لا بأس إن جعلنا ولوجنا إلى محطة اليوم بهذه الطرفة النملية المعبرة. سأل المدرس تلاميذه في الفصل: إذا علمنا أن النمل مخلوقات كادحة تعمل منذ طلوع الشمس إلى غروبها وبلا مقابل إلا ما يكاد يسد جوعها وبلا شكوى أو تمرد... وإذا علمنا أن النمل يحمل فوق ظهره أحمالاً تفوق أضعاف وزنه وبلا شكوى أو تذمر... وإذا علمنا أن النمل له ملكة وحيدة طوال عمرها لا تتنازل عن عرشها إلا بموتها... فماذا نستنتج من هذا؟ رد أحد التلاميذ الظرفاء قائلاً: نستنتج أن كل نمل العالم من أصول عربية!
نعم هي النملة... ولكن ليس وضعها كما علق الطالب على كلام معلمه، بل نحن بصدد مخلوقة لا يتجاوز طولها بوصة ولا يزيد حجمها كثيراً عن ذرة التراب؛ ولكنها تحمل أسراراً إلهية حريٌ بنا نحن البشر أن نتعلم منها كل يوم دروساً عظيمة.
فمن المعروف أن مملكة النمل تتألف من أربع طوائف هي: (الملكات - الذكور - الشغالات - العساكر) ويتمتع كل منها وفق شريعة مملكة النمل بحقوقه مصانة بالكامل ويؤدي واجباتها وفق النظام المتبع في محيطها، ونحن طائفتان شقيتان فقط ولا نعرف كيف نعيش متحابين متعاونين. وما يثير الدهشة أن النملة، كما يقول العلماء، تمتلك كيساً خاصاً يطلق عليه اسم (المعدة الاشتراكية) تمكنها من تقاسم الطعام مع بقية أفراد المملكة من كل الطوائف الأربع في نظام عجيب للتكافل الاجتماعي بين الجائعين والمطعمين.ونحن هنا لم نتحمل تقاسم اللقمة عند أول خطب يُلمّ بنا فسارع البعض لقضم لقمة أخيه، لا عدوه، والتلذذ بطعمها بمجرد أن طالب الأخ بتحقيق مطالب للجميع.
ألا ترون أن مملكة النمل لوحة عجيبة وآية من آيات الله في هذا الكون وحين نتأملها جيداً نقف أمامها بدهشة وتقدير. فالمملكة النملية توصف بأنها كائن عملاق لأن بها يعمل ككيان موحد وبشكل جماعي لدعم هذا الكيان وليس لهدم الكيان بإبعاد أي طائفة من طوائف النمل عن مركز صنع القرار. ونجاح هذا الكيان واستمراره يعود إلى تلك المؤسسات الاجتماعية النملية وقدرتها الفائقة في الاستفادة من الموارد لجميع أفراد المملكة الذين يعدون بالمئات بالنسبة لصغر حجمهم، بالإضافة لاشتراك الجميع في الدفاع عن الكيان إذا دعت الحاجة. وبسبب تلك المؤسسات الاجتماعية، تقوم مملكة النمل على نظام تقسيم العمل، والاتصال بين الأفراد، والقدرة على حل المشاكل المعقدة مهما كانت الظروف.
قال تعالى في محكم كتابه العزيز: «حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملةٌ يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون» فسليمان لم يحطم النملة لأنه سمع صوتها وفهم من خلال حديثها بأنها تخبر زملاءها عن الخطر المحدق بها من قبل سليمان وجنوده، بل «فتبسم ضاحكاً من قولها وقال ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين». (النمل: 18-19).
فأين نحن من هذا التصرف؟ فنملة النبي سليمان هنا ربما كانت في أسفل التنظيم الهرمي لمملكة النمل لكنها أبدت أعلى درجات التضحية في سبيل قومها جميعهم وبكل طوائفها وكأنها هي المسئولة عنها كلها. أليس هذا درساً لنا كبحرينيين؟ سارعت بكل قوتها الضعيفة أمام سليمان وجنوده لتوصل إنذارها إلى قومها قبل وقوع الكارثة. ألم يكن بوسعها أن تتنحى جانباً ولا تفكر إلا بنفسها فقط؟ بلى، كان يمكن لها ذلك، كما يفعل البعض اليوم ولن يلومها أحد، لكنها تربت وتعلمت في مملكة النمل أن التضحية العالية وإنكار الذات هما من أهم سمات مجتمعها ويجب الحفاظ عليه وعدم التفريط بهذا المبدأ تحت أي ظرف من الظروف العصيبة.
ثم من الدروس المهمة جداً في إدارة الأزمات والكوارث، حيث يعتبر أهم مبدأ في إدارة أي أزمة، وهو تجنب حدوثها من الأصل وإعدام كل أسباب المشكلة. ونفهم مما قامت به النملة في هذا الموقف أنها قد قامت بأعظم إنذار لتنبيه قومها باحتمال خطر مؤكد قادم كي لا تحدث مشكلة، حتى وإن كلفها ذلك حياتها، لا أن تنهي حياة الآخرين كي تبقي هي فقط. ولم تدعُ النملة الاحتمالات الأخرى تسيطر عليها أبداً، وإنما اتخذت سبيل الإنذار المبكر من خطر محدق حتى تتجنب الأسوأ لسكان المملكة بكل طوائفها في حالة حدوثه. فكانت مبادرة نملة سليمان في مكانها لأنها قائمة على روح المبادرة الأصيلة وليس الانتهازية الوصولية التي لم تتشربها قط خلال حياتها القصيرة في ربوع مملكتها. ومن المبادرة انتقلت نملة سليمان إلى الإنجاز ولم تكتفِ فقط بالمبادرة.
كان الكثير منا تعلم أصول وعلوم الإدارة في أرقى الجامعات ولكن عند المحك الحقيقي لا تجد العقل الإداري الواعي لينجح في إدارة الأزمات وينقلنا من مستصغر الشرر إلى واحة الحل والاخضرار لجميع أبناء الوطن.
وهنا لا يكفي أن نطرح مبادرات بل أن نسعى لإنجازها على أرض الواقع، ولنا أن نتصور لو بقت نملة سليمان على مبادرتها فقط دون إنجاز سريع لوقع الخطب الأكبر وتحطمت مملكة النمل شر تحطيم.
ولكن الشعور بالمسئولية في تلك المبادرة والإحساس العام لدى الجميع بالمسئولية في كل أرجاء أي تنظيم من أعلاه إلى أدناه، هو الهدف الذي يجب أن تطمح وتحلم أي إدارة بتحقيقه في أي كيان بالوصول إليه. فهل أدركتم الآن لماذا توجد سورة في القرآن باسم النمل؟
فيا أهل البحرين الكرام... فقط راقبوا حياة النمل ومنهجها للعمل اليومي وأساليبها وطرقها لتأدية وتنفيذ هذا العمل، وسلوكياتها في التعامل مع بعضها مهما تعددت طوائفها، وتحمل فن المسئولية بأمانة مهنية عالية ودقيقة، وبنظام وقوانين مرسومة ومطبقة على الجميع والأهم أنه مخطط لها من تلك العقول النملية الصغيرة التي ألهمها الخالق سبحانه آلية هذا النظام، كما ألهمنا إلا أن البعض منا لا يشغل عقله إلا خارج منطقة الوعي المشوبة بالمصالح الفئوية الدنيوية الضيقة؛ فيدمر الأخضر واليابس. فهل سنعمل لكي نكون مثل نملة سليمان؟ ثم انظروا كيف ستخلفونها في الأرض ولو بعد حين
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3363 - الإثنين 21 نوفمبر 2011م الموافق 25 ذي الحجة 1432هـ
مخافة الله
الإسلام اخلاق ومبادئ وعباده فالمسلم من سلم االناس من شره ولسانه ويده ومن اصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ومن ظلم انسان فقد ظلم نفسه
مثال عظيم لمن القى السمع وهو شهيد
أين هو ذاك الانسان الذي خاطبه الله في كتابه وضرب له الكثير من الامثلة لكي يعقل ويتعقل ولم يسق الله
هذه الامثلة عبثا ولكنها آيات لقوم يعقلون ويتبصرون
أصحاب ألباب وعقول ولكن للاسف منهم خلت هذه
الديار واوحشت نعم خلت ديارنا من رواد الحكمة والبصيرة وأصبحت لم لا يرى الا بعد انفه
العناد كفر
الكل مدرك في قصة النمل ومتأمل لها ولكن المعاند كالكافر بايآت الله سبحانه وتعالى بل هو صنوه وأزمتنا مع المعاند والمكابر ولهذا يختلق شتى المفاهيم لأضفاء شيئا من الشرعية على باطله .