العدد 3352 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ

مقارعة الظلم والفساد والسرقة من البديهيات

أحمد العنيسي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هناك قيم فطرية ومبادئ وأخلاق افتطنها الإنسان من الحياة سواء كان متعلما أو غير ذلك، أو كان مسلما أو مسيحيا أو كافرا، فالإنسان يكتسبها عمليا بالفطرة، فعلى سبيل المثال نرى عند كل هؤلاء، أن السرقة فعل سيئ والنفاق سلوك كريه، والظلم عمل مقيت والفساد عمل مشين ينخر المجتمع ويوسع دائرة المحرومين والتمييز عمل مقيت أيضا، كونه يمزق النسيج المجتمعي ويزرع الحقد والكراهية بين الناس. لذا لا يختلف اثنان مهما اقتضت مصلحتهم، على أن القبح قبيح والحسن حسن، إلا في بلدنا نلحظ أن هناك من المتمصلحين من يدعو للظلم ويحسن القبيح ويستقبح الحسن!

في علم الفلسفة تُعَرف القيم والمبادئ الحسنة، بِالحُسن العقلي والقيم الشنيعة بالقبح العقلي بغض النظر عن الشرع والدين الحنيف، والدليل على ذلك أنه حتى الذي لا دين له يستقبح الشر ويستحسن الأمور الحسنة. إن عقل الإنسان يستقبح أمورا كالتي ذكرناها أعلاه ويستحسن سلوكا كالذي سنسرده أدناه: فمثلا العدل من الأعمال المستحسنة للعقل، لأنه يشعر من يعمله بالراحة والطمأنينة فكما قيل عن العدل للشيخ ابن تيمية: أمور الحياة تستقيم في الدنيا مع العدل، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق، وقال أيضا رحمه الله: «إن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة» بين القوم المتنازعين. ولهذا يروى أن الله ينصر الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وان كانت مسلمة. وقيل أيضا «إن العدل أساس الحكم».

بالنسبة للصدق؛ يجعل الإنسان يستشعر بالراحة أثناء الكلام ويريح الضمير ويزيل الهموم، وبالعفو والتسامح تتآلف القلوب وتذهب الحزازة والبغضاء كما أن الله عز وجل يغفر لمن يعفوا في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (التغابن: 14). والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لهما فوائد كثيرة نذكر منها شد ظهر المسلمين والتجافي عن المنافقين، كما أنهما يحفظان العقيدة والدين، لتجعل كلمة الله هي العليا، وتحقيق الفلاح وصلاح الأمة، كما ذكر الله عز وجل في محكم كتابه العزيز «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ» (آل عمران: 104).

كذلك قسم الفلاسفة والمناطقة العقل بحسب ما يتعلق به الى قسمين: عقل نظري وعقل عملي، ويأخذ من العقل النظري ما يجب أن يعلم، ومن العقل العملي ما يجب أن يعمل، ومعنى ما يجب أن يعمل أي يستحق فاعله الثناء والمدح فهو حسن، وبعكسه ما لا يجب أن يعمل فهو الشيء السيئ والقبيح. ثم إن بعض الفلاسفة كابن سينا والخواجة الطوسي جعلوا حكم العقل بالحسن، والقبح داخل في الآراء المحدودة التي اتفق عليها العقلاء فيكون على هذا حكم عقلائي لا عقلي ويدخل في صناعة الجدل لا البرهان، لأن الآراء المحمودة تدخل فيها.

وهناك آخرون كالسبحاني من المتآخرين قال إن للعقل العملي كما للعقل النظري قضايا بديهية ترجع إليها القضايا النظرية، فكما أن امتناع اجتماع النقيضين أم القضايا البديهية في العقل النظري، كذلك قبول العدل أو الحسن، ورفض الظلم أو القبح قضية بديهية في العقل العملي وهي من المثل العليا المكتسبة عند الإنسان التي أودعها الله فيه، فيكون الحُكم فيها عقلياً لا عقلائياً.

مما تقدم لزم بنا الأمر، أن نقارع الظلم والفساد ونستقبحهما ونستحسن العدل والمساواة ونطالب بهما، فمثلا لا يجوز أن نجازي من يسرق المال العام، بدلا من أن نطالب بالقصاص منه، ولا نقبل بأن يعم التمييز أرجاء البلد من غير مواجهته أو وقفه لأنه من الأعمال القبيحة والمشينة التي لا يرتضيها دين ولا مذهب ولا عقل.

قبل الختام، نتوصل الى مفهوم بأن القبح مثل (الظلم - قطع الأرزاق - والسرقة والتمييز بشتى أنواعه ومصادرة الحريات واضطهاد الكرامة الإنسانية والفساد الأخلاقي) هي أفعال مشينة، بسببهم ننزلق الى كوارث ومآس لا حصر لها، لذلك نجد أن العقل لا يستسيغها، كما أن هذه المظالم تؤول الى حقد وكراهية بين فئة ظالمة وأخرى مظلومة، وبسببها ينشق ويفتت النسيج المجتمعي في البلد، وتنتشر الموبقات وتتجذر الرذائل والمحرمات، والقتل وسحق الحقوق الإلهية التي كفلتها الشرائع السماوية والقوانين الأرضية.

ختاما، من المفيد ومن مصلحة البلاد والعباد كما عرجنا عليها في مقال سابق بعنوان «مبادئ الإسلام تصون البلد وتحفظه من الغرق» أن يتم تعميم ونشر ثقافة ما يستحسنه العقل كالعدل والمساواة والأمر بالمعروف، ومقارعة كل ما يرفضه أو يقبحه العقل كانتهاك حقوق الإنسان والظلم والتمييز والوشاية والفساد

إقرأ أيضا لـ " أحمد العنيسي"

العدد 3352 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:30 ص

      سلمت استاذي .......

      ونفس ان دعتك الى المعاصي
      فعقها واتقى رب العباد
      اخلاق الانسان يا استاذ كلاطار للصوره فمن يرتضى القبح لنفسه وسوء الخلق فكانما بروز نفسه بما لا تستسيغ عامه الناس ويزيد البرواز الصوره جمالا اذا كان جميل ويمكن لو وضعت المونليزا ونظرتها الساحره في برواز قبيح لتبدل وجه تلك الصوره التي هبلت الناس قرون
      وصارت بومه الكل يدور وجه حتى لا تقع عينه عليها استاذي انت تسمع عن اخلاق شخص واطباعه وتحبه قبل لا تشوفه ومن هنا تكره شخص وما تريد اتشوفه او اتسلم عليه لان اخلاقه واطباعه شينه

اقرأ ايضاً