كثيراً ما تواجه المشاريع وخصوصاً مشاريع البناء والتشييد والمشاريع الصناعية مشاكل وعوائق غير متوقعة أو مدروسة مسبقاً قد تزيد من الكلفة العامة أو الكلية وتؤثر على الجودة وقد تعوق تقدم المشروع إذا كان هنالك عجز في الموازنة مثل، استخدام لمواد بكلف عالية يمكن الحصول عليها بكلفة أقل ونوعية أفضل، أو استخدام بدائل متوافرة تقوم بعمل المواد المطلوبة نفسها وبكلفة إجمالية قريبة أو أقل من الكلفة الأصلية.
لذلك كان لابد من اتباع أسلوب ومنهج معين يقوم بإعادة النظر في المشاريع والعمل على تحسين طريقة العمل واختيار أدوات العمل بالشكل الأمثل والأقل كلفة مع المحافظة على الشكل أو الدور أو الخدمة التي يقدمها هذا المشروع في النهاية.
كما هو متبع حالياً، يتم تطوير المشروعات بوضع برامج احتياجات ومتطلبات بواسطة مديرين ومهندسين واستشاريين وفنيين أو عن طريق التعاقد مع استشاريين واختصاصيين أو بإسناد العمل إلى جهة استشارية، تبدأ بالبرمجة والتصميم وتنتهي بترسية عقد تنفيذ المشروع.
وفي كل الحالات، قلما نجد برامج لمراقبة الجودة والنوعية وتحسين القيمة على رغم أن هذه البرامج جزء لا يتجزأ من العملية الإدارية والإنتاجية في جميع القطاعات ولاسيما القطاع الإنشائي والصناعي.
هذا الأسلوب نشأ في القطاع الخاص الأميركي في ميدان الصناعة إبان الحرب العالمية الثانية كنتيجة للحاجة إلى متطلبات الحرب العالمية من الأسلحة والذخائر والمنتوجات الأخرى وفي المقابل شح الموارد الأولية والموارد البشرية، وفي مطلع السبعينيات الميلادية انتقل أسلوب الهندسة القيمية إلى بقية أنحاء أميركا والعالم، وكانت اليابان سباقة إلى تبني الفكرة والتوسع في تطبيقها كما انتشرت فكرة الهندسة القيمية في أوروبا وآسيا.
إن مفهوم الهندسة القيمية قائم على تطوير الأداء والإنتاجية على فكرة الجمع ما بين تحقيق الإنتاجية المستهدفة، سواء أكانت من خلال إقامة المشروعات أو تقديم السلع والخدمات، وبين تحقيق وفورات في التكاليف وتحقيق جودة عالية للمنتج والحفاظ على الوظائف الأساسية التي يتوقعها المستفيدون والمنتجون.
ونستخلص هنا تعريف للهندسة القيمية بأنها: «دراسة تحليلية ذات منهج محدد، تجري بواسطة فريق عمل متعدد التخصصات على منتج أو مشروع أو خدمة لتحديد وتصنيف الوظائف التي يؤديها المشروع لتحقيق تلك الوظائف بطرق أفضل أو تكلفة إجمالية أقل أو بهما معاً من خلال بدائل ابتكارية من دون المساس بالمتطلبات الأساسية و الجودة».
إن الهندسة القيمية ذات مفهوم واسع ولا تعني الهندسة... تلك الآلات أو المخططات ورسم الأشكال... وإنما الهندسة القيمية هي هندسة وظيفية أي إعادة دراسة أداء ووظيفة المنتج أو المشروع لتحسين الجودة والأداء والخروج بكلفه أقل.
ولا يشترط أن تكون الدراسة ذات هدف واحد وهو تخفيض الكلفة (كما قد يتبادر إلى أذهان الآخرين وهو أنها لتخفيض التكاليف فقط أو العمل في حدود الموازنة)، وإنما هدفها هو التقليل من الإسراف والتبذير بشكل مبسط وحتى من الممكن رفع جودة المنتج أو المشروع وزيادة عمر العمر الافتراضي.
إن أسلوب الهندسة القيمية هو أسلوب علمي مدروس أصبح مستخدماً بفعالية من قبل الكثير من الشركات والمؤسسات الإدارية الاستشارية والهندسية والصناعية العالمية. ونجاحها يعود إلى أنها تسهل على المالك اتخاذ القرار وتساعده على الحصول على أكبر عائد مادي وفي الوقت نفسه تحقيق الأهداف والمهمات المطلوبة مع مراعاة الحصول على الوظائف التي يرغبها المالك مثل الجمال والبيئة والسلامة والمرونة وغيرها من العوامل المهمة التي تفي أو تفوق توقعات المالك والمستفيد وبجودة عالية.
تبدأ دراسة الهندسة القيمية بجمع اكبر قدر ممكن من المعلومات حيث يتم تحليلها وتقدير التكاليف بشكل واقعي، ومن ثم أبراز مواطن التكاليف الزائدة أو غير الضرورية، وبعد ذلك يتم تعريف ومناقشة وتحليل وتصنيف وظائف جميع المكونات للمشروع بطرق ممنهجة، وعند الانتهاء من هذه الخطوة تحدد أولوية البنود التي سيتم التركيز عليها في الدراسة، وتبدأ بعدها خطوة طرح البدائل والأفكار ولمقترحات التحسينية، ويتم بعد ذلك تحديد معايير التقويم والاختيار، وتبدأ بعدها عملية بحث وتطوير هذه الأفكار إلى بدائل علمية، وقبل عرض نتائج الدراسة على المالك أو المستفيد حيث يقوم فريق العمل بمناقشة ومراجعة شاملة لنتائج الدراسة، وأخيراً يقوم فريق الدراسة بعمل خطة لتطبيق المقترحات التي تمت الموافقة عليها، وكل ذلك في زمن قياسي، ويختلف تطبيق خطة عمل الهندسة القيمية باختلاف الحالة والوضع المصاحب للمشروع.
مقاومة البعض لمنهج ونتائج الدراسات القيمية، عدم تحري الدقة في كفاءة وخبرة أعضاء فريق العمل، قلة التدريب الخاص بالهندسة القيمية، تطبيق الدراسة القيمية في وقت متأخر، قدم المواصفات المتبعة وعدم تجديدها، عدم وجود آلية لتطبيق المقترحات القيمية، عدم إعطاء الثقة بالمهندسين والعاملين وإتاحة الفرصة لأكبر عدد منهم للتدرب واكتساب الخبرة، قلة المعلومات أو عدم توافرها عند الحاجة، قلة الإمكانيات المتوافرة لفرق العمل، وجود انطباع سيئ عن الهندسة القيمية من قبل بعض المسئولين، صعوبة تعديل مجال العمل الذي عادة يكون مجدد قبل بدء الدراسة، عدم وضوح الغرض من المشروع أو أهدافه أو متطلباته.
أسباب زيادة التكاليف غير الضرورية ورداءة الجودة
هناك الكثير من الأخطاء التي وقعت وتقع في معظم المشروعات في جميع المراحل وخصوصاً في المراحل الأولى ومن النادر الحصول على عمل مشروع متكامل يرضي المالك والمستفيد.
ونتج من هذه الأخطاء تكاليف زائدة وتكاليف غير ضرورية، ولايزال هناك الكثير من العوامل التي تساعد على رداءة القيمية.
إن هذه العوامل (موضحة أدناه) تعتبر عقبات في طريق الحصول على القيمة الجيدة وأن أفضل طريقة للتغلب على هذه العقبات، هي استخدام أسلوب العمل الجماعي المتبع في الهندسة القيمية بواسطة فريق عمل متعدد التخصصات مكون من جميع الأطراف ذات العلاقة.
إن الاستغلال الأمثل للموارد وخصوصاً في الوقت الذي نعيشه هو مطلب تزداد الحاجة له يوماً بعد يوم لأن معظمها إن لم يكن جميعها قابل للنضوب ويزداد الطلب عليها باضطراد، ومن أجل هذا يصبح تطبيق منهج الهندسة القيمية على المشروعات والخدمات وغيرها من المنتجات مطلباً ملحاً للبقاء في ظل المنافسة العالمية الشديدة والتكيف مع الوضع الاقتصادي العالمي والمحلي وخصوصاً إذا علمنا أن هناك الكثير من العوامل التي تساهم في زيادة التكاليف الغير ضرورية ورداءة الجودة والقيمة معا، ومنها:
- قلة المعلومات (الأهداف، المتطلبات، التكاليف)
- المبالغة في أسس التصميم والمعايير الأولية
- المبالغة في معامل الأمان (Safety Factors)
- عدم الاستفادة من التقنيات الحديثة، ضعف العلاقات والتنسيق بين الجهات المعنية باتخاذ القرار
- عدم تقدير وتحديد الكلفة في البداية، الاعتماد على الفرضيات دون الحقائق
- التركيز على الكلفة الأولية وليس الكلفة الكلية، ضيق الوقت المتاح للدارسات والتصميم
الهندسة القيمية أو إدارة القيمة هو أسلوب منهجي فعال لحل المشكلات (Problem Solving Methodology) ثبتت جدواها في معظم بلاد العالم المتقدمة، حيث أنها تركز في البداية على الفعالية (Effectiveness) عن طريق تحليل الوظيفة (Function) أو الوظائف المطلوب تحقيقها وتحديد الأهداف والاحتياجات والمتطلبات والرغبات، (Goals functions to be achieved, Needs, Requirements and Desires) ومن ثم تبحث في الكفاءة (Efficiency) عبر تحديد معايير الجودة (Quality) التي تجعل من المنتج أكثر قبولاً، وأخيراً تسعى للحصول على ذلك بأوفر التكاليف الممكنة. والتكاليف هنا يعنى بها التكاليف الكلية (Life Cycle Cost, LCC) وليس التكاليف الأولية فقط.
عودة إلى بداية الحديث وتقديم البراهين العلمية والعملية الخاصة بتوطين الهندسة القيمية بالأرقام:
- تم حتى الآن تأليف ثلاث (3) كتب باللغة العربية عن الهندسة القيمية وجميعها مؤلفة من قبل ثلاث مهندسين خليجيين.
- تدرس نظرية الهندسة القيمية الآن في خمس (5) جامعات ومعاهد علمية انطلاقاً من الولايات المتحدة الأميركية.
- أكثر من سبعين (70) مهندسا خليجيا حصل على شهادات مهنية في الهندسة القيمية. ويعتبر هذا إنجازا متميزا للمهندس الخليجي، حيث إن عدد المتخصصين الخليجيين يمثل أكثر من 10 في المئة من المتخصصين على مستوى العالم البالغ عددهم حتى الآن 670 مختصا.
- تم إنشاء ست (6) برامج للهندسة القيمية في القطاعين الحكومي والخاص على مستوى العالم.
- زاد الإقبال على تعلم الهندسة القيمية حيث تقام الدورات التدريبية في الهندسة القيمية بمعدل 20 - 25 دورة سنوياً على مستوى الشرق الأوسط.
- أصبحت الدراسات القيمية تطبق على المشروعات والمشاريع الهندسية والصناعية وفي برامج التشغيل والصيانة وفي العمليات الإدارية والمحاسبية بمعدل 50 - 70 دراسة سنوياً. ومنذ أول تطبيق لها في منطقة الخليج العام 1978، تم إجراء أكثر من سبعمائة (700) دراسة هندسة قيمية نتج عنها تحسين في جودة المشروعات الهندسية مع الحصول على وفر زاد على بليوني (2) دولار أميركي.
هذه الإحصاءات جعلت دول مجلس التعاون تأتي في المرحلة الثالثة من حيث تطبيق الهندسة القيمية بعد الولايات المتحدة واليابان.
ولكن يظل السؤال المهم: ماذا بعد توطين الهندسة القيمية؟
نتيجة لزيادة الطلب على تطبيق دراسات الهندسة القيمية في القطاعين العام والخاص، زاد الطب على المتخصصين في هذا المجال أفراداً ومؤسسات وأصبح من الضروري تنظيم مزاولة وممارسة هذه المهنة حتى لا يساء استخدامها. لذا تم إنشاء فرع الخليج العربي للجمعية الدولية للهندسة القيمية تابعاً للفرع الرئيسي في الولايات المتحدة الأميركية ويمثل جميع دول مجلس التعاون الخليجي
إقرأ أيضا لـ "حسين فتيل"العدد 3360 - الجمعة 18 نوفمبر 2011م الموافق 22 ذي الحجة 1432هـ
ياريت نحصل نسخة من هذا البحث ...جزاكم الله كل خير
وليد
أشكركم علي المجهود وتطبيق مفهوم الهندسة القيمية سيساعد في رفع مستوي اي مشروع
osama_1004
اعجبنى ولكن مطلوب امثلة على ذلك لتوضيح الرؤيا
شكرا
شكرا على المعلوات القيمه
جزاكم الله خيرا
هذا الموضوع مهم وأشكركم جزيل الشكر لأن الكثيرين أستفادو من هذا البحث .جعله الله في ميزان حسناتكم . والسلام عليكم
بحراني
مفهوم رائع
بالتوفيق
شكر لكم
مفهوم رائع للهندسة
بالتوفيق