يقول أحد الرؤساء السابقين لمنظمة الشفافية الدولية المعروفة بـ (Transparency International) ويُرمز لها اختصارا بـ (TI)؛ إنه لا موطن للفساد، فهو يعمق الفقر في جميع أنحاء العالم من خلال تشويه مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتعرّف الجمعية البحرينية للشفافية الفساد في أدبياتها بأنه إساءة استخدام السلطة المؤتمن عليها لتحقيق منافع خاصة. والسلطة المؤتمن عليها قد تكون مكتسبة بالتعيين أو بالانتخاب ويمكن أن تكون في القطاع العام أو القطاع الخاص أو في المجتمع المدني. كما تضيف الشفافية الدولية للتعريف البحريني توضيحاً مهماً بأن الفساد الناجم عن سوء استعمال السلطة ينطوي على اتخاذ قرارات ليست في الصالح العام وإنما لأغراض ذاتية. وبالتالي هذا بدوره يؤدي لإضعاف المؤسسات الديمقراطية، بحيث تتمثل العواقب السياسية في فقدان الصدقية وثقة ودعم المواطنين. وإنتاج نمط من منافسة الرشوة بدل المنافسة الشريفة وهذا ما يؤدي إلى الإضرار بالتجارة وإعاقة الاستثمار. وعادة يصاحب الفساد في دول الفساد حالات خرق حقوق الإنسان، وذلك - كما تذكر الشفافية الدولية - أنه بسبب تنامي ظاهرة الفساد تصبح أنظمة الحكم أكثر سرية في تعاملاتها، وبالتالي تصبح الحقوق الأساسية والاجتماعية والاقتصادية مهددة تبعاً لذلك.
وللعلم فمنظمة الشفافية الدولية منظمة دولية غير حكومية معنية بالفساد في العالم، ويتضمن الفساد السياسي وغيره من أنواع الفساد. وهي في الواقع عبارة عن مجموعة تتكون من 100 فرع محلي حول العالم، مع سكرتارية دولية مقرها الرئيسي في برلين. تأسست في العام 1993 بألمانيا كمؤسسة غير ربحية، وتأمل أن تكون منظمة ذات نظام هيكلي ديمقراطي متكامل. تشتهر هذه المنظمة عالمياً بتقريرها السنوي المعروف بمؤشر الفساد والمسمى (CPI) اختصاراً، وهو عبارة عن قائمة مقارنة للدول من حيث انتشار الفساد حول العالم. وتحرص المنظمة على إصداره سنوياً منذ العام 1995. كما تنشر تقريرها عن الفساد العالمي، هو «بارومتر» للفساد العالمي ودليل دافعي الرشوة وليس الضرائب.
إلا أن ما لفت نظري وأنا أقرأ قائمة مجلس إدارة هذه المنظمة الدولية المهمة حقاً في وجه جشع الإنسان الفاسد والمرتشي والمكونة من 12 مديراً يُنتخبون سنوياً؛ أنني لم أجد اسما عربيا ضمن الإدارة لا في منصب رئيسي ولا فرعي ولا حتى سكرتير أو بواب! والسؤال لماذا؟ بعض المحللين يقول، ربما لعدم ثقة المنظمة بأي مسئول عربي لدخول إدارتها حتى لا تـُتهم بالفساد لأول وهلة بسبب الإحساس فقط برائحة ذلك المسئول، أو أن المسئولين العرب عموماً لا يحبون سماع اسم هذه المنظمة ولا قراءة تقاريرها بل يسارعون لتكذيبها مباشرة حتى قبل التحقق من صدقيتها على أرض الواقع في بلدانهم، كما يفعلون مع تقارير منظمات حقوق الإنسان، وشعارهم الدائم: كله تمام يا ريس. وإلا هل يعقل أن يدخل الفساد والرشا في البلاد العربية الإسلامية والدين القويم يحذرهم ليل نهار بأن الراشي والمرتشي كلاهما في النار، وخصوصاً أنهما عندما يتفقان على الرشوة للالتفاف على أي أزمة أو مشكلة بغير وجه حق، يكون الاتفاق بينهما سراً ويحسبان أن المولى عز وجل لا يراهما ولا يسمعهما. إذاً فهذه ليست من أخلاق وشيم العرب وبذلك فالفساد لا يعرف له طريق في بلادنا العربية لأننا محصنون ضده بحسن تربيتنا وعلة وسمو أخلاقنا.
وبالتالي لا داعي لقراءة أي شيء عن الفساد والجزم بأنه هو السبب في تغذية جميع الأزمات الاجتماعية ولاقتصادية والسياسية التي يعيشها الوطن العربي اليوم والتي كشفها الربيع الأخضر وليس الشاي الأخضر، أو أن الفساد هو من يوقع ملايين الناس في شرك الفقر والبؤس ومعظم دول العرب بترولية ولله الحمد، وحين يأتي التمرد بشتى الطرق للخلاص من شره يُتهم العربي بالخيانة لوطنه وأنه دائماً مرتبط بأجندة خارجية ولسنا ندري هل هي أجندة هجرية أم ميلادية أم عبرية. إذاً، أين الادعاء بأن الشعب معنا ويحبنا إذا كان معظمه مرتبطا بأجندات خارجية!. وربما لا يعلم من بيده الصولجان أن الفساد هو الذي يخل بالقانون والنظام وليست آهات المظلومين والمهمشين، وهو الذي يسكت الأفواه لتتحول إلى منافقة أو مغيبة وبالتالي يضعف الديمقراطية الحقيقية. والأهم أنه هو بالتحديد - وليس غيره أبداً - من يشوه التجارة والاستثمار في أي بلد وليس الاحتجاجات على الفساد، بل ويعزز سبل الاستغلال لتدمير الموارد الطبيعية. ولذا تقول منظمة الشفافية إنه أصبح من المسلم به اليوم أمام أي نظام حكم عصري أن يقبل المحاسبة. فمن دون المحاسبة لن يستطيع أي نظام أن يعمل على نحو يخدم الصالح العام بدل المصالح الشخصية للمسئولين في الحكومة. ولذا فمن دون سيادة القانون ضد كل أشكال الفساد والمفسدين في البلاد والعباد لن تكون هناك تنمية مستدامة ولو أنشأنا لها مئة وزارة أو هيئة حكومية أو مستقلة.
ولذا ارفعوا أيديكم بالدعاء: إلهي... ندعوك بقلب صادق، وبرأي حاذق، أن تزيح من قلوبنا الحقد والضغينة والفساد والفتنة على الآخرين...
إلهي... طهر جيوبنا من أموال الفساد والرشا بشتى العناوين، لأنها ستتحول إلى سياط من نار في عذاب القبر ويوم لا ينفع مال رشا ولا أعطيات فساد ولا بنون فاسدون...
إلهي... لا تؤاخذنا بما يفعل أهل الفساد منا... آمين رب العالمين
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3360 - الجمعة 18 نوفمبر 2011م الموافق 22 ذي الحجة 1432هـ
اين الرادع
يسأل البعض اين الوازع الديني اين الشفافيه والمحاسبه والادارات الرقابيه المستقله والجواب كلها موجوده ولكن الوازع الديني مؤجل والشفافيه والمحاسبه والادارات الرقابيه غير مستقله