العدد 3361 - السبت 19 نوفمبر 2011م الموافق 23 ذي الحجة 1432هـ

الخارطة الانتخابية المصرية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

يتوجه ما يقارب 40 مليون مصري إلى صناديق الاقتراع يوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 في أول انتخابات حرة وتنافسية لأكثر من نصف قرن. وتتم الانتخابات حسب نظام القوائم لثلثي المقاعد والبالغة 332 مقعداً (46 دائرة) والدوائر الفردية لثلث المقاعد (166 مقعداً) (83 دائرة) من مقاعد مجلس الشعب البالغة 498 مقعداً.

ستتم الانتخابات على مرحلتين، الأولى يوم 28 نوفمبر 2011، وتفوز فيها اللوائح والأفراد ممن يتخطى عتبة 50 في المئة من أصوات المقترعين الصحيحة، ثم في 15 ديسمبر/ كانون الأول للجولة الثانية لأكثر قائمتين أو مرشحين أصواتاً في الجولة الأولى. وتعتبر هذه هي الصيغة التوفيقية التي توصلت إليها الأحزاب مع المجلس العسكري الأعلى، والذي قرّر بداية أن تكون المقاعد مناصفة بين اللوائح والفردي.

انتخابات في ظل الثورة

لعل أبرز ما يميز هذه الانتخابات هو أنها تجرى لأول مرة في ظل مفاعيل ثورة 25 يناير، بكل جديدها وتناقضاتها، وتجاور قوى متضاربة. الانتخابات تجرى في ظل إطلاق حرية تشكيل الأحزاب، حيث ارتفع عدد الأحزاب المرخص لها من 16 في عهد حسني مبارك مع الهيمنة المطلقة للحزب الوطني، وتقييد شديد للأحزاب المعارضة بل وتحريم عدد منها، إلى ما يقارب 40 حزباً مرخصاً وأخرى تحت التأسيس. وهذا ما أتاح لقوى كانت محاصرة مثل الإخوان المسلمين، أن تعبر عن كامل طاقاتها الكامنة، ولقوى محرمة تماماً مثل السلفيين، أن يظهروا إلى السطح السياسي، وقوى مختلفة ليبرالية ووسطي ويمينية ويسارية أن تعبر عن نفسها.

فورة تأسيس الأحزاب إما كأحزاب بأسماء أخرى لكيانات قائمة مثل حزب الحرية والعدالة للإخوان المسلمين، وحزب الوسط لجناح منشق عن الإخوان المسلمين تحت التأسيس في عهد مبارك، أو لقوى محرمة في العهد السابق مثل حزب النور المعبر عن الإسلاميين السلفيين؛ أو أحزاب جديدة لقوى جديدة وهي بالعشرات، أو انشقاقات من أحزاب مثل حزب التحالف الشعبي المنشق من حزب التجمع، هذا بالإضافة إلى الأحزاب القائمة في عهد مبارك باستثناء الحزب الوطني الحاكم حينها، والذي حل بقرار قضائي. ولكن لم يحرّم على أعضائه العمل السياسي في إطار أحزاب أخرى أو الترشح للانتخابات ضمن قوائم الأحزاب أو الفردي، باستثناء أولئك الذين تجري محاكمتهم.

هناك تشرذم كبير بوجود هذا الكم من الأحزاب، خصوصاً أن أغلبيتها حديثة العهد بالعمل السياسي والحزبي، ولا تمتلك القدرات التنظيمية واللوجستية والمالية والبشرية لخوض هذه الانتخابات لعشرات الملايين، حيث إن ناخبي بعض الدوائر أكثر من مليون شخص.

الإخوان والوسط والسلف

من هنا فإن الأكثر حظاً في الانتخابات هو من يملك تنظيماً راسخاً وممتداً وشبكة علاقات شعبية ومؤسسات ومواقع قادرة على الوصول إلى الناخبين، وبالطبع إمكانات تنظيمية ومالية وبشرية ولوجستية، وله تاريخ نضالي في ذاكرة الشعب، وبالتالي تعاطف شعبي. وبالطبع الأوفر حظاً هنا هم الإخوان المسلمون، والذين شكلوا حزب الحرية العدالة - وعهدوا إلى ضم أقباط مسيحيين ضمن هيئته التأسيسية وقياداته، وطرح أنفسهم كتنظيم وطني وليس طائفياً، وتبنوا سياسة ذكية في الانخراط في الثورة وفي الوقت ذاته التناغم مع المجلس العسكري الأعلى.

ويستتبع هذه المكانة حزب الوسط، الإسلامي المعتدل المنشق من الإخوان المسلمين، والذي عانى أيضاً من اضطهاد النظام السابق.

أما التيار الثاني في الحظوة فهو التيار الإسلامي السلفي، والذي له تاريخ في مقاومة النظام السابق، والمسئول عن اغتيال السادات، ما ترتب عليه من صدامات عنيفة مع النظام ومقتل العشرات وسجن المئات من أعضائه، إلى أن تخلى عن العنف في سنوات مبارك الأخيرة بعد ما يعرف بالمراجعة الفكرية، بمبادرة من الأزهر. وتم إطلاق غالبية أعضائه في عهد مبارك ومن تبقى بعد قيام الثورة، وله أيضاً قواعده ومساجده وشبكة علاقاته وتعاطف فئات من الشعب، لكن موصوم ليس بالمشاركة في ثورة 25 يناير بل معارضتها، تحت شعار «طاعة ولي الأمر»، ثم معارضته للتوجهات العامة للثورة بطرح الدولة الدينية مقابل الدول المدنية، والاعتداء على كنائس الأقباط، والجهر بالتعامل معهم كأصحاب ذمة، والصدام مع الإخوان والأزهر ومفتي الجمهورية وتكفير الآخرين.

الوفد والتكتلات المتنافسة

أما القوى الثالثة فهو حزب الوفد وحلفاؤه، هذا الحزب الوطني العريق والذي تعرض للحل بعد ثورة 23 يوليو 1952، ثم صرح له بالعمل في عهد السادات مع وضعه تحت السيطرة، وافتعال صراعات داخلية لإضعافه. لكن الحزب مثل أحزاب المعارضة الأخرى، التحق بالثورة بعد صعودها وحاول التواؤم معها. ويمثّل حزب الوسط تيار الوطنية المدنية الوسطي المصرية، ويعبر عن مصالح الطبقة الوسطى، وبعض الطبقة العليا. ويستند الحزب على تاريخه الوطني بقيادة سعد زغلول ومصطفى النحاس، وعلى التعاطف لما تعرض له في مكائد واضطهاد على يد العهد السابق.

ويتوزع قواعد التأييد على باقي التنظيمات القديم منها والمحدث من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ومن الإسلامي إلى العلماني الليبرالي.

ومن الواضح أن الخارطة الانتخابية تتميز بالسيولة الشديد والتشرذم والتنافس الشديد فيما بين القوائم وداخل القوائم، وداخل قائمة كل حزب، ويشتد ذلك في التنافس على القوائم الفردية حيث تتداخل عوامل الانتماء الحزبي مع العوامل الشخصية للمرشح.

إن القوائم في طور التشكل والتفكك وإعادة التشكل وأبرزها:

1 - التحالف الديمقراطي ويضم أحزاب «الحرية والعدالة» (إخوان) و «الغد الجديد» (انشقاق من الغد) والكرامة والأحرار والوفد. لكن لحزب الحرية والعدالة تحالفات فرعية مع مرشحين إسلاميين أفراد.

2 - تحالف الثورة مستمرة، ويستند إلى قاعدة شباب ثورة 25 يناير ويضم أحزاباً جديدة، وهي «الشعبي الاشتراكي» و «المساواة والتنمية» و «الاشتراكي المصري» و «مصر الحرية» و «التحالف المصري» و «التيار المصري» و «ائتلاف شباب الثورة».

3 - تحالف الوسط ويضم حزب الوسط (انشقاق إخوان) والريادة والنهضة (انشقاق إخوان).

4 - تحالف الناصريين ويضم الحزب الناصري والوفاق القومي والمؤتمر الناصري.

5 - الكتلة المصرية وتضم التجمع مع بعض التنظيمات اليسارية الأخرى.

وهذه التكتلات ليست مقتصرةً على أحزاب بل تضم أيضاً منظمات أهلية وشخصيات. ومن الملاحظ أن قواعد الشباب التي أطلقت ثورة 25 يناير مثل «حركة 6 أبريل» وحركة «كلنا خالد سعيد»، قد تفككت وتوزعت على مختلف الأحزاب. وبالطبع فإن بعضهم كان ينتمي أصلاً إلى أحزاب وتنظيمات قائمة.

كما يلاحظ أن غالبية الأحزاب الجديدة يستند إلى زعامة وكارزمية شخصية معينة، مثل «حزب الأحرار» الذي يقوده الباحث والأكاديمي المعروف عمرو حمزاوي مثلاً.

وحسب نظام الانتخابات فإنه يمكن لأكثر من حزب أن يشكّل قائمة انتخابية واحدة يخوض بها الانتخابات في جميع أو بعض الدوائر الانتخابية تحت شعار أحد هذه الأحزاب، فمثلاً التحالف الديمقراطي الذي يضم 11 حزباً سيخوض الانتخابات تحت شعار الوفد وهو الهلال الأخضر.

لكن يمكن لأي من هذه الأحزاب أن يخوض الانتخابات بمفرده في الدوائر حيث لا يتحالف مع غيره. ومن هنا هذا التعقيد الشديد والحيرة التي تنتاب الناخب، فبالإضافة إلى تعقيد اللوائح المتنافسة وهي كثيرة، هناك أيضاً المرشحون الفرديون لذات الدائرة الانتخابية.

فضلاً عن ذلك، ليس من السهل على الناخبين استيعاب برامج الأحزاب والكتل والأفراد، وهي متشابهة، خلال فترة زمنية قصيرة من وجود هذه الأحزاب وادعائها جميعاً أنها تنتمي إلى الثورة، التي اختلف الكثيرون في تفسير وقائعها وأهدافها.

التوقعات والرجم بالغيب

في ظل هذه السيولة الشديدة وكثرة الأحزاب والقوائم والمرشحين، فإنه من الصعب التكهن بنتائج الانتخابات سواء بالنسبة للكتل أو الأفراد. وتتراوح تقديرات الخبراء بما يفيد ما يلي:

1- الإخوان المسلمون (حزب الحرية والعدالة) 25 في المئة.

2- السلفيون (حزب النور) وحلفاؤهم 10 في المئة.

3- الوفد 15 في المئة.

4- الآخرون 45 في المئة.

بالطبع فإن بعض التكهنات هي من سبيل الدعاية والترويج.

ومن الواضح أن الشعب المصري، بعدما ظهر من مظاهر الغلاة والتطرف الإسلامي والمسيحي، اليساري واليمني، هو شعب وسطي بمسلميه ومسيحييه، ولذلك فإن عرض القوة من قبل السلفيين لا يعكس قاعدة واسعة، وسيكون له مردود عكسي في صناديق الاقتراع، كما أن نزعة الإخوان المسلمين في البروز ولو ضمن التحالف الديمقراطي سيكون له أيضاً انعكاسات سلبية، فهم لم يستفيدوا من درس الانتخابات التونسية ومواقف حزب النهضة.

وعلى أية حال فالانتخابات لمجلس الشعب، وسيتبعها انتخابات مجلس الشورى ليست هي النهاية، ففي ظل الحرية والديمقراطية، سيعاد اصطفاف وتشكل القوى السياسية، بما سيترتب عليه من أحزاب سياسية، ويؤمل أن تعي الأحزاب الفائزة خطورة المرحلة وتعمد إلى تشكيل حكومة ائتلافية وانتخاب رئيس توافقي. كما يؤمل أن تجري ترجمة أهداف ثورة 25 يناير، إلى صياغة دستور ديمقراطي جديد، وقوانين حديثة ديمقراطية، ودولة مدنية تستند إلى المواطنة المتساوية ومبادئ الديمقراطية والحرية والمساواة والعدالة والتحديث، لتنتشل مصر من وضعها المتردي إلى ما تستحقه من قيادة عربية وريادة عالمية.

هذه الانتخابات ستكون مراقبة من قبل منظمات المجتمع المدني، وقد يسمح بمراقبة المنظمات العربية والدولية الأهلية، أو على الأقل الملاحظة عن قرب، ما سيضفي عليها الصدقية التي تتطلبها

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3361 - السبت 19 نوفمبر 2011م الموافق 23 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً