بداية... ليس كل ما نسمع أو نقرأ أو نشاهد ولأنه لا يعجبنا ولا يتماشي مع طموحاتنا أو رؤانا فهو لابد أن يكون شراً. إذا اتفقنا على هذا المبدأ تعالوا نلقي نظرة سريعة أولاً على تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق الذي صدر يوم الأربعاء 23/11/2011 بعد أن تغير مسماها مؤخراً، والذي صار وثائقياً بامتياز منذ الآن ودخل في تأريخ البحرين. وبناءً عليه أيضاً يجب أن نبحث عن منفذ ولو كان كوة في جدار العزل لننظر منها إلى التقرير. وهذا المنفذ يتركز في هذه العبارة المهمة جداً في التقرير الذي تلاه رئيسها البروفيسور محمود شريف بسيوني في يوم التسليم، حيث قال: «إن تحقيقات اللجنة أثبتت تعرض الكثير من الموقوفين للتعذيب ولأشكال أخرى من الانتهاكات البدنية والنفسية داخل محبسهم، الأمر الذي دلّ على وجود أنماط سلوكية معينة تقوم بها بعض الجهات الحكومية تجاه فئات بعينها من الموقوفين».
كما في دعوته إلى تكوين لجنة وطنية مستقلة ومحايدة تضم شخصيات مرموقة من حكومة البحرين والجمعيات السياسية والمجتمع المدني لمتابعة وتنفيذ توصيات هذه اللجنة، على أن تعيد اللجنة المقترحة النظر في القوانين والإجراءات التي طُبقت في أعقاب أحداث شهري فبراير ومارس الماضيين، بهدف وضع توصيات للمشرِّع للقيام بالتعديلات الملائمة للقوانين المقبلة، ووضع تشريعات جديدة بحسب ما هو وارد في هذه التوصيات.
أضف إلى ذلك، ومن خلال القراءة الأولى للتقرير، صراحة بعض جوانبه ومباشرتها في الطرح لدرجة أن وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف قال بأنه «موجع للحكومة، لكنه الدواء المر الذي يجب أن نتجرعه من أجل أن تسود الديمقراطية في البحرين». وهذا كلام يجب أن يثمّن على لسان أحد أعضاء الحكومة البارزين والتي وجه لها التقرير أساساً. ويضيف الوزير «أي حكومة يجب أن تكون لديها الشجاعة لمواجهة ما يحدث، وما أود قوله إنه لن يكون هناك حد للمساءلة، الجنائية والسياسية». والملفت هنا هو قول الوزير لمواجهة «ما يحدث» على أرض الواقع وليس ما حدث وانتهى. وأن ما يهم هو «أن تكون هناك خطوة للأمام».
كما كان ملفتاً للنظر أيضاً أن وزير العدل قال بأن الحكومة قد سبقت التقرير في تعديل بعض التشريعات المحلية وخصوصاً المواد الموجودة في قانون العقوبات قبل صدور التقرير بما يتلاءم مع القانون الدولي. إلا انه أرجع الحل للمشكلة السياسية في حوار التوافق الوطني الذي تحفظت عليه الجمعيات السياسية المعارضة، مع تأكيده على وجوب أن يكون هناك تعويض للمتضررين من الأحداث.
ونقطة ايجابية أخرى ذكرها الوزير استناداً إلى التقرير وهي أن جهاز الأمن الوطني يجب أن يقتصر على دوره في المعلومات، وهذا سيتطلب تعديلاً تشريعيّاً، وأن معايير حقوق الإنسان يجب أن تكون محترمة في جميع الأحوال. ويعتقد الوزير بأن هناك تطوراً في الأداء الأمني، وكل ما يأمله «أن يكون التقرير فرصة للتأمل الحقيقي فيما حدث»، ولم يقل ما يحدث. والأهم هو الاعتراف بأنه «يجب أن يكون هناك تدريب فعلي لأجهزة الأمن لتلافي حالات انتهاك حقوق الإنسان وخاصة أن بعض الأمور تحدث بسبب الجهل، أي جهل رجال الأمن، وعدم العلم بحقيقة الأمور. بالإضافة لتدريب الجهات الأمنية والنيابة العامة في التعامل مع الحالات المتعلقة بحقوق الإنسان». هذا النوع من الصراحة والشفافية التي خلقها التقرير في الأوساط المحلية الرسمية هو ما تدعو إليه دائماً القوى الوطنية في ربوع الوطن منذ بزوغ فجر شمس الإصلاح لتكتمل الصورة الحقيقية للبحرين الديمقراطية الحديثة.
كما يجب النظر بإيجابية أخرى لتصريح وزير الخارجية البريطاني (ويليام هيغ) في معرض تعليقه على تقرير لجنة التحقيق المستقلة بأن العالم «سيظل يراقب للتأكد من أن الحكومة ستتصرف بحزم في الأيام والأسابيع المقبلة لمعالجة الانتهاكات الخطيرة التي أشار إليها التقرير. سيكون هذا مهماً جداً لمستقبل الاستقرار في البحرين». وبالمثل ننظر بإيجابية لتصريح البيت الأبيض بأنه ينبغي على حكومة البحرين محاسبة المسئولين عن الانتهاكات، بالذات ما أعلنه المتحدث باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما، من أن «هذا التقرير يشير إلى العديد من انتهاكات حقوق الإنسان التي تثير القلق وحصلت خلال هذه الفترة، وبات على الحكومة البحرينية أن تحاسب المسئولين عن تلك الانتهاكات وإجراء تغييرات على مستوى المؤسسات كي لا تتكرر مثل هذه الانتهاكات».
إذن الكل يتحدّث عن وجود انتهاكات وانه حان الوقت لوقفها وبدء المحاسبة والإصلاح الحقيقي. بل ويجب، كما صرح معظم المسئولين، ألا تتكرر مثل هذه الانتهاكات لا الآن ولا في المستقبل. فكيف السبيل إلى وقف كافة مظاهر التأزيم في الشوارع؟ الأمر يحتاج إلى طاولة حوار حقيقي ونقاش جدي بين الجانبين المعارضة والحكومة، كما أشار التقرير، لأنه ليس من المعقول أن من وقع عليه الحيف وطالته كل تلك الانتهاكات المذكورة في التقرير ألا يشارك في إصلاح الوضع للوصول إلى رؤى مشتركة.
لنقرأ التقرير إذن في نقاطه الايجابية وتعليقات المسئولين في البحرين أو في الدول الكبرى على ما جاء ونتكئ عليها كمحور أساس في تحقيق الإصلاح المنشود. ولنترك الجوانب السلبية أو النقاط المعترض عليها إلى نقاش آخر موسع مستقبلاً. يجب أن نؤكد على النقاط المشتركة بين القوى السياسية الفاعلة والحكومة إذا اقتنع الجميع واتفق فعلاً على كيفية الوصول لطريق وقف الانتهاكات أولاً ثم البدء بمرحلة جديدة من الإصلاح الديمقراطي الشامل بعد محاسبة المسئولين كما أكد التقرير وكل التصريحات داخل وخارج البحرين.
التقرير فعلاً فرصة تاريخية كما قيل من أكثر من طرف معتدل، ويجب اغتنام هذه الفرصة للمصالحة الوطنية بلا تأخير ودون وضع الحسابات الفئوية والمصالح الذاتية فوق كل اعتبار، بل بفتح كافة الأبواب والنوافذ بحرية وشفافية بين الجميع. كما لا يجب الرجوع لحالة ما قبل التقرير بأي شكل، وإلا لا فائدة من صدوره إذا تم القفز على الحواجز بمتسابق واحد فقط. فلجنة تقصي الحقائق أوصت بإنشاء لجنة حكومية - أهلية لتنفيذ توصياتها وهذا يؤكد أن المتسابق الواحد لن يضع نهاية للشوط بأي حال من الأحوال لانتفاء المنافسة الشريفة من البداية... وأني لأرى في الأفق بصيص أمل أضاءه تقرير بسيوني
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3367 - الجمعة 25 نوفمبر 2011م الموافق 29 ذي الحجة 1432هـ
أين المصالحة وأين الاعتذار و إشعار الآخر أنه جزء من الوطن
شكرا لك.. استوقفني شيء من ردة الفعل عن التقرير وهو أنه لم يصدر من الجهة الرسمية أي كلمة تثبت أن أصحاب المعاناة جزء من الشعب محترمون و أن إنصافهم يجب أن يكون عاجلا و أن هناك اعتذار و لو معنوي لما جرى لهم..
أحسست أن الضحايا لازالوا في عين الدولة أعداء تضطر الدولة لمداراتهم في هذه الجلسة الاستثنائية.
المصالحة الوطنية إن حدثت في هذه القراءة التي أتمنى أن أكون مخطئا فيها فهي ليست مصالحة صادرة عن محبة ورحمة و إحساس بأننا جزء من الوطن.. لقد تم تخويننا بعد التقرير مباشرة!!