قبل أسبوع من الآن، تحدثتُ عن زوجة الأب، ووعدتُ القراء بأن أكمله بما يمنح الموضوع حقه. اليوم أدَّعي أنني سأفعل ذلك ما استطعت. وربما سأفعل ذلك، لكي لا يُبخس أحدٌ حقًا هو له. فالعنوان كالذي طرحْته، هو مرتبط أصلاً بحوادث أنبتت فكرته، لكن تلك الحوادث، بإمكانها أن تختلف، لتنبت أشياء أخرى غير الذي ذكرته، وهذا هو أساس الأشياء ومركزها.
عندما تحدثتُ عن زوجات الأب، كنتُ أنوي أن أطرح الوجه الآخر من الموضوع. فلا شَيْطنة لها ولا لدورها، وإنما هو التركيز على حوادث بعينها. صحيح أنها تتكرَّر أكثر من غيرها، لكن ذلك لا يعني أن خلافها غير موجود، وأنه غير ناصع بين كومة من الظلم. فإذا كان اللبن يخرج من بين فرث ودم، والجنين من بين أحشاء وأمعاء، فما بال أصحاب الضمائر الحيّة لا يخرجون من بين براثن الحيْف! إنه أمر طبيعي جدًا.
هل سمعتم بهذه المرأة المضحِّية؟ إنها باختصار حادثة تعود إلى ما قبل سبعين عامًا خلت. توفِّيت الأم وهي تلِدُ جنينها، وكان لها من الأولاد ثلاثة، وبنت واحدة. قرَّرت المرأة وزوجها أن يتطلقا من أجل أن تتفرَّغ هي للاعتناء بالأولاد. ربَّتهم كأمهم. ثم اجتهدت في تعليمهم القراءة، في ذلك الزمن الغابر الذي لا يرحم فقره أحد، فقط لكي تتمتم شفاههم بذكر القرآن ترحمًا على أمهم. حُرِمَت هي من الأبناء، لصالح أن تبقى إلى جانب هؤلاء!
ثم هل سمعتهم بامرأة أخرى تزوَّجت أرملاً، فلم تدَّخر سوى السهر والحب لأبنائه حتى الرَّمق الأخير من حياتها. تتذكر ابنة زوجها اليوم، كيف كانت تلك المرأة، تضجع إلى جانبها حتى تنام. وعندما كبرت وتزوجت ثم حبَلَت، كيف كانت تجاورها في حملها ثم في ولادتها، تغسل ما لا يطيق أحد غسله بعد الولادة. ولم تكتف بذلك، بل إنها رَعَتْ أحفاد زوجها أيضًا بطريقة، لا يُمكن لأحد أن يشك ولو لحظة واحدة، أنها جدَّتهم البيولوجية فعلاً. هذه حقائق أعرف أصحابها كما يجب، مثلما عرفت عن أخريات، ذكرت نموذجهم في المقال السابق.
باعتقادي، ان الموضوع كله متعلق بأربع كلمات فقط: الضمير، المسئولية، الإيثار، وقتل الأنانية. فالحياة ليست شكلاً هندسيًا صرفًا، وإنما هي وعاءٌ متصل بالمشاعر والسلوك. وعندما تمَّحي هذه العناوين، يتحوَّل البشر فيها إلى مفرزة من الذئاب المتوحشة، التي لا تحسّ إلاَّ بشَهوَتيْ البطن والفرج، دون أدنى اعتناء للآخرين. بل إن بعض الحيوانات، قد تروّضها الألفة مع البشر، فتموت لديهم وحشيتهم، إلاَّ أن هؤلاء يتحوَّلون إلى أكثر من حيوانات لا تلين.
عندما كتبتُ في الأسبوع المنصرف عن قسوة «بعض زوجات الآباء» تعاطف كثيرون مع ضحايا تلك القسوة، لكن أخريات، اعترضنَ على تلك الصورة النمطيَّة التي تنطبع عادة عن زوجات الآباء، سواء في الكتابات، أو في السيناريوهات الفنية. إحداهُن قالت لي بصراحة، انها زوجة لرجل أرمل من عدة سنوات. وعندما وَلجَت بيته كان بعض أبنائه صغارًا، فلم تبخل عليهم بتربية، ولا برعاية جسدية، ولا عاطفية، بل إنها أبَتْ حتى الاستقلال عنهم في بيت منفصل، كي لا تتحمَّل أيّ وزر في إبعاد أبيهم عنهم.
قلت لها إنك مثال جيد، وهو مثال لا ينطبق عليه مقالي أبدًا. فالمعنيون هم ما يعنيهم المقال وليس غيرهم. فأصل الكتابة فكرة وحَدَث، فإذا كان الحدث بكيفية معينة، فالمقال يجب أن يكون بكيفيته أيضًا. المرأة أسَرَّت لي بشكوى عن حالها، أظهرت نفسها على أنها ضحية بشكل مختلف عما ذكرت. فقد قالت ان أبناء زوجها الكبار يتعاملون معها بطريقة فجَّة، وبعيدة عن السلوك القويم، أرجعته هي إلى تحريض عائلي خفي. وقد اتّبعت جميع السبل والوسائل، التي قد تمكنها من كسبهم، ولكن يبدو أن ذلك أصبح دونه خرط القتاد بالنسبة لها. فلا لِيْن الكلام ينفع، ولا طيب المجالسة تنفع، ولا المعاشرة بالحسنى بنافعة معهم.
وهنا، مناسبة أخرى، لكي نتحدث بشيء من الصراحة. فإذا كنا نعنِّف زوجات الآباء القاسيات، فإننا نلوم الأزواج والأبناء «الكبار» من سوء إدارة العائلة، عندما تكون زوجة الأب، امرأة فاضلة، وذات أخلاق رفيعة. فالزوج، يجب أن يكون طرفًا أصيلاً في الموضوع، لا مجرد مشاهد، يُرضي زوجته مرة، وأبناءه مرة أخرى. كما يجب عليه أن يُهيئ أبناءه ويُعرفهم على زواجه، والمرأة التي اختارها قبل الزواج، فذلك يكسر حاجز الخوف والريبة بينهم وبينها.
فالرجل، يحتاج في نهاية الأمر إلى أن يتزوَّج بعد أن يترمَّل. فلا يُمكنه العيش في كهف الذكرى، وخصوصًا إذا كان عمره «شبابياً» فأصل الحياة هو الزواج، وخلافه استثناء لا يستسيغه منطق العقلاء. لذا فمن اللازم تفهم ذلك، وإذا كان الأولاد يتمنَّعون عن إدراك ما سَعَى إليه أبوهم، فعلى الأخير، وأخوالهم وخالاتهم مجتمعين، أن يقوموا بدور فعال في إرشادهم.
لكنني أيضًا ذكَّرت تلك المرأة، بما قالته الأخصائية في الصحة العامة إيمان حسين شريف من نصائح لزوجة الأب في هذا المجال: أن تصبر حتى تتكيَّف مع دورها الجديد في الأسرة، وأن تتفهَّم مشاعر أطفال زوجها، ومحاولة التحدّث معهم بهدوء ولا تعاقبهم، وعدم التدخل مباشرة في تأديب أطفال زوجها، وعدم محاولة تغيير روتين الأطفال فورًا، وعدم التدخل في أسلوب تربية الأب، لأن ذلك لن يكون مقبولاً بالنسبة لهم.
في كلّ الأحوال، فإن الأبوَّة والأمومة هي أدوار يلعبها الإنسان. وقد لا يستطيع الأب أن يُمارس أبوَّته كما يجب، لكن آخر باستطاعته أن يقوم بالدور عنه وعلى أكمل وجه. والأمومة كذلك، فليس كلّ امرأة تضع مولودها مؤهلة لأن تكون له أمًا صالحة وحنوناً، فقد تأتي غيرها، فتكون لها كأمها الحقيقية وأكثر. لذا، فباستطاعة زوجة الأب أن تكون أمًا وأكثر، وبإمكان الأبناء، أن يكونوا أبناء حقيقيين، إن تكامل دورهم كأبناء، مع زوجة أبيهم حين تمارس دور الأم
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3351 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ
الخلاصة
الموضوع كله متعلق بأربع كلمات فقط: الضمير، المسئولية، الإيثار، وقتل الأنانية
الآباء كذلك
الامر ينطبق على الآباء كذلك فكثيرون تبنوا اطفالا لم يخرجوا من اصلابهم والامثلة لا حد لها
رمى خالته التي ربته على قارعة الطريق
كان يا ما كان قي بلاد ما قي زمن ليس ببعيد اخذت الخالة احد التوأمين الذان فقدا امهما عند الولادة و يعد ان اشتد عوده و تخرج من الجامعة رمى بخالته التي ربته قي الطريق تترجاه ان يرحم ضعفها و هي التي كانت تبالغ في حمايته