العدد 3362 - الأحد 20 نوفمبر 2011م الموافق 24 ذي الحجة 1432هـ

الغيم طفولة دائمة ... المطر تأكيد لها

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

ضعيفة، رهيفة، وفي ذروة حسي أمام الغيم. أمام المطر. سأحتفظ بذلك الضعف وتلك الرهافة، حتى لو بلغت من العمر عتياً. الغيم طفولة دائمة. المطر تأكيد لها.

***

الغيم، ذلك «العهن المنفوش» في السماء. ضرْع يمدُّ الأرض بأسباب حياتها. عندنا الشمس في هذا الجزء من العالم تلقي بشررها على رؤوس من لحم، وهياكل من معدن، والاثنين في دائرة الصهر.

الغيم مظلة رحيمة تقي الاثنين شر الغياب والغيبوبة والحدَّة والتحفز للانقضاض.

***

في هذا الطقس الرحيم، بشائر من ماء. إطلالة غيم من مقصورات الأعالي، تعيد ترتيب أنفسنا وأمزجتنا، وحتى نظرنا إلى الأشياء. الغيم لا يمسح وجه الأرض الكالح فحسب، إنه يمسح الكالح من أنفسنا وأمزجتنا. والمطر يتوّج ذلك باستدعاء طفولتنا التي لا تنتهي بحضوره.

***

يأخذك الغيم إلى سفر فيك، قبل أن يأخذك إلى سفر لما بعدك. تتجاوز به أمكنتك التي ترتاد، والوجوه التي ألِفت. لديك نهم في اكتشاف أمكنة ربما لم تطلها. في اكتشاف وجوه لم يتسن لك الوقت للقائها. تلك المساحة من السعة في النفس. من السعة في الذهاب إلى الكشف. غيم يعيد صوغ وجهتك. يحيل التباسك إلى حضور لا يعدم تخيله.

***

حتى العين حين تتلبَّد بالغيم. غيم ما قبل الدمعة، لها رهبتها وهيبتها وسحرها. ثمة نص مائي يفعل فعله. أثره للمرسِل والمستقبل. غيم العين غسْل إما لكبت/حزن/ألم/أثر، وإما انحراف النص، من حال فرح ضل طريق تعبيره، إلى غيم/ماء شفيف رحيم، هو زمزم آخر.

***

من الطائرة ترى الغيم أسفل منك. كأنك عبر هذا الطائر المعدني تستفزه. تراه في غربته والطائر المعدني يعلوه وقد ألفت علوّه. «علوّه» لـ «تسقط» «تهطل» روحه/ماؤه، غيثاً/غوثاً لجدب مقيم، وكسراً لطيش الرماد والرمد على اليابسة.

***

كأن الغيوم دفتر البشارة. بشارة الغوث. بشارة التطهُّر. بشارة حمَّام سماوي منه وبه تتناسل الساحات والميادين، وتخرج الأودية والسهول من زمْنة أسوارها وحصارها.

***

والذين يحتمون أو يتوارون عن المطر في أول إطلالته، شفيفاً بعد بيان الغيوم، يهينونه بشكل أو آخر، كمن يهين بئراً/واحة/مورداً بعد طول مسير وسفر وتيه، وهو إلى رؤيته أو حتى تخيُّله أحوج.

***

أيتها الغيوم، بك وجْنة الأرض وردة في أول حمرتها. بك أرواحنا يتقمَّصها الأخضر. بك أمزجتنا طرُق من حرير وبياض أخّاذ. بك، ببشارتك نُحسن التصرف في المعاني والعناوين والطرُق والأصدقاء والرحيل والإقامة والمطارات والملاذات والمليء والفارغ والقواعد والفوضى والغرق وعناق الوصول والدراية والسذاجة والخناجر والياسمين والفطنة والغفلة. كأنك نص النقيض في كل أثر. تماماً كالنقيض بين علوِّك وهطول بشارتك على الرماد.

***

كمن يتحرَّى الدليل في صحراء لا جهات فيها. تدلُك الغيوم على جهة الإقامة حيث عاهل الحياة يطلُّ على رعاياه في ضلالهم وتيههم، يغدق عليهم من فيضه ما يزيل عنهم عناء فاقة بمثابة إصْرٍ وأغلال.

***

في ضغينة طقس من الحمم والجحيم. الغيم وبشارته (المطر) قلب من ماء مُشْرع على هذا اليباس شبه الكوني. لله درُّها من بشارة. لله درُّه من درس. لله درُّه من زمزم آخر للسعي

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3362 - الأحد 20 نوفمبر 2011م الموافق 24 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً