العدد 3356 - الإثنين 14 نوفمبر 2011م الموافق 18 ذي الحجة 1432هـ

خصيٌ يقتل السيّد

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لقد أضحت هرمز في النصف الثاني من القرن الخامس عشر للميلاد أهم ركن في المنظومة الاقتصادية الخليجية إن لم تكن هي أساسها التجاري المحلي والدولي بما أحاط بها من أساطير الثراء الفاحش والنعمة الوافرة التي هبطت عليها بسبب سيطرتها على طريق التجارة الدولية عبر الخليج العربي بل وتوسعها تجاريّاً إلى سواحل إفريقيا والهند، ناهيك عن تلك الموانئ التي يزورها أسطولها التجاري في مسار الرياح الموسمية إلى جنوب شرقي آسيا، وكذلك إلى البصرة مرتبطاً بطريق القوافل البري المتصل بالبحر المتوسط. وقد أجاد الهرامزة التفاعل مع الأسواق التجارية العالمية قديمها وجديدها، حتى أمسوا هم اللاعبين الوحيدين بجدارة وسرقوا الأضواء من كل أبطال التجارة البرية والبحرية في شبه الجزيرة العربية التقليديين أو أبطال جزر الخليج الأخرى مثل قيس والبحرين.

إلا أنه مع وصول (فخرالدين توران شاه الثاني)إلى السلطة في هرمز ومكوثه على العرش لمدة طويلة جعل المملكة تترهل، فحدثت حروب أهلية بعد فترة من الفوضى أظهرت مزاعم منافسين جدد بمن فيهم أبناء (فخرالدين) وجميع المطالبين بالعرش. وتفجر كذلك الصراع القومي بين العرب والفرس ضمن حدود المملكة الهرمزية والتي كان غالب سكانها من عرب الساحل العربي على ضفتي الخليج كما كانت أهم ثروات المملكة تأتي من تلك السواحل أيضاً. وعلى رغم أن فخرالدين حاول أن يوازن بين القوميتين في مملكته حتى أنه جعل للغتين العربية والفارسية ثقلاً متوازياً في القصر الملكي؛ فإن الثقافة الفارسية بقيت هي السائدة ونلاحظ ذلك من الأسماء الهرمزية، مثل: خنجي، تارومي، فالي، شابانكاري، أبزاري، كازيروني، وغيرهم.

وكما هو متوقع في ذاك الزمن بمملكة غنية جدّاً كهرمز؛ اندلعت حرب أهلية تراجيدية بدموية شديدة في عاصمة المملكة وهي جزيرة هرمز نفسها فيما بين أبناء الملك (فخرالدين توران شاه الثاني) بعد وفاته وهم (مقصود، شهاب الدين، سلغور، شاه ويس)، وأدت إلى الآتي:

- تسلم مقصود العرش بعد والده، فثار عليه بعد فترة وجيزة أخوه شهاب الدين.

- استولى شهاب الدين على العرش وطرد شقيقه مقصود بالقوة فغضب منه إخوته.

إذن وسط تلك الفوضى السياسية؛ ظهرت شخصية هرمزية أخرى هي (شهاب الدين) الذي استولى على السلطة العام 1471م بعد صراع بين الإخوة إثر وفاة والدهم فخر الدين. لكن حتى هذا الملك لم يستطع السيطرة على جميع مفاصل المملكة الغنية مع وجود إخوته الآخرين المطالبين بالعرش، لذلك نشبت حرب أهلية جديدة شارك فيها هذه المرة قادة الجيش الساخطون على شهاب الدين لتفرده بالسلطة دونهم وقسوته في معاملة من حوله، بالإضافة إلى أمراء منطقة (لار) القريبة من هرمز في البر الإيراني.

وقد تميزت الحياة في هرمز كباقي ممالك الشرق بتأصل الصراعات بين القصر الملكي والارستقراطية العقارية، ولهذا السبب، وعلى غرار ما كان يفعله أمراء الهند المسلمون، كان ملوك هرمز لا يثقون بمن حولهم من أفراد الشعب فلجأوا لشراء العبيد (الغلمان) وذلك لتأسيس جيش من المرتزقة خاصٍّ بهم. وغالباً ما يكون هؤلاء (خصياناً) من منطقة البنغال الهندية التي اشتهرت منذ القدم، على مستوى عال، بتصدير هذه النوعية من البشر المتوحشين وذوي القلوب الغليظة، وكذلك من بلاد الحبشة ومن بعض الأفارقة آكلي لحوم البشر.

وبسبب أحد هؤلاء وقعت الحادثة الآتية. ففي ليلة غائمة في سماء هرمز قرر الوزير المفترض أن يكون أقرب شخص للملك وحاميه وكاتم أسراره، أن يكتم أنفاس الملك بدلاً من كتم أسراره. فاجتمع وزير (الشاه شهاب الدين) مع بعض المناوئين للملك من البيت الهرمزي ذاته، وتحديداً شقيقه ويس (Vys)، وقرروا التخلص من (شهاب الدين). لكنهم تخوفوا من حرس الشاه ومن صعوبة الدخول لمخدعه ومفاجأته ليلاً وهو نائم. وبعد تفكير ملي لم يجدوا أفضل من الاستعانة بحرس الملك الخاص كي يخون ولي نعمته ومربيه لتنفيذ مؤامرتهم. فضخوا بعض الأموال والأماني والوعود، وإن كانت كاذبة، لأحد أقرب حراس الملك شخصيّاً داخل القصر. وكان بطل تلك المؤامرة الليلية خصيٌّ من خدم القصر وكان عبداً حبشيّاً اشتراه الملك من خزينة المملكة الهرمزية ضمن بعض المرتزقة للعمل ضمن الحرس الشخصي للشاه في القصر. وبعد مزايدات بين العبد الخصي وأركان المؤامرة تم الاتفاق على مبلغ ونوع الدفع مقدماً ولاحقاً. وفي تلك الليلة الغائمة، تسلل ذاك العبد الخصي إلى مخدع سيده الملك (شهاب الدين) في القصر الهرمزي وبطعنة واحدة أعقبها بأخريات للتأكيد والحيطة، تم اغتيال الملك خلسة وهو نائم العام 1475. بهذا تم إنهاء حياة (شهاب الدين)وتولى أخوه، (شاه ويس) لا غيره، مكانه وتربع على كرسي المملكة الغنية فرحاً بمقتل شقيقه لا عدوه. ولكن كما تدين تدان، فهذا الأخ القاتل والجالس على كرسي العرش الملطخ بدم أخيه على يد خصي من القصر، هو نفسه من انتقم منه شقيقه الآخر المدعو (سلغور)، في حكاية لها وقت آخر، وانتهت حياته بأن فُقئت عيناه ورمي في غرفة وحيداً يصرخ ليل ونهار «وجنت على نفسها براقش». ومن لا يصدِّق فليسأل براقش؟

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3356 - الإثنين 14 نوفمبر 2011م الموافق 18 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • الفاروق | 1:10 ص

      شهاب الدين اطقع من اخاه

      مصائبنا لا تأتى الا من المؤامرات الداخلية و الخلايا النائمة , فعلها من قبل ابن العلقمى و الان تتغير الاسماء و الدور واحد .....وكما قيل فى الامثال " شهاب الدين اطقع من اخاه "

اقرأ ايضاً