نحن نتشارك استراتيجياً في كل من آسيا - المحيط الهادئ والاميركتين. ويتمثل التحدي الذي أعرضه لكم في التفكير بتلك المناطق المتزايدة الترابط بصفتها كلاً متكاملاً، ويجب ان تتعزز استراتيجياتنا في كل منطقة من المناطق بصورة متبادلة، ويجب تحديد أوجه التكامل والقيام بالبناء عليها. يمكننا أن نعزز شركاءنا في احد طرفي المحيط من أجل تأمين تقدم أهدافنا على الطرف الآخر. يجب علينا ممارسة قيادتنا في كل واحدة من هذه المناطق من اجل بناء قرن المحيط الهادئ الذي نسعى إليه.
فعلى سبيل المثال، إذا تمكنا من تعميق وتوحيد الإجماع في نصفنا من الكرة الأرضية الداعم للتنافس الاقتصادي المفتوح، والحر، والشفاف، والمنصف، والذي يقترن مع التزام الشمولية الاجتماعية، فإن ذلك لن يفيد مواطنينا هنا في الوطن وحسب بل سيقوي أيضاً موقفنا الإجمالي الجماعي لأننا نستطيع سوية ان نعزز قيمنا المشتركة في آسيا – المحيط الهادئ وحول العالم.
إن بإمكاننا مع شركائنا في الاميركتين ان نقدم ذلك الأسلوب الفريد من التنمية الديمقراطية الذي بدأ يقود إلى نجاح هائل في نصفنا من الكرة الأرضية كمثال قوي للبلدان في آسيا التي تباشر عملياتها الخاصة في الانفتاح السياسي واعتماد الديمقراطية.
ان التاريخ الغني للاميركتين في مجال تعددية الأطراف سيتيح التواصل عبر المحيط الهادئ بطريقة متلاحمة ومنتجة، كما المساعدة على إنشاء بنية إقليمية ناضجة وفعالة تستند إلى توسع التجمعات والترتيبات في منطقة آسيا- المحيط الهادئ.
يشاركنا الكثير من شركائنا في منطقة المحيط الهادئ الأوسع هدفنا في تحقيق إقامة بنية اقتصادية إقليمية للتنمية الشاملة الطويلة الأمد، والمفتوحة، والحرة، والشفافة، والمنصفة. ويشاطرنا الكثير من هؤلاء هواجسنا بشأن حقوق العمال، والاستثمارات غير الشفافة، والعلاقات التي تتركز ببساطة على استخراج الموارد الطبيعية، وعلى أسعار صرف العملات غير الصحيحة التي تخل بتوازن العلاقات التجارية وتسبب خسارة الوظائف. لا تشكل هذه سوى بعض القضايا التي تواجه المنطقة القائمة عبر المحيط الهادئ والتي تحتاج إلى حوار عبر المحيط الهادئ من اجل إيجاد الحلول لها.
يشكل منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ آلية مهمة لتعزيز إطار العمل الاقتصادي الذي يستند إلى قواعد التجارة والاستثمار عبر المحيط الهادئ وذلك لأنه يضم 21 من الاقتصادات الأكثر دينامية في القرن الواحد والعشرين، خمسة منها موجودة في الاميركتين. كما ان منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ مهم أيضاً للأموال المتوافرة في محافظ الأفراد الأميركيين نظراً لان أعضاءه يمثلون أكثر من نصف الإنتاج الاقتصادي العالمي، و40 في المئة من العدد الإجمالي للسكان في العالم. ولذا فإن زيادة صادراتنا إلى الدول الأعضاء في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ بنسبة خمسة في المئة فقط سيزيد عدد الوظائف المرتبطة بالتصدير في الولايات المتحدة بمئات الآلاف. وسيستقبل الرئيس أوباما ووزيرة الخارجية كلينتون نظراءهما في هاواي في الأسبوع المقبل من اجل تعزيز التقدم الذي حققناه سوية في صياغة بنية منتدى آسيا والمحيط الهادئ.
كما ستتبع اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ فوراً القمة السادسة لقادة أميركا الشمالية حيث سيتمكن قادتنا من التأمل في نتائج اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ وفي انخراط نصفنا من الكرة الأرضية مع آسيا، وكذلك بالأفكار لإنشاء شراكات عملية إضافية يمكن عرضها على قمة الاميركتين في أبريل/ نيسان العام 2012.
بعدما تم اكتمال اتفاقياتنا المتقدمة حول التجارة الحرة الموقعة مع كوريا، وكولومبيا، وبناما، يتركز اهتمامنا الآن على إتمام الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية عبر المحيط الهادئ (TPP) وهو توحيد بيرو، والتشيلي، والولايات المتحدة مع نيوزيلندا، واستراليا، وماليزيا، وفيتنام، وسنغافورة، وبروناي، وفي نهاية المطاف مع أعضاء مستقبليين في مجموعة تجارية موحدة تعتمد أعلى المعايير. ونأمل، من خلال عملنا هذا، نحن وشركاؤنا، لا في تعزيز نمو أكبر فحسب بل وأيضاً النمو الأفضل على جانبي المحيط الهادئ. ونأمل في أنه، بعد أن تصبح الشراكة الاستراتيجية الاقتصادية عبر المحيط الهادئ نافذة المفعول، سيشجع الوعد بإمكانية الوصول إلى أسواقها دولاً أخرى على رفع مستوى معاييرها كذلك. وفي نهاية المطاف نريد ان نرى نوعية عالية من الشراكة عبر المحيط الهادئ لتصبح الأساس لمنطقة التجارة الحرة في آسيا- المحيط الهادئ.
إن عملنا المتوازي والمتراكب في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، والشراكة الاستراتيجية الاقتصادية عبر المحيط الهادئ (TPP)، والمنتدى الإقليمي لمجموعة دول جنوب- شرق آسيا (ASEAN)، وقمة الأميركتين وغير ذلك من التجمعات يرسم صورة واضحة وهي ان الأهداف الاقتصادية للاميركيتن ولآسيا – المحيط الهادئ تتكامل بدرجة عالية. ومن المعقول ان تستطيع منطقتان مرتبطتان بمثل هذا التقارب الوثيق ولهما طموحات اقتصادية متماثلة التعلم من بعضهما البعض وان تعملا معاً عن كثب.
وهناك طريقة أخرى نبني من خلالها الجسور، وهي الحوارات الثنائية بشأن قضايا نصف الكرة الغربي التي نجريها مع شركاء آسيويين رئيسيين من ضمنهم اليابان، وكوريا، والصين، وقريباً، مع الهند. ونعمق بصورة مماثلة مناقشاتنا مع شركاء في نصف الكرة الغربي بشأن قضايا تتعلق بآسيا.
ان آسيا وأميركا اللاتينية أصبحتا على السواء متقبلتين بصورة ملحوظة للتعاون مع الولايات المتحدة. ففي آسيا، تتوق البلدان للعمل معنا لصوغ ديناميكية إقليمية متغيرة. وفي أميركا اللاتينية، أصبحت العقبات الأيديولوجية القديمة اقل بروزاً مما سبق على الإطلاق. لذلك، توجد فرص حقيقية هناك- هذا إذا ألزمنا أنفسنا باغتنامها. قد تبدو هذه التشكيلات الجديدة تجريدية- ولكن يستطيع تعاوننا الاقتصادي هذا ان يخلق فرص العمل هنا في أميركا، ويستطيع عملنا الدبلوماسي ان يساعدنا في تعزيز الديمقراطية والامن حول العالم.
إننا في الوقت الذي ندرس فيه إجراء تخفيض بمقدار واحد في المئة في موازنتنا المخصصة للدبلوماسية والتنمية، يتوجب علينا طرح الأسئلة التالية: هل ستخصص أميركا الموارد الضرورية لهدم الحواجز الاقتصادية ومساعدة شركات الاعمال لدينا على التنافس في الاقتصاد العالمي؟ هل سنستثمر في حضور قوي كي نقود في المناطق الاكثر اهمية في القرن الواحد والعشرين؟ هل سنواجه التهديدات التي تتخطى الحدود القومية ومحركات عدم الاستقرار، من تغير المناخ إلى المجاعة والى التطرف العنيف؟ او هل سنختصر الطرق الآن وندفع الكلفة لاحقاً بحيث يصبح موقفنا أضعف في عالم اكثر خطورة؟
هذه هي المخاطر الماثلة في المناظرات بشأن موازنتنا. يجب علينا ان ننظر إلى نجاحاتنا خلال الاشهر القليلة الماضية والى التحولات الجارية عالمياً لنتأكد من أن دافعي الضرائب الاميركيين يحصلون على مردود عظيم مقابل كل دولار يستثمرونه في الدبلوماسية والتنمية. إن أي محاولة لتخفيض ذلك الاستثمار الصغير لن يحدث فجوة في عجز موازنتنا بل سيحدث بالتأكيد فجوة كبيرةً في قيادتنا. وهذا ما لا نستطيع تحمل كلفته.
باختصار، يجب على أميركا، من اجل أن تقود في القرن الواحد والعشرين، ان تفكر استراتيجياً بصفتها تمثل مركز الثقل الاقتصادي والاستراتيجي للعالم في الوقت الذي يتحول فيه هذا الثقل دون رجوع عنه باتجاه المحيط الهادئ. ان التحدي الماثل أمامنا ليس الانسحاب بل التأكد من ان مداً صاعداً من الازدهار الاقتصادي يمكنه حمل كافة المراكب وان التجدد الاقتصادي في الوطن يخلق فرصاً جديدة للشعب الأميركي. فالتحدي الماثل أمامنا ليس احتواء القوى الصاعدة في شرق آسيا أو جنوب آسيا، أو أميركا اللاتينية، وإنما هو تولي قيادتها في إنشاء شبكات عالمية من التعاون الذي يفيد الجميع. وفي حال فعلنا ذلك، فلن نساعد اقتصادنا ونبني عالماً أكثر سلماً وازدهاراً وحسب، بل سنضمن أيضاً أن قرن المحيط الهادئ سيكون ايضاً قرناً أميركياً.(انتهى)
إقرأ أيضا لـ "وليام جاي بيرنز"العدد 3362 - الأحد 20 نوفمبر 2011م الموافق 24 ذي الحجة 1432هـ