زارَ وفدٌ من الثوار الليبيين العاصمة القطرية (الدوحة) قبل أسبوع. وجهُ الغرابة ليس في الزيارة، وإنما في إحدى صورها. فقد لاحظ الصحافيون، أن آمر كتيبة «شهداء سوق الجمعة» طه المصراتي، كان يرتدي حذاء الزعيم الليبي المقتول معمَّر القذافي، الذي «سُلِبَ» منه عند لحظة أسْرِه في ضواحي مدينة سِرت في العشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي من قِبَل ثوار مصراتة.
وعندما أبدى الصحافيُّون حَمْلقة في الموقف، تقدَّم ثائر ليبي آخر هو أبوالقاسم منتصر وقال، إنه يحتفظ في مقر كتيبته بـ «باروكة» صفيَّة فركاش (أرملة القذافي) بعدما «سُلِبَت» من إحدى غرف باب العزيزية. تقدَّم ثائر مصراتي ثالث هو إبراهيم بلاعو، فأفصَح عن أنه يحتفظ في مقر كتيبته بـ ببغاء المعتصم (نجل القذافي)، قائلاً إن هذا الببغاء شريرٌ مثل صاحبه المعتصم.
ذكرني هذا بثقافة السَّلب التي دَرَجَ عليها العرب في حروب الجاهلية القاسية، حين كانوا يُغِيرون على مضارب بعضهم من دون رحمة، ولسان حالهم يقول فلم نَفْتأْ كذلك كلَّ يومٍ، لِشَأْفَةِ واغِرٍ، مُسْتَأْصِلِينا كما قال الكميت. وإذا كان الكلأ والماء هما سبب حروب الأقدمين، فإنه ذاته ما يقع اليوم وإن بتسميات مختلفة. فلولا ثلاث لم يقع حَيْفٌ ولم يُشهَر سَيْف: لقمة أسْوَغ من لقمة، ووجْهٌ أصْبَح من وجه، وسِلكٌ أنعَم من سِلك كما قال ابن السَّماك.
أقسى ما يُؤلِم القلب في الحدث الليبي هو أن يتساوى «الأشرار» و «الخيِّرون» في الفعل. فلو أن نظام القذافي فعَلَ ذلك (وقد فعَلَ) لكان الحال طبيعياً كون الرجل مُوغِلاً في الإثم والجريمة. أما أن يأتي رجالٌ قدموا تضحيات، ورفعوا راية التغيير نحو الديمقراطية بهذه الأفعال فهو انتكاسة أخلاقية مُريعة، لا أرى لها مخرجاً يُمكن أن يتساوق مع ما يطرحه هؤلاء من دولة مدنية قائمة على العدل والمساواة وإنصاف الناس، والكف عن الانتقام وبناء دولة المؤسسات.
إذا كان المجلس الوطني الانتقالي الليبي قد استنكر قتل القذافي بتلك الطريقة «الهمجيّة»، وتوعَّد بمحاسبة المتسببين فيها، كونها حادثة شوَّهت صورة انتفاضة 17 فبراير/ شباط الليبية، فعليه الآن أن يُمسك بتداعيات تلك الحادثة، أو بمرادفاتها كالتي شاهدناه من أفعال بعض الثوار، عندما أجهزوا على 267 شخصاً من أنصار القذافي كيفما اتفق، ثم قبِرُوا جماعياً، أو للذين يحتفظون بملابس القذافي وأهله، وكأننا في يوم سفوان بين بني مازن وبني شيبان.
عندما كنت أقرأ تصريحات المفكر والكاتب الليبي المرموق عطية الأوجلي، والذي أسنَدَ المجلس الوطني الانتقالي له حقيبة الثقافة من أن ليبيا ستكون لأهلها ومن ضمنهم اليهود، أشفقت على الرجل وتعاطفت معه كثيراً كونه مثقفاً من العيار الثقيل، ولديه طموح كبير في جعل ليبيا بلداً متقدماً على مستوى الحريات والتنوع الثقافي، إلاَّ أن المستقبل لا يبدو أنه يسير لصالحه، في ظل وجود هذه المجاميع المسلحة غير المنضبطة سياسياً.
بل إنه وعندما سئِلَ (السيد الأوجلي) عن احتلال فضائية ليبيا الحرة لمبنى المجلس العام للثقافة قال: «علينا في هذه المرحلة، تصعيد الضغط على هذه الجهات التي قامت باحتلال المباني، واستعمالها عبر الاعتصام السلمي، والحملات الإعلامية». الرجل قال كلامه «المسالم» وبجانبه كتيبة عسكرية كاملة من مدينة بنغازي جاءت لتفريق الاعتصام الذي دعا إليه «الوزير» الطَّموح!.
هنا، يتذكر الواحد منا ما كان يقوله علي بن أبي طالب في لوْمِ أهل الكوفة عندما قال: «لقد نهضتُ فيها وما بلغت العشرين، ثم ها أنا ذا قد ذرفت على الستين، لكن لا أمر لِمَن لا يُطاع». فلا الأوجلي ولا غيره لديهم قدرة على قول شيء (هكذا يبدو) في ظلِّ وجود هذا الهوس نحو فوضى الأخلاق والسلوك لدى المتهوريين، الذين أهنأ الظفر (لديهم) كثرة الأسرى، وخير الغنيمة المال كما قال أكثم بن صيفي. فلا يستقيم المنطق والجنون، ولا الحلال والحرام ولا الحرية ونقضيها.
عندما أقرأ الواقع الليبي اليوم أصاب باليأس. فالتغيير الذي أمِلناه بعد الطغيان الذي تبطَّل فيه القذافي، قد تم تضْمِيخه بالإسراف في الدَّم أولاً، ثم بِرَكْز الرماح العوالي، وتسمية الساعات والأمكنة بها؛ في زلتين والبريقة وبنغازي وغيرها، وكأننا نستحضر أيام العرب القديمة كيوم البردان، ومقتل حجر، وعين أباغ، وذي أراط، وثنية الجبلين، مقتل عمرو بن هند، وقيسبة أو حرب البسوس. هذا مَلمَح خطير جداً، يُهدد مستقبل ليبيا، ويضعها على قاطرة قاتمة ومجهولة السِّكة.
اليوم، المجلس الوطني الانتقالي الليبي عليه مسئولية إعادة مشروع الدولة الليبية ما بعد القذافي إلى أصول دوافع الانتفاضة الفبرايرية التي انطلقت من بنغازي باعتصام للمحامين، وأن يَضبط حركة المشاعر العامة التي كانت متفقة على قتال القذافي، ثم اختلفت مع بعضها بعد قتله. فليبيا بلدٌ بكر، أفقرته جمهورية العقيد البالية مدنياً وسياسياً وثقافياً، وهو بلدٌ مهيأ بنهم لتعويض ذلك الاستلاب، بالولوج إلى المدنية والحداثة من أوسع أبوابها. وخصوصاً أن مِخرَزها يطلّ على ليبيا من كُوَّة مدينة سرت عبر جزيرة كريت حتى إيطاليا.
تونس لصيقة لليبيا جغرافياً. وعلى رغم أن نظامها أيام بن علي كان ديكتاتورياً، إلاَّ أنه استطاع أن يُحدِّث المجتمع التونسي مدنياً من خلال جواره مع أوروبا. واليوم ليبيا وهي تتطلع إلى حكم ديمقراطي رشيد، بالإضافة إلى كونها قريبة من القارة الأوروبية فهي مُرشَّحة لأن تتكامل مع تطور الجوار، وتتأثر سياسياً واقتصادياً وثقافياً به، وبالتالي فإن الإبقاء على ممارسات عنفية، نقيضة مع الحقوق العامة والشخصية لن يساعد في أن تصل ليبيا إلى ما ترنو إليه
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3353 - الجمعة 11 نوفمبر 2011م الموافق 15 ذي الحجة 1432هـ
العلمانية والمدنية
قبل يومين نشب قتال عنيف بين ثوار الزاوية وثوار المايا وهو ما يعني صراع جديد يؤكد ان الدولة الليبية الجديدة يجب ان تنقذها العلمانية والمدنية من براثن التشدد الديني
الغريزة
مسالة النهب مرتبطة في الحقيقة برغبة في غريزة الحيوانات المفترسة ولكن البشر باتوا يتقمصونها
الله يعطيك طوله العمر وتشوف
ناس بتلبس بدل اكمامها اطوال وايد وبناطيل من طولها تتصورها انها لاحد فراعنه مصر القدامى واجود انواع القاط بتشوف واحد من احفاد بلقيس اللي كانو معدمين يخزنها في حلقه وفي حزامه جنبيه كان يحلم حتى ينظر اليها ذهب في ذهب وفي الدرب يايتك بشوت مواتر حناطير ويمكن اهرامات صغيره وبيبان الزمن ماينساها مثل بيبان الحميديه صفقه من باب توما يالله البلاغ بس وتشوف اسوق الانتيك فيها مفرص قدم ياما بتلعب السماسره في اغراض السلاطين