في مراحل الغياب والفراغ السياسي، وفي فترات الجشع وزيادة التغوّل والانحطاط الإعلامي، وانخفاض منسوب الحريات العامة... يلجأ الناس إلى التاريخ.
ومن أروع ما تجدونه في صفحات التاريخ وثيقةٌ سياسيةٌ عمرها ألف وثلاثمئة واثنان وتسعون عاماً، كتبها الإمام علي (ع) إلى واليه الجديد على مصر. وهي تمثل عقداً اجتماعياً، يتضمن تعاليم وتوصيات عن الإدارة والحكم، فيوصيه باختيار عماله وموظفيه «اختباراً»، وألا يولّيهم «محاباةً وأثرة»، فهذان هما «جماعٌ من شُعَبِ الجور والخيانة». وأن يختار «أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة... فهم أكرم أخلاقاً، وأصح أعراضاً، وأقل في المطامع إشرافاً»، فالبيئة التربوية الصالحة تقي من العثرات الأخلاقية والانحرافات المالية.
وينبّه الإمام (ع) واليه لعدم الركون إلى حسن الاختيار فقط، بل عليه أن يتفقد أعمال موظفيه ويخضعهم للرقابة، ويبعث عليهم العيون من أصحاب الصدق والوفاء، ليضمن التزامهم بالأمانة والرفق بالشعب. فإذا تأكّد من خيانة أحدهم وجب عليه العقاب، وأن ينصبه بمقام المذلة ويسمه بالخيانة ويقلده عار التهمة. أما أن ينحّيه أو يتستر عليه أو يكافئه سراً، فهذا هو أحد أسباب انتشار الفساد المالي والإداري بهذا الشكل المهول في مختلف البلدان.
في تلك الحقبة المبكرة من فجر الإسلام، يتحدث عليٌّ (ع) عن أهمية الضرائب لموارد الدولة، فـ «الناس كلهم عيالٌ على الخراج»، ومع ذلك يقول: «ليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً». ويوصيه بتخفيف الضرائب إذا شكا الناس ثقلاً أو علةً أو انقطاعَ شربٍ أو أصاب الأرض غرقٌ أو عطش. ويذكّره بأن ذلك «ذخرٌ يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك».
في نظرته إلى العمران، يقرّر عليٌّ حقيقة من حقائق التجمعات الحضرية: «إنّما يُؤتَى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنّما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة انتفاعهم بالعبر». نظرية من درس أحوال الشعوب، وتتبع مسار الحضارات واستقرأ آثارها.
ويضع معايير لاختيار الموظفين، لا تعتمد على الاستنامة لحسن الظن فعادة ما يجيد هؤلاء التملق والتزلف لإرضاء الوالي، وإنما عليه أن يختبر سيرتهم الذاتية، فيعمد «لأحسنهم كان في العامة أثراً، وأعرفهم بالأمانة وجهاً».
ويوصي بالتجار خيراً، المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه، فهم يقطعون البر والبحر، والسهل والجبل، ويوفّرون المنافع والبضائع للناس من المطارح البعيدة. ويضيف: «فإنهم سلمٌ لا تخاف بائقته، وصلحٌ لا تخشى غائلته»، فهم مأمونو الجانب سياسياً. أما اقتصادياً، فيشير إلى ثغراتٍ لديهم، فإن «في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً، واحتكاراً للمنافع، وتحكماً في البياعات، وذلك باب مضرة للعامة وعيب على الولاة». ويأمره بمنع الاحتكار، فرسول الله (ص) منع منه، وليكن البيع بيعاً سمحاً، وبأسعارٍ لا تجحف البائع والمبتاع، «فمن قارف حكرةً بعد نهيك إياه فنكّل به، وعاقب في غير إسراف».
ويعود ليكرر وصيته بالطبقة الفقيرة... «الله الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم. خصّص لهم قسماً من «غلات صوافي الإسلام». ويأمر بالاهتمام بمن لا صوت لهم، من أيتام وكبار سن، ممن تقتحمهم العيون
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 3357 - الثلثاء 15 نوفمبر 2011م الموافق 19 ذي الحجة 1432هـ
حبيبي الامام علي ع
والله رائع :)
علي وما ادراك ما علي لو طبّق 20% مما ورد في هذه الوثيقة لكنا بخير
هذه الوثيقة قمة في رقي التعامل بين الحاكم والمحكوم ولو أننا حاولنا الأخذ ولو القليل منها
لكنا في خير
كلام من نور ولكن لن ينتفع به من لا يقرأه ومن يقرأه ولا يفهمه ومن يفهمه ولا يطبقه
العلّة في التطبيق هذه هي علة العلل حتى في قوانينا الكثير من الاشياء الايجابية ولكن تطبيقها على ارض الواقع هو مربط الفرس
من الدستور الى آخر القوانين كلها تتحدث عن كرامة بني الانسان وحقوق المواطنين ولكن اذا جئنا لنرى
تطبيقها على ارض الواقع نجد العكس
علي
ماذا عسى أن تسطر الأقلام في رجل كعلي، علي إمام المتقين الذي قال لاتستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه، وطبق عملاً ما قاله فكان جزاؤه أن حاربه المفسدون ماليا وإدارياً لأنه لم يخف في الله لومة لائم ولم يحابيهمـ، الحمدلله على كمال الدين وتمام النعمة بولاية علي بن أبي طالب (ع).
علي و ما ادراك ما علي
الإمام علي عليه السلام منهجه و كلامه يصلح لكل مكان و زمان.
هو كذلك ابو الحسن(ع)
وهو القائل من ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق