عندما احتلت الكويت العام 1990 التقى الزميل سعود العنزي بالفنان سلمان زيمان في البحرين، وأصر عليه أن يعطيه قصيدة مسفر الدوسري ويلقيها على مسامعه... «امي قالت... يمه أرضك» فكانت رائعة المعنى والمغنى، أداها مع فرقة «الأجراس» وبجهد أوركسترالي، دمج فيها الحزن مع القلق، وكانت اقرب الى موسيقى المارشات العسكرية... الأغنية فيها حميمية لأن الكويت بالنسبة لهذا الفنان البحريني هي المكان الذي يجد نفسه فيه.

بين الضيوف الذين كرَّمهم مهرجان الخليج الموسيقي مع زميله المطرب احمد الجميري والملحن الإماراتي إبراهيم جمعة هو الفنان سلمان زيمان الذي سيحط «في ديرته» التي عشقها منذ أيام العمر التي مضت ولم تنته ذكراها، فله فيها أصدقاء وعلاقات ومحبون وهم «وصولون» معهم سواء على المستوى الشخصي أو في مناسبات وطنية وفنية.

عانى في شبابه الكثير من المشقات، تنقل بين عواصم عربية، إحداها بغداد وكانت للدراسة والأخرى وجدها تحتضنه دون ان تشعره بأنه غريب عنها، وهي الكويت عندما شاءت الأقدار ان يخرج من المحرق لأسباب سياسية، جاء الى هنا وعمل أمين مخزن في جمعية الصباحية التعاونية من اجل لقمة العيش الكريم ثم توطدت العلاقات ونشأت له صداقات كالعلاقة التي تربطه مع محمد اشكناني والزميل سعود العنزي والإعلامي محمد القحطاني، وفوق هذا كانت أجيال تسمعه ومعجبة بأدائه ولونه الفني والتزامه بالشأن الوطني والقومي، فقد كانت الكويت بالنسبة له المكان الذي وجد فيه نفسه غنائياً.

محب للناس ووفي لمعارفه وأصحابه، عميقة محبة هذا الإنسان لأصدقائه بعيداً عن أي مصلحة أو تزلف، هو في داخله كتلة من الوفاء، أصبحت عملة نادرة في أيامنا هذه، كأنه يحمل راداراً يبحث فيه عن «صحبة ماجد» وتفقد أحوال من ارتبط معهم منذ زمن، فتراه مستنفراً ومتفرغاً ومن دون ضجيج للإعداد لعمل توثيقي كامل طيلة 40 يوماً، من أجل ان يقدمه في المناسبة، عندما فقد عزيزا عليه وهو «مانديلا البحرين» عازف الغيتار المشهور مجيد مرهون.

كان أول صيحة خليجية تطلق من البحرين بمشاركة زوجته وأشقائه عبارة عن، عملية «تعريب» للآلات الغربية وجعلها ذات طابع شرقي وخليجي، بعد ان كانت شائعة الانتشار في مصر عن طريق «الفور ام» تتعاطى مع الشباب بروح جديدة فرضت نفسها بقوة على الساحة العربية.

يمثل اتجاها أو جماعة عصاميين، أسسوا لمدارس جديدة على المستوى الخليجي بلا دعم حكومي، هذه الجماعة لم تقحم نفسها في أوحال السياسات العربية، بل توجهت الى الشباب مباشرة، واجهتها مصاعب في التمويل انعكست على نشاطها، ولم يكن بمقدورها التوسع في الانتشار والتجديد والتطوير، كما كانت في السبعينيات عند بداية مشوارها الفني.

رائد من رواد التحديث في الموسيقى الخليجية، خرج من الأفق الكلاسيكي الى الأفق التعبيري، لذلك ارتبط اسمه وتاريخه الفني بفرقة أجراس، التي تأسست العام 1982، وكان من بين أعضاء الفرقة الفنانة هدى عبدالله زوجة المايسترو الموسيقي خليفة زيمان، شقيق سلمان، والممثلة مريم زيمان، وكان أجمل ما غنته الفرقة «يابو الفعايل يا ولد».

هو رمز من رموز البحرين، ليس فقط في الطرب بل في الموسيقى والتجديد، حبَّب الناس بسماع الأغاني باللغة العربية الفصحى، وأطلقوا عليه لقب «كروان العرب» ومن شدة إعجابها بفنه وبشربها من مُدام النغم، كتبت الزميلة ابتهال الخطيب مقالة في «أوان» العام 2009، دعت فيه ـ مخلصة ـ النائب محمد هايف الى جلسة معه يتصافى فيها مع نفسه بعد أن نعت من يتعلم الموسيقى بأنه يساهم بتخريج المدارس للراقصات! واعتبرت أن الأمل الأخير لإنقاذ هايف هو أن يستمع إلى كلمات زيمان وصوته الرخيم وكلماته المتزنة وأغانيه الشعرية الراقية.

غنى الكثير من القصائد لشعراء فلسطينيين، فالقضية عنده حاضرة دائما، ونسبة كبيرة مما قدمه في أشرطته وحفلاته كانت عن قضية العرب على رغم ما اعتراها من أزمات وكوارث وصلت إلى أهلها، ومن الأغاني التي أنشدها قصيدة الشاعر توفيق زياد ومطلعها:

ولي في ربوع الشام غرام

حــي وزمبـــقــــــة طاهــــــرة

نعيش على حلمها باللقاء

على دفء أمنــية عــاطرة

على وجهها سمة الأبرياء

وفي خدها حمرة آسرة

وفي رأسها فكر العاشقينا

وفي عينها فرحة حائرة

تربى على صوت عوض الدوخي، مصطفى احمد، غريد الشاطئ، شادي الخليج، وكانت إذاعة الكويت هي المفضلة لديه، وفي الليل يستمع الى إذاعة بغداد ودمشق ووسط هذا الاهتمام كما يرد في سرد لقصة حياته دونَّها الزميل يوسف محمد بصحيفة «الوقت» البحرينية، كان سلمان يعشق الأغاني الهندية وإيقاعاتها المختلفة ويرددها في كل وقت، ليجمع مصروفه الشخصي ويتوجه الى سوق الذهب في المنامة ليشتري أحدث الاسطوانات الهندية.

يروي الزميل يوسف محمد، انه طلب يوماً من والده ان يشتري له طبلة إذا نجح في الأول الإعدادي، وحقق أمنيته بعد ان اصطحبه الى السوق ليشتري له «طبلة ام قمرين» وكانت اول آلة موسيقية يمتلكها، وفيما بعد وعندما عمل فترة في طيران الخليج، حرص على توفير ما استطاع جمعه من مال لشراء الغيتار، وأثناء دراسته في بغداد التقى بعازف الكمان الفنان محمود حسين الذي كان يدرس في الكويت وتوطدت العلاقة بينهما الى ان انضم الى فرقة «نجوم الخليج» كعازف غيتار العام 1974.

ولادته الفنية كانت العام 1979، بعد إنتاج شريط ضم سبع أغان اشتهر منها «جمالك رمزا» ثم طُرح البوم آخر وفيه ثلاث أغان هي: هيفاء، يا مقلت عيني، طائر الهيمان، وثلاث أغان أخرى هي بعدت عني، الحب أسرار، كذا أول، وذلك العام 1981، وفي العام 1975 صاغ لحنا لقصيدة للشاعر العراقي كاظم الرويعي يرثي فيها صديقه وزميل الدراسة سعيد العويناتي.

العام 1982 اجتمع مع عبدالحميد المعماري ومحمد باقري وخليفة زيمان وعلي الديري ووهاب تقي وعلي محمد وإبراهيم علي وأعلنوا تأسيس فرقة جديدة حملت اسم «أجراس» قدمت عددا من الإصدارات بصوته وصوت الفنانة هدى عبدالله وهي شريط «أمنيات أطفال» وشريط «أم الجدائل» و «اعتذار» و «أبوالفعايل» العام 1993