«الاقتصاد الحر» غير مستقر في أدائه، على رغم ادّعائه «التحرر». أسواقه مضطربة، ومعرَّضة إلى الانهيار بمجرد خضوع رئيس شركة كبرى إلى عملية لإزالة الزائدة الدودية.
الناشر ورئيس تحرير مجلة «فوربس» الأميركية، ستيف فوربس، شنَّ هجوماً كاسحاً على من أسماهم ديناصورات الاقتصاد الأميركي، وفي موضع آخر أسماهم «البارونات اللصوص».
أقرأ في مقالته الأخيرة «حان الوقت لتدمير هذه الديناصورات»، استدعاء تاريخياً وخوفه على المستقبل، متكئاً على فهم الجدلية بين محاولة النهوض باتزان أحياناً، وشهوة قاتلة أحياناً أخرى، وبين ما يسميه «العودة إلى الإرث المدمّر للعصر التقدُّمي قبل أكثر من قرن».
يركِّز فوربس على التخلُّص من إرث فترة الكساد العظيم في العام 1929، إذا ما أرادت الولايات المتحدة تفجير طاقات وإمكانات اقتصادها المتنوع وشبه اللانهائي.
وإرث الكساد العظيم نهاية العشرينيات من القرن الماضي، هو ذاته الشهوة القاتلة، والذهاب المستميت لاستغلال الانتعاش غير المسبوق، وتراكم الثروات، وبروز طبقات متحكّمة في مصادر الإنتاج في أقل من عقدين، والبروز الأفقي للطبقة الوسطى، مع موجة الهجرة الكبيرة من الأوروبتين الغربية والشرقية، وآسيا، وبدرجة أقل، إفريقيا.
فوربس يرى أن «الأسواق الحرة لابد أن تحيد عن السكَّة؛ ما لم توجهها حكومة ناشطة». ويرى نشاطها في تتبُّعها واستقصائها ومراجعتها لكل القوانين والتشريعات والأنظمة، ويسوق مثالاً في هذا الصدد يتمثل في استجابة تلك القوانين والتشريعات والأنظمة لتغيُّر الظروف «مثلاً ظهور الطابعات في بداية الستينيات من القرن الماضي، تطلَّب منا تحديث قوانين حقوق الطبع».
يرى فوربس أن كل كساد يعتري الاقتصاد، هو من الأخطاء الكبرى التي تتحمَّل الحكومة مسئوليتها. ويركز قراءته في الأزمة الاقتصادية الحالية التي يعانيها الاقتصاد الأميركي منذ العام 2008 وحتى اللحظة الراهنة في العام 2011، الذي تكاد تقترب فيه أميركا من حافة الإفلاس.
العنوان التحريضي الذي يبدأ به فوربس مقالته: «حان الوقت لتدمير هذه الديناصورات»، يقدّم شاهدين منهما بدأ الانهيار في وول ستريت، وانعكس ذلك في انهيار مصارف ومؤسسات للرهن العقاري وشركات تأمين كبرى وشركات للطاقة أيضاً، وعدد من الشركات العملاقة المصنّعة للمركبات الأميركية الشهيرة التي أمدَّتها الحكومة بأجهزة تنفس اصطناعي عبر ضخ عشرات المليارات من الدولارات بشراء حصص فيها، في محاولة لإنقاذها باعتبارها علامات وطنية ووجهاً من وجوه الهيمنة الأميركية في غزو الأسواق، ودليلاً - كما يرى - على نجاعة فتح الأسواق، والاقتصاد الحر.
الشاهدان هما الممارسة التي اتبعتها كل من «فاني ماي» و «فريدي ماك»، مضيفاً إليهما «سياسات ضعف الدولار التي يتبعها النظام الاحتياطي الفيدرالي».
يرى ستيف فوربس أن «الفكرة وراء مكافحة الاحتكار تكمن في أنه إذا تمكنت شركة من الهيمنة في حقل معيَّن؛ فإنها ستحتفظ بهيمنتها تلك إلى الأبد، وسيكون ذلك على حساب المستهلك»، وهو تماماً ما يريد التوصل إليه، فمثلما احتكرت الديناصورات في التاريخ منافع وموارد الغذاء في الطبيعة باعتبارها عنصر حياة فاعلاً ورئيساً، تحتكر الشركات الكبرى اليوم في ظل انعدام القوانين المراقبة والراصدة لأدائها، منافع وموارد البقاء وأسبابها.
فقط هي سيادة التوحُّش، والحنين إلى بدائية العلاقات التي تحكمها القوة والسطوة والإمساك بأسبابهما. التوحُّش ذاته الذي ولد وتناسل منه - بحسب فوربس - «البارونات اللصوص، الذين أفسحوا الطريق أمام قوانين مكافحة الاحتكار الأصلية».
احتكار يطول كل شيء، ليس فقط احتكار السلع والأسواق. الأهم من ذلك احتكار الحياة في عمومها، بتحوُّل اللصوص إلى ديناصورات لن ترى في موارد هذا الكوكب ما يكفيها. فقط هو انهيار يطوله يتجاوز بكثير انهيار الأسواق المالية، كي يقتنع ديناصورات الاحتكار بأن القيامة على بعد جرس إنذار
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 3369 - الأحد 27 نوفمبر 2011م الموافق 02 محرم 1433هـ