قد يبدو رابط بين موسيقى الروك والإسلام أمراً قابلاً للفضول. ولكن بالنسبة للسكان ذوي الغالبية المسلمة في مدينة سراييفو، ليست هذه العلاقة جديدة أو غريبة، فقد مارسها السكان المحليون منذ عقود كثيرة. وقد جرى عرض إعادة إحياء هذا الرابط حديثا من خلال كتاب «The Taquacores» الذي أصبح منذ ذلك التاريخ اسماً لحركة موسيقى البانك التي تستمد إلهامها من الإسلام والثقافة الإسلامية.
أصبحت مدينة سراييفو أثناء الحقبة الشيوعية، عندما كانت البوسنة جزءاً من يوغسلافيا، مركزاً للثقافة الشعبية والثقافات الفرعية المختلفة. ومنذ تلك الحقبة، وابتداءً من ثمانينيات القرن الماضي برز نوع من فرق الروك ضمن أسلوب Taquacore استمدت إلهامها من الروك البديل وموسيقى النيو ويف وركزت عليها. اسم الفرقة هو Zobranjeno Pusenje، وتعني بالإنجليزية «ممنوع التدخين».
كانت الفرقة المكونة من موسيقيين مسيحيين وكاثوليك ومسلمين، رغم أنهم يصرون على أنهم فقط «بوسنيون»، كانت معروفة في البداية لاستخدامها النقد الساخر والمحاكاة التهكمية في موسيقاها. والواقع أنه حتى أثناء نهاية الحقبة الشيوعية والحصار العسكري على سراييفو والحرب في البوسنة في تسعينيات القرن الماضي، كانت الفرقة تعمل وبشكل متواصل ومستمر على إيجاد التعبير الساخر من الأوضاع اليومية في الدولة ومنطقة البلقان الأوسع من خلال موسيقاهم.
وقد تعاونوا ولسنوات كثيرة وبنجاح مع الفرقة المسلمة النسائية الدينية المسماة Arabeste، التي تجتمع في مسجد زغرب، عاصمة كرواتيا، وكذلك مع مجموعة غنائية مسلمة أخرى من مدرسة سراييفو الثانوية للدراسات الإسلامية.
ومن بين أغانيهم الأكثر شيوعاً، «هذه السماء فوقنا» وهي خليط من ألحان الروك والأغاني الإسلامية الروحية في البوسنة والمعروفة باسم «Ilahi» أو «الإلهية». وهو أسلوب موسيقي تتأصل فيه الصوفية نشأ في تركيا.
تتسامى الأغنية على العرقية والإقناع الديني والذوق الموسيقي، بل ويجمع لحنها الموسيقي معاً أناساً يدّعون بأنهم لا يريدون أن يكون لهم شيء مشترك مع أعضاء من جماعات عرقية أو دينية أخرى: وطنيين متشددين وكاثوليك محافظين ومسلمين ومسيحيين أرثوذكسيين وملحدين وأناس لا يتبعون ديانة. وتقول إحدى فقرات الأغنية: «هذه السماء التي فوقنا هي ظل الستار، وهناك سبع سموات، وجميعها في وسط صدرنا». وحول إشارة محتملة للسموات السبع السائدة في علم الكونيات اليهودي والمسيحي والإسلامي.
يزور الناس الذين يثيرون بعضهم عادة إما على منتديات الإنترنت أو على الفيسبوك، يزورون اليوتيوب لينصتوا لهذه الأغنية، وقد ترك الكثيرون منهم تعليقات دعماً للجماعة. وبغض النظر عما إذا كانت جاذبيتها تنبع من كلماتها الفريدة أو التوحّد القوي للأصوات النسائية أو اللحن، فهذا أمر غير أكيد. لم يستطع أحد أن يشرح بشكل دقيق ما الذي يحبه في الأغنية.ولكن الأغنية اجتذبت أناساً من عبر البلقان، بمن فيهم أناس لم يزوروا سراييفو منذ تسعينات القرن الماضي بسبب بقايا الحرب.
عند قراءة تعليقات حول هذه الأغنية نشرت على مختلف منتديات الإنترنت تصبح قوتها واضحة.بغض النظر عما إذا كان صربي فخور يشعر بالعداء تجاه المسلمين البوسنيين، أو مسلم ورع لا يستمع في العادة إلى موسيقى الروك والبانك، أو عديم الدين الذي لا يثق بالديانات، تمكنت هذه الأغنية من التأثير على كل إنسان بطريقة مختلفة، وبالتالي إذابة التحاملات التي يحملها تجاه هؤلاء الذين يختلفون عنه.
ليس تقريب الناس من بعضهم بعضاً مجرد ظاهرة على الإنترنت، فخارج اليوتيوب ومنتديات الإنترنت والفيسبوك، بدأت هذه الجماعات تتجمّع معاً لحفلات موسيقية، وألهمت مشاعر الوحدة والتضامن في أي وقت تغنّى فيه هذه الأغنية في حفل موسيقي حي.
يمكن لموسيقى الروك، عند دمجها مع الإسلام، كما تظهر ردة الفعل من أغنية Zabranjeno Pusenje «السماء فوقنا»، أن تتسامى على الخلافات
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3358 - الأربعاء 16 نوفمبر 2011م الموافق 20 ذي الحجة 1432هـ