لماذا يشكل الإعراب العلني عن الإسلام مشكلة، ليس فقط في فرنسا وإنما في جميع أنحاء أوروبا؟ كان الأمر في الأمس بناء المآذن في سويسرا، وقبله كان الأمر يتعلق بالحجاب. أما اليوم فإن طلب اللحم الحلال في المطاعم الصغيرة ومنع الصلاة في الشارع العام هي الأمور التي تثير شعوراً بالاستثناء والتي أدت إلى التوتر داخل المجتمع الفرنسي.
في هذا المضمون جرى نشر تقرير جديد عن الإسلام في الضواحي الفرنسية ذات الغالبية العربية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. يأتي هذا التقرير وعنوانه «ضواحي الجمهورية»، وهو من تأليف المحلل السياسي الفرنسي المتخصص في الإسلام والعالم العربي المعاصر، غيليس كيبل، قبل شهور قليلة من الانتخابات الفرنسية الرئاسية ويواجه كلاً من المسلمين والسياسيين بمسئوليات متبادلة.
يشير تقرير «ضواحي الجمهورية»، الذي يعالج القضايا المتعلقة بانخراط المسلمين في فرنسا منذ ثمانينيات القرن الماضي إلى وجود دعم للشعور الديني في المناطق الأكثر فقراً. هذا الشعور الديني المتزايد في الضواحي يعود سببه جزئياً إلى عدم الحساسية والإهمال من جانب السلطات السياسية والحكومية. ونتيجة لسياسة العزل الاجتماعي في الإسكان، التي مارستها كل من الحكومات اليسارية واليمينية لعقود كثيرة، على سبيل المثال، اضطر المهاجرون المسلمون أحياناً إلى العيش في مجتمعات أحادية الأعراق بدلاً من مجتمعات متنوعة.
عندما يتعلق الأمر بفشل التعليم في أجزاء الدولة هذه (لا يحصل ما يزيد على 50 في المئة من الطلبة في هذه الضواحي على درجات علمية متقدمة) فمن هو المسئول؟ لأسباب واضحة، يبرز كيبل التعليم على أنه التحدي الرئيسي في نتائج تقريره الرئيسية، الموجهة إلى الحكومة.
يتوقع أن تكون لهذه القضايا الاجتماعية الاقتصادية آثار سلبية على المسلمين الذين يتعاملون مع هويتهم، الأمر الذي يؤدي بهم للشعور بأن كونك مسلماً قد يكون مساوياً للاستثناء والإبعاد من المجتمع الفرنسي. إلا أن هذه الظاهرة ليست فريدة في قضايا الهوية الدينية، بل هي أيضاً قضية كون الإنسان جزءاً من طبقة اجتماعية أقل حظاً. ويشرح كيبل قائلاً إنه «يجب عدم فهم هذا التأكيد على الهوية بشكل حرفي، فهو أيضاً أسلوب آخر لطلب الانخراط في المجتمع وليس بالضرورة رفضه».
لا يعفي ذلك بأي أسلوب كان المسلمين من مسئوليتهم. الواقع أن التعامل مع الطرف الآخر من المشكلة يقع على عاتق القادة المفكرين والثقافيين المسلمين أنفسهم. هذا الثوران الأخير للتعبير العام عن العقيدة الإسلامية كان مفاجئاً وأحياناً كثيرة فوضوياً ومبنياً على أساس الهوية وأحياناً رجعياً. مازال على الغالبية من القادة المسلمين أن يدركوا مستوى القلق الذي أثاره هذا في المجتمعات العلمانية، مثل المجتمع الفرنسي.
أمر واحد هو مؤكد: يتفق الجميع على قيم الجمهورية الفرنسية. والقضايا المطروحة لها طبيعة فنية وأخلاقية بحتة. لذا فإنني أقترح مبدأين قد يساعدانا، ضمن القوانين السائدة، على إيجاد حلول أخلاقية فنية قادرة على البقاء. أخلاقيات الطرح هي مفهوم اخترعه عالم الاجتماع والفيلسوف يورغن هابرماس، الذي يعتبر التفاهم المتبادل بالنسبة له نتيجة للجدل والنقاش. إضافة إلى ذلك، فإن التوافق المعقول، وهو مفهوم قانون اخترعه الكنديون لفتح المجال للتوافق حيثما أمكن ذلك بهدف تجنب التمييز ضد الأقليات، يمكنه أن يوفر إطاراً عاماً لحل هذه القضية الاجتماعية من الانخراط.
خذ على سبيل المثال قضية صلاة المسلمين في الشارع العام. فقد وصلت عملية منع الصلاة في الشوارع في شهر سبتمبر/ أيلول إلى عناوين الأخبار. حل هذه المشكلة والتي ينظر إليها على أنها احتلال الساحات العامة هو بسيط للغاية ويمكن التعامل معه من خلال المبدأ الكندي من التوافق المعقول. أي، بما أن صلوات الجمعة تكون قصيرة نسبياً، يستطيع العمدة أو رئيس البلدية على سبيل المثال تأجير قاعة لهؤلاء المصلين لساعات قليلة، إلى حين قيامهم بشراء أماكن خاصة بهم.
في غياب أي حل آخر، وحتى يتسنى تحقيق احتياجات المؤمنين، يمكن لجموع المصلين كذلك عقد صلاة الجمعة مرتين أو ثلاثة بدلاً من مرة واحدة يضطر فيها المصلون إلى الخروج إلى الشوارع. هذا الحل العبادي ممكن بالتأكيد.
يمكن دائماً بوجود الحد الأدنى من النية الحسنة والمنطق إيجاد الحل، بشرط ألا تختلط العقيدة والسياسة والتشدد الأعمى. القضية الرئيسية هنا هي إيجاد رغبة في العيش معاً باحترام وأخوة، وهي الشعار الوطني لفرنسا
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3366 - الخميس 24 نوفمبر 2011م الموافق 28 ذي الحجة 1432هـ