العدد 3359 - الخميس 17 نوفمبر 2011م الموافق 21 ذي الحجة 1432هـ

بادرةٌ جميلة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في بادرةٍ جميلةٍ، اختار مأتم أنصار الحسين بالبلاد القديم، أن يحتفل بذكرى تأسيسه الأربعين، بتنظيم حفل لتكريم الجيل الأول من المؤسسين، وأقيم على هامشه معرضٌ فني ملمومٌ للصور القديمة.

المأتم مؤسسة اجتماعية عريقة، سبقت بها البحرين الكثير من دول الجوار، وإذا كانت بدايتها ومنطلقاتها ذات طابع ديني؛ فإنها مع الزمن والتطورات اللاحقة بالمجتمع، أصبحت جزءًا عضويّاً من حياته، يلتقي فيه الناس في أفراحهم وأتراحهم، ودخلت عليه الأنشطة الثقافية والاهتمامات الأدبية والفنية. وهو في هذه الصيغة أكثر حضوراً وأشد تأثيراً من الأندية الرياضية والأدبية التي تقتصر على نخب من شرائح عمرية أو فكرية محدودة.

في هذا المكان؛ لا تسمع كلمةً نابيةً، ولا دعوةً للتشفي أو الكراهية والقتل، وإنّما يأتي الناس ليستمعوا المواعظ والتذكير بأيّام الله.

هنا يُعاد كلَّ عام سرد التاريخ الإسلامي كما جرى في منتصف القرن الهجري الأول، بما فيه من ملاحم وعبر وبطولات. هنا ثقافةٌ إنسانيةٌ حيّةٌ توارثتها الأجيال، تنفّر من الظلم، وتخوّف أكثر ما تخوّف من زهق الأرواح وسفك الدماء.

هذا المأتم الذي أسسه آباؤنا الكادح أكثرهم، بشكل جماعي في أبهى صور التعاون، كلّف 30 ألف دينار مطلع السبعينات، وتم ترميمه في التسعينات بعدما احترق جزئيّاً. ولما أتى عليه حريقٌ العام 2004 تمّ هدمه وتجديده في ثلاثة أدوار بكلفة 170 ألفاً.

في لفتته الأخيرة؛ نظّم المأتم معرضاً للصور القديمة، من معالم ووجوه المنطقة التي كانت عاصمةً للبحرين قبل ثلاثة قرون. بعض هذه الوجوه تتذكّرها يوم كنتَ طفلاً أو شابّاً، وهي تمر في الشارع. أصبحتَ أنت الآن في عمرها، بينما أصبحت هي نائمةً تحت التراب، ومن بقي منها ففي الهزيع الأخير من العمر.

إلى جوار هؤلاء الشيب، صورُ شبابٍ رحلوا قبل الأوان. بعضهم خطفه المرض، أو ذهب في حادثٍ مروري، أو اختطفه القدر. آجالٌ تنقضي والكل صائر إلى هذا المآل.

المعرض ليس كله صور أموات، بل هناك صورٌ أكثر للاحتفالات الدينية التي تجرى طوال العام، وهناك احتفالات الموالد والزواج. وبعضها صورٌ لمسابقات وندوات ثقافية ومهرجانات قدس، فالمأتم ليس مكان عزاء فقط، وإنّما مجمع أنشطة اجتماعية وفعاليات.

من بين الصور التي استوقفتني؛ بعض الندوات السياسية، أحدها للأخ رئيس التحرير منصور الجمري، في واحدةٍ من أوائل الندوات المفتوحة التي استهل بها العام 2001، ويبدو فيها الشاب الراحل حسين الأمير واقفاً وسط الجمهور، وهو يحمل الميكروفون معقّباً. ندوة كانت حامية ذلك المساء، مع شيوع آمال كبيرة تنازعها شكوكٌ كبيرة أيضاً.

هناك صورٌ لندوةٍ أخرى، وقد تصدّرتها مجموعةٌ من الشخصيات السياسية المعارضة، من بينهم النائب السابق والشوروي الحالي عزيز أبل. كان ناشطاً سياسيّاً بارزاً ومن رموز الحركة الدستورية. يبدو أن تاريخها يعود إلى ما بعد العام 2002. كان أبل في المقدّمة، يصعد المنصات، ويخطب في الناس ويزور المجالس. التقيتُهُ أول مرةٍ وجهاً لوجهٍ في أحد بيوتات سار، وشعرت بأنه محبوبٌ جدّاً... حتى وصل البرلمان أخيراً بالتحالف مع الوفاق.

بالنسبة إلى أبناء جيلي الذي يقترب من نهاية الأربعين، كانت الصور تبعث في نفوسنا حنيناً للماضي، فهي تذكّرنا بأيام الطفولة والبراءة والصبا. أما بالنسبة إلى جيل أبنائنا، فتبعث أشكال الشعر المرسل بمختلف الأشكال والأطوال، على الابتسام والتعليق الحر على هذه التحف والملابس الأثرية التي كانت سيدة الموضة في ذاك الزمان

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3359 - الخميس 17 نوفمبر 2011م الموافق 21 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 6:47 ص

      ويبقى

      ويبقى الماتم شعلة يبدد كل معاني اليأس والاستسلام لكل المستضعين منارة شامخة أمام كل طغاة الآرض مقصد لكل من أراد أن يتقرب الى الله سبحانه وتعالى بادنى او اقصى - فائمة أهل البيت(ع) كلهم سفن نجاة ولكن كما يعرف الجميع أن سفينة الأمام الحسين(ع) أكبر !!!!.

    • زائر 6 | 2:44 ص

      شكرا لكم

      شكرا لهؤلاء الشبال الطيبين، وشكرا لك سيد لانك تحاول ان تضيء بعض الزوايا في حياتنا التي تسود فيها الظلمة والظلام.وانا متاكد ان هناك كثير من هذه الفعالية المشرقة في كل منطقة أو يجب ان يكون كذلك.

    • زائر 4 | 2:27 ص

      حقيقة المآتم

      الماتم ليس مكانا للعزاء، بل هو مجتمع كامل وحضن للثقافة والتعليم الديني والتثقيف والتوعية.

    • زائر 3 | 1:12 ص

      حفظ التاريخ

      جميل ان تحفظ الذكريات في كتب موثقة ومن مصادر معاصرة مسجلة بالصوت والصورة، من دون زيادة أو نقصان، اشهد بان أي مأتم الذي يبتعد عن التجاذبات المناطقية يكون منتجا ولو على أبسط امور التماسك الاجتماعي، وتدريجيا يدفع في الشباب الى العلم والعمل الذي هو التحدي الكيبر لمستقبل، وأتمنى ان يبتعد المأتم عن أي تجاذب اجتماعي أو مناطقي، بل يكون يتقدم او يتأخر لحساب الصالح العام، وهذا ما تفتقدة امم موجودة حولنا دون أن يكون لها دور في أي شي للمستقبل ، همها استخدام المذاهب سباقا لأطماع لغير الصالح العام

    • زائر 2 | 12:57 ص

      التأريخ يذكور الأصول ويذهب زيف من يقول بأن هذه الجماعات تبحرنت في خمسينات القرن الماضي..

      نظّم المأتم معرضاً للصور القديمة، من معالم ووجوه المنطقة التي كانت عاصمةً للبحرين قبل ثلاثة قرون.

    • زائر 1 | 12:41 ص

      تحياتي سيدنا

      الذكريات هي شي من تاريخ الانسان والذكرى والتذكر هي للوعظ والاتعاظ البعض يقول لماذا تحيون وتذكرون الحسين كل عام نقول هذا المنهج هو منهج رباني موجود في القران ففي الايات ترى واذكر في الكتاب

اقرأ ايضاً