أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 أن جميع القوات الأميركية ستغادر العراق مع نهاية هذه السنة. منذ ذلك التاريخ، أخذ الناس داخل العراق وخارجه يتكهنون بشأن ما الذي سيحصل بعد ذلك. وفي الوقت الذي يركز فيه الكثير من المعلقين السياسيين على ما تحتاج الولايات المتحدة أن تفعله، من الأهمية بمكان كذلك النظر إلى تجاوب العراق مع استقلالها الجديد وكذلك علاقتها مع الولايات المتحدة.
وعلى رغم أنه من غير الواضح كيف سيؤثر الانسحاب الكامل على العراق، فإن هناك أمورا مؤكدة، فالنزاع بين الأحزاب السياسية المختلفة سيستمر على الأرجح. مازالت الحكومة العراقية تكافح لحل الخلافات بشأن من سيحصل على مناصب وزارية في وزارتي الداخلية والدفاع. وتستمر الكتل السياسية في الجدل بشأن تخصيص المقاعد بعد الانتخابات الأخيرة، وهي تركز بصورة أقل على تحسين الخدمات الأساسية للمواطنين العراقيين.
وعلى رغم جهود الحد من الفساد، فإنه مازال مستشرياً بشكل واسع في المؤسسات العامة. كما وصلت العلاقات بين كردستان العراق والحكومة الفيدرالية إلى مستوى منخفض جديد بسبب مشروع قانون جديد للنفط والغاز والذي كان قد وافق عليه مجلس الوزراء العراقي في أغسطس/ آب الماضي ويعطي الحكومة المركزية التي يسيطر عليها العرب سيطرة أكبر على احتياطيات النفط والغاز. كما أدت عملية إزالة العلم الكردي من المؤسسات العامة فيما يسمى بالمناطق المختلف عليها إلى زيادة التوتر في هذه العلاقات.
إضافة إلى ذلك، وبعد انسحاب القوات، فإن الذريعة التي تستخدمها الجماعات المتشددة المسلّحة والمنظمات الإرهابية في محاولة لتبرير هجماتها على قوات الأمن العراقية (وهي أنها تقاوم الاحتلال) لن تكون سارية المفعول بعد الانسحاب. سيتلاشى الدعم من جانب هؤلاء الذين يوافقون على هذه الذريعة في نهاية المطاف، الأمر الذي سيحد من وتيرة الهجمات الداخلية على القوات العراقية حسبما هو مأمول. ومع اختفاء هذا «التبرير»، تستطيع الحكومة أن تستخدم سلطتها بصورة أفضل لمحاكمة الأعمال العنفية على أنها نشاطات إجرامية.
ويبقى السؤال الآن ما إذا كان السياسيون العراقيون على استعداد لهذه المرحلة الجديدة من الاعتماد الذاتي أو لا. وحتى يتسنى لهذا التحول أن يحصل بطريقة سلسة وفاعلة، تحتاج الأحزاب السياسية العراقية إلى أن تضع خلافاتها جانباً وتعمل معاً لتشكيل حكومة واقتصاد ناجحين. يعتمد نجاح التعاون العراقي الأميركي المستقبلي بالدرجة الأولى على العراقيين وتكريسهم لرعاية علاقة جديدة مع الولايات المتحدة.
تقوم اتفاقية الإطار الاستراتيجي الأميركي - العراقي التي وقعتها الدولتان العام 2008 بإرشاد وتوجيه هذه العلاقات. فبموجب هذا الإطار، يمكن للعلاقات بين العراق والولايات المتحدة أن تركز على التعاون الدبلوماسي والتعليمي والاقتصادي. لقد التزمت الولايات المتحدة بمساعدة العراق، وخاصة عندما يعود الأمر إلى التعليم والاقتصاد، ويتوجب على العراق الالتزام بمضمون هذه الاتفاقية والعمل على تعميق العلاقات مع القطاعين العام والخاص في أميركا.
على سبيل المثال، وعلى الصعيد التعليمي، تم توفير الكثير من فرص التبادل بين الطلاب العراقيين من خلال السفارة الأميركية. وقد شارك الكثير من الطلبة والأساتذة وناشطي المجتمع المدني العراقيين في هذه البرامج. والآن وقد أصبح بالإمكان توجيه المزيد من الاهتمام والموارد بعيداً عن القوات العسكرية، يمكن لتوسيع هذه البرامج أن يساعد الأفراد في كل من الدولتين على فهم بعضهما بعضاً بصورة أفضل وبشروط مختلفة، وليس كدولة تحتل دولة أخرى.
أما فيما يتعلق بالاقتصاد، فقد أخذت الكثير من الشركات الأميركية وأصحاب الأعمال والمستثمرين بالحضور إلى العراق للمشاركة في إعادة بنائه، ما يشكل مؤشراً إيجابياً آخر على العلاقات البناءة بين الولايات المتحدة والعراق. وقد تميز معرض بغداد الدولي، وهو فرصة للشركات العالمية المختلفة لعرض منتجاتها وخدماتها على الأعمال العراقية والشعب العراقي بهدف بناء علاقات تجارية، بمشاركة واسعة من قبل شركات أميركية. تداعت البنية الأساسية العراقية منذ العام 1980 نتيجة لعدد من الحروب، وقد حان الوقت الآن لتساهم الشركات الأميركية في إعادة بنائها.
يسعى الجميع في هذا العالم إلى العيش في دولة مستقلة والعراقيون ليسوا مختلفين. ترسي عملية انسحاب القوات الأميركية الأسس والقواعد لعراق مستقل، وقد حان الوقت إلى أن يأخذ العراقيون زمام القيادة. وفي الوقت الذي يعتبر فيه العراق واحداً من أكثر الدول استقراراً في المنطقة بعد الربيع العربي، يتوجب على العراقيين استغلال هذه الفرصة الذهبية ورعاية دولة مستقلة تماماً وعلاقة تعاونية جديدة مع الولايات المتحدة
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3368 - السبت 26 نوفمبر 2011م الموافق 30 ذي الحجة 1432هـ