«احتج لمن شئت تكن أسيره»، قاعدة تطبق على الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا من خلال الديون السيادية، وعدم السماح لها بدفع قروضها الوطنية بل إغراقها بالديون، وجعلها موضع التبعية المالية المستمرة للذين يمسكون بخيوط الحقيقة.
إن ما يحدث هو تطويق عنق الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا واليابان وبعض الدول الآسيوية، فقد ارتفعت ديون السيادة للحكومات إلى مستويات عالية، بعضها يقترب من حجم ناتجها المحلي، وبعضها تجاوز ناتجها المحلي، وهي أرقام ضخمة تقاس بمئات المليارات وبعض الدول تقاس بالتريليونات من الدولارات.
وتزداد ديون الحكومات يوماً بعد يوم، مع تزايد العجز في الموازنات العامة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وبدأت آثارها بأزمة في اليونان وبدأت تنتقل إلى إيطاليا وقد تتبعها البرتغال وإسبانيا وايرلندا.
إن أي عملية حسابية رياضية بحتة لأقصى الحلول التقشفية، ستكون نتيجتها عدم قدرة دول أوروبا وأميركا على تسديد ديونها التي تبلغ مليارات وتريليونات الدولارات. وكل ما تستطيع عمله هو دفع الفوائد للجهات المقرضة إلى «الأبد»، أو إلى زمن لا يعلمه إلا الله.
هذه الدول وقعت في الحلقة الخبيثة للديون، وهي تعني عدم قدرتها على تسديد ديونها بمواردها، وإنما تسديد الدين بالدين، وتدفع الفوائد بالدين، وهي دوامة مدمرة.
لكن النغمة العالمية الرائجة في وسائل الإعلام، هي أن الديون في المستوى الآمن، لتستمر الحكومات في الاقتراض، ويستمر المستثمرون في اللعبة، بهدف عدم السماح للحكومات العالمية بدفع قروضها الوطنية، وإغراقها في الديون حتى تقع في الحلقة الخبيثة للدين، وبعدها لا تستطيع التخلص من كابوس التبعية المالية.
إن الدول تفقد حريتها المالية عندما تقع في الحلقة الخبيثة للديون، ومن ثم تفقد حريتها الاقتصادية والسياسية فيما بعد، وأبرز مثال اليونان فقدت حريتها المالية وأصبحت جهات خارجية هي التي تحدد إطار ماليتها العامة وتجبرها على اتخاذ مواقف صعبة.
إغراق الدول بالديون هو فكر استعماري، تم تطبيقه على الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ودول آسيا المتقدمة كاليابان وكوريا الجنوبية.
ومن يقول إن أميركا ليست تحت الاستعمار، عليه أن يعيد التفكير، فالاستعمار تغير وبأساليب أكثر تنوعاً، فبالأمس كان الاستعمار دولة إلى دولة، أما اليوم فالاستعمار تقوم به منظمات ومافيات إلى دول.
الهدف الذي يدفع دولة لاستعمار دولة أخرى على مر التاريخ هو السيطرة والثروة، وما يحدث الآن هو سيطرة على أميركا وأوروبا وثرواتها من قبل المنظمات والمافيات.
عنصر السيطرة، أن أميركا أصبحت تابعة مالياً بسبب الديون الضخمة للجهات التي تمسك بخيوط الحقيقة، وأن أي تحرك من قبل السلطات الأميركية، سيتم خنقه من خلال رفع أسعار الفائدة، حتى تقف السلطات مذهولة خانعة أمام الخطر الهائل.
أما عنصر الثروة، فإن أميركا تدفع فوائد على ديونها، وهي تعادل أكثر من 5 في المئة من إجمالي إيراداتها (الضرائب التي تفرض على الشعب)، وسترتفع إلى 10 في المئة خلال السنوات المقبلة، وهو ما يعني فعلياً أن الشعب الأميركي سيدفع ضرائب تبلغ 10 في المئة، إلى الجهات التي تستعمر دولتهم تحت مسمى «فوائد لخدمة الديون».
إن الذين يمسكون بخيوط الحقيقة، وضعوا الأغلال المحكمة في رقبة أميركا وأوروبا، من خلال الاخطبوط المتشعب للديون، وتوريط دول كالصين واليابان وبريطانيا في شراء سندات الخزانة الأميركية، كي تكون أمام خطر النار في حال قررت الولايات المتحدة شطب الديون. وبالتالي يضمن هؤلاء أموالهم التي يستعبدون بها الأمم.
كما أن الفوائد التي تدفعها أميركا إلى بعض الدائنين كبريطانيا واليابان، تذهب في النهاية إلى الذين يمسكون بخيوط الحقيقة، كفوائد على هذه الدول.
وينقل عن رئيس الولايات المتحدة الأميركية توماس جيفرسون (1801 - 1809) أنه قال: «إني مؤمن بأن هذه المؤسسات المصرفية - البنوك - أشد خطراً على حريتنا من جيوش غازية... وقد خلقت بوجودها أيضاً طبقة أرستقراطية مالية أصبحت تتحدى بسلطانها الحكومة».
وكما ينقل عن رئيس الوزراء الأنجلينزي في القرن التاسع عشر «دزرائيلي» أنه قال: «إن الذين يحكمون العالم هم أشخاص مختلفون جداً عمن يتخيلهم أولئك الذين يجهلون ما وراء الستار»
إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"العدد 3368 - السبت 26 نوفمبر 2011م الموافق 30 ذي الحجة 1432هـ