لقد منَّ الله على الإنسان بالكرامة وفضله على سائر المخلوقات، وأجمعت الشرائع السماوية على احترام كرامة الإنسان وصيانتها فقد قال تعالى «لقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» (الإسراء: 70)، وعن الرسول الكريم (ص) «الإنسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيان الله».
ويعد التعذيب اكثر ممارسة تؤدي إلى امتهان كرامة الإنسان، وإهدار آدميته ومع أن التعذيب مؤثم في الدساتير والمواثيق الدولية إلا أن التعذيب كان حاضرا منذ بدء الخليقة وبات قضية معاصرة ومنتشرة في أقسام ومراكز الشرطة وبالسجون بلا رادع على وجه الخصوص تجاه المعارضين والنشطاء السياسيين فقد جاء في المادة (19) الفقرة (د) من دستور مملكة البحرين «لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي أو للإغراء أو للمعاملة الحاطة بالكرامة ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك. كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو بالإغراء أو لتلك المعاملة أو التهديد بأي منها «وجاء في المادة (20) الفقرة (د) من الدستور «يحظر إيذاء المتهم جسديا ومعنويا».
وقد اعتنى المجتمع الدولي بحقوق الإنسان فقد جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة الخامسة منه أنه «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة».
ونصت المادة الرابعة من اتفاقية مناهضة التعذيب على أن «تضمن كل دولة طرف أن تكون جميع أعمال التعذيب جرائم بموجب قانونها الجنائي، وينطبق الأمر ذاته على قيام أي شخص بأية محاولة لممارسة التعذيب وعلى قيامه بأي عمل آخر يشكل تواطؤا ومشاركة في التعذيب».
نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته السابعة على «عدم جواز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية».
وقد عرفت اتفاقية مناهضة التعذيب للعام 1984 التعذيب بأنه «أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه، هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث. أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيا كان نوعه، أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها».
إن انضمام الدولة للصكوك الدولية يفرض عليها التزاما دوليا باحترام النصوص الواردة فيها باعتبارها جزءا من المنظومة الدولية فضلا عن التزامها بموجب الدستور والقوانين المحلية، عليه فإن ممارسة التعذيب يعد خرقا واضحا لما تضمنته مع التأكيد أن النصوص الدستورية أو الدولية لا تعد ذات قيمة دستورية أو حقوقية إذا لم تكن مرتبطة برغبة حقيقية في احترام هذه النصوص والالتزام بها وأن تكون مؤيدة بالعمل أما إذا انتفى ذلك فإن المناخ يصبح مهيئا لإهدار الحقوق.
وقد عني علماء العقاب بتحديد هدف العقوبة السالبة للحرية وفي مقدمتها إعادة تأهيل المحكوم عليهم فالسجن هو عقوبة جزائية يقصد بها الإصلاح وإعادة المتهم إلى جادة الصواب ودمجه في المجتمع وقد عرفه أحد كبار الفلاسفة الفرنسيين ميشيل فوكو وهو ممن اهتم بمعالجة مواضيع الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون السجن بأنه «مؤسسة تهذيبية سامية» وعرفه بيفار (وهو أحد الأبطال القوميين في إسبانيا وعمل قاضيا في بلاط الفونسو السادس) «السجن مؤسسة زجرية ووقائية تقوم بمهمة عزل الأشرار عن الأخيار لضمان حماية هؤلاء ووقايتهم». فإذا تعرض السجناء إلى التعذيب فلن يتحقق هدف المؤسسة العقابية من الإصلاح بل ستساهم في إنتاج العنف والإجرام فالسجن بدل أن يطلق سراح أشخاص مصلحين سيطلق سراح أفراد انفسهم معذبة فالإحساس بالظلم الذي يستشعره السجين هو أحد الأسباب التي يمكن أن تجعل شخصيته مستعصية عندما يرى نفسه معرضا لآلام لم يفرضها القانون ولم ينص عليها في النظام العقابي،فظروف العود قد تهيأت إذاً في مؤسسة العقاب، بما مؤداه أن التعذيب أهدر الغاية التي من أجلها تقرر فيها حبس المتهم.
بتاريخ 26 يونيو/ حزيران 2001 أعلن عاهل البلاد في الكلمة التي ألقاها بمناسبة الاحتفال بيوم الأمم المتحدة الدولي لمساندة ضحايا التعذيب أن «التعذيب جريمة جسيمة يحرمها القانون البحريني وتنبذها تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف وتستنكرها تقاليدنا ومورثاتنا الحضارية».
إن الدولة الديمقراطية هي التي تحترم فيها حقوق الإنسان وحرياته دون اللجوء إلى ممارسات تنتهك آدميتهم وتلتزم بتطبيق المبادئ والقوانين التي تحكم المؤسسة العقابية والقوانين التي تلاحق من يمارس جريمة التعذيب، كما جاء في المادة ( 208) من قانون العقوبات والتي نصت على أن «يعاقب بالسجن كل موظف عام استعمل التعذيب أو القوة أو التهديد بنفسه أو بواسطة غيره مع متهم أو شاهد أو خبير لحمله على الاعتراف بجريمة أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات في شأنها وتكون العقوبة السجن المؤبد إذا أفضى استعمال التعذيب أو القوة إلى الموت».
خلاصة القول إن الالتزام بكل ما سلف هو التزام بما جاء في الدستور والقوانين المحلية واحترام ما جاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب للعام 1984 وجميع المواثيق الدولية التي ترعى حقوق الإنسان، وإقرار آلية وطنية للرقابة والوقاية من الوقوع في أعمال التعذيب وسن التشريعيات لمواجهة ظاهرة التعذيب وتقديم من ثبت تورطهم في التعذيب للعدالة فضلا عن مراعاة الضمانات القانونية الكفيلة بحماية حق المحتجزين في السلامة البدنية والنفسية والعقلية الواردة في المواثيق والاتفاقيات والإعلانات والتوصيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان
إقرأ أيضا لـ "ريما شعلان"العدد 3353 - الجمعة 11 نوفمبر 2011م الموافق 15 ذي الحجة 1432هـ
د000
مضبوط
حصلت واقعة تعذيب في الكويت الشقيقة
حصلت واقعة تعذيب في دولة الكويت الشقيقة على مواطن كويتي متهم بتهريب خمور وقام (المتهم) بمقاومة رجال الأمن فطعن أحد الضباط.
وترتب على ذلك:
1)احالة جميع من ارتكب وساهم في جريمة التعزيب إلى المحاكمة الجنائية.
2) إحالة موظفين عامين إلى المحاكمة الجنائية علِمو ا بسبب ويظيفتهم ولم يتخذوا الإجراءات مثل مدير مركز الشرطة.
3) استقالة وزير الداخلية وقبلت تلك الاستقالة.
لابد من التعذيب !
مقالك الرائع يذكرني بأحد نواب البرلمان البحريني في إحدى البرامج في تلفزيون البحرين يبرر التعذيب لإنتزاع الإعترافات ويضيف هل المحققون يعلمون الغيب ؟ لابد من التعذيب لإنتزاع الإعترافات !!
الى هذه الدرجة !
التعذيب والمعذبين
التعذيب فعل قذر يخرج عن اطار حتى الحيوانية ، ولا يمكن تصنيفه الا ضمن الشيطانية التي يتلبسها بعض من ينتسبون لبني البشر ،
اعتقد ان المعذبين يجب ان تعاقبهم بالقائهم في مادة محللة من اجل انهاءهم فهم وباء لا يمكن ان يبقى
مقال في الصميم ولكن
كلامك اوجز وأبلغ ومقال في الصميم ولكن للاسف ان اكثر الناس ممارسة للتعذيب هم المسلمون والذين يدعون انهم ينتمون للأديان السمحة من مسيحية واسلام وغير ذلك