الربيع العربي، منها العلاقة بين الفساد والاستبداد، والدول الفاشلة، والفساد والتنمية، واسترداد الأموال المنهوبة والتعاون الدولي في هذا الصدد، وآليات دعم اقتصادات دول الثورات الناجحة مثل مصر وتونس. كما خصصت ندوات لدور الشباب في مكافحة الفساد، في ضوء دورهم البارز في الثورات العربية.
بحسب نظام الاتفاق فإن دور منظمات المجتمع المدني المعتمدة لدى الأمم المتحدة أو تلك التي تقبلها اللجنة التحضيرية للمؤتمر فإنه يحق لها حضور الجلسات العامة للمؤتمر، وإلقاء كلمات أمامها أسوةً بالدول، والمشاركة وحضور الندوات والورش الموازية، وأن تنظم في مقر خاص بها أية نشاطات ترتئيها. وفعلاً فقد خصصت قاعة خارج مقر المؤتمر لذلك، وعهد بها إلى التحالف الدولي من أجل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (UNCA – Coalition) بإداراتها.
أما القضية الأهم فهي دور المنظمات الأهلية المعنية في آليات مراقبة وتنفيذ الاتفاق من قبل الدول الأعضاء بحسب المادة 13 من الاتفاق والمادة 17 عن آلية مراجعة تنفيذ الدول للاتفاق بإشراف من دولتين أعضاء أو ما يعرف بـ (Peers Review). فقد اتفق في مؤتمر الدوحة الثالث للدول الأطراف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2009 على تشكيل مجموعة مراقبة التنفيذ والتي اجتمعت في فيينا خلال يونيو/ حزيران ويوليو/تموز 2010، ووضعت قواعد المراجعة واختيار الدول التي سيتم مراجعتها كدفعة أولى (26 دولة) بحيث تتم مراجعة جميع الدول الأعضاء خلال 5 سنوات.
وقد اتفق أن تشمل المراجعة للدورة الأولى ما يتعلق بالفصل الثالث (التجريم وإنفاذ القانون)، والفصل الرابع (التعاون الدولي)، فيما ستشمل الدورة الثانية ما يتعلق بالفصل الثاني (الإجراءات الوقائية) والخامس (استرداد الموجودات). وتم الاتفاق على أن تكون المراجعة شفافةً وكفوءةً وشاملة وغير منحازة.
تنص المادة (13) في الاتفاق على طلبها من الدول الأعضاء أن تعزز مشاركة نشطة للأشخاص والمجموعات الأهلية في منع ومكافحة الفساد وتعزيز هذه المشاركة بإجراءات تتضمن تعزيز الشفافية وتعزيز مشاركة القطاع الأهلي في صنع القرار وضمان وصول الجمهور للمعلومات، واحترام وتعزيز حرية السعي والحصول ونشر وتوزيع المعلومات المتعلقة بالفساد، مع دعوة الدول الأطراف إلى تطوير سياسات تعزز المشاركة المجتمعية (المادة 5)، وتعزيز الشفافية في الإدارة العامة (مادة 10). وتطلب من مؤتمر الدول الأعضاء الموافقة على إجراءات وطرق عمل تشمل التعاون مع المنظمات الأهلية ذات العلاقة (مادة 63).
من هنا فقد أثيرت قضية دور المنظمات الأهلية ذات العلاقة في مؤتمر الدوحة، ومجدداً في مؤتمر مراكش. وقد كان هناك تباين شديد في مواقف الدول والكتل مثل مجموعة 77، الصين، المجموعة العربية، الاتحاد الأوروبي، منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي والغرب عموماً. من هنا فقد كان في مقدمة مهمات التحالف الدولي للاتفاقية، وهو تحالف تشكّل بعد مؤتمر الدوحة من العشرات من المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية الأهلية المناهضة للفساد وتعزيز الشفافية، ومنها «الجمعية البحرينية للشفافية»، العمل على إقناع الدول والكتل بتبني المؤتمر لقرار واضح بموجب المادة (4-63) بإشراكها الكامل في آليات مراجعة التنفيذ الدورية.
ويشمل ذلك المشاركة في الهيئة الوطنية المعنية بإعداد التقرير عن التقييم الذاتي، والمعلومات والتقارير المقدمة إلى لجنة التقييم، والاطلاع على سير العملية، بما في ذلك حضور جلسات التقييم. وقد قدمت فنلندا مثلاً نموذجاً لذلك فيما يخص إشراك منظمات المجتمع المدني في عملية التقييم، ونشرت التقرير الصادر عن لجنة التقييم كاملاً باللغتين الفنلندية والإنجليزية.
أهم الكتل هي كتلة 77 (الدولة النامية) – الصين ومنسقها إيران، مدعومةً بروسيا، ولها تحفظات على مشاركة المنظمات الأهلية. الكتلة الأخرى هي مجموع الدول الغربية والتي تتباين مواقفها لكنها متفقة على مشاركة المنظمات الأهلية بدرجةٍ ما. ومن خلال اللقاءات مع ممثليها، أكدوا أن لا مشكلة لديهم، وعلى ممثلي المجتمع المدني إقناع إيران بشكل خاص، وبعض الأقطاب مثل المغرب، البلد المضيف، ومصر ما بعد الثورة، والهند، والصين.
وفعلاً فقد جرت اتصالات حثيثة، ومن خلال المساومات ما بين الدول، فقد تم التوصل إلى قرار وضعت مسودته إيران والمغرب، وجرت الموافقة عليه ويقضي بأن يتم اختيار منظمات المجتمع المدني في كل حالة لوحدها، حيث يتم الاختيار من قبل سكرتاريا الاتفاقية والدولتين المقررتين، بموافقة الدولة المعنية.
إن تجربة مراجعة الـ 25 دولة خلال الجولة الأولى، تظهر تفاوتاً شديداً في مدى إسهام منظمات المجتمع المدني سواءً في التقييم الذاتي أو المراجعة الدورية، ومدى شفافية وموضوعية وصدقية التقييم الذاتي، وحتى الآن فأفضلها فنلندا، التي عرضت تجربتها في مقر المجتمع المدني.
القضية الثانية التي طالبت بالمشاركة فيها هي استرداد الأموال المنهوبة من قبل القيادات السياسية الفاسدة وشركائهم أرباب الأعمال، والتي بمعظمها مودعةٌ في الخارج، وخصوصاً ما يعرف بالمناطق الحرة والجنات الضريبية. وهذه قضية تهم بالأساس الدولة المعنية باسترجاع أموالها المنهوبة
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 3370 - الإثنين 28 نوفمبر 2011م الموافق 03 محرم 1433هـ