أرتب صباحي كما أرتب روحي كل يوم. أصحو بحثاً عن المتبقي من ضوئها الذي غمر العالم. الليالي رمادية والصباح يميل الى الأخضر... الأبيض المتوسط.
الهواء موسيقى ربما تصدح بعد قليل. لا أحد في الجوار سوى باعة يائسين من المارة.
أتذكر شيئاً واحداً: أتذكر نفسي وهي تبحث عني في زحام المعاني المضطربة. سلامتي من كل ذلك تتحدَّد في قدرتي على مهادنة المكان والأشباح من حولي.
أنا الأخرى شبح أراه في النوم أكثر من الصحو. الأبواب لا تفضي إلى مكان. لا تحتفي بالضيوف والعابرين وأبناء السبيل. لا تحتفي حتى بي. المتاح من كل ذلك موسيقى مريضة في زوايا الكون من حولي. المتاح هو السقف الشبيه بإيقاع بارد يأتي من بعيد. المتاح هو قدرتي على تجاوز الذمَّة المصطنعة.
رويدك أيتها الروح. رويدك أيتها الأنفاس. لا أطلب سوى أن أكون وحيدة روحي في هذا الهذر والضوضاء والخرس المفتوح على اللاشيء... اللامكان.
رويدك أيتها المحطات التي ستأخذني إليَّ وأنا هنا مظلة المسافر ومناديل الأحبة في وداعهم. رويدك أيتها الأحضان الشحيحة. قلبي نهار في اعتراف العاشق وروحي تكاد تلامس الأفق الذي نسيت.
رويدك أيها العمر الطاعن في نعيمه وجحيمه.
يحاصرني الجدب، والقحط أسوار مألوفة في طريقي إلى موائل العذاب والحب معاً!
لا طاقة لي بكل هذا البهاء الذي حط كقدر كنت في انتظاره. لا طاقة لي بكل هذا الضوء المشرع على الليل. رفقاً بالليل أيها الضوء. رفقاً بالضوء أيتها الروح. أخشى ارتطامك بالسهو والنوم والحبر. أخشى ارتطامي بمصابيح ليست من أثاث المكان.
كل حول أتفقد شَرطي الوحيد. ألاَّ اقرأ إلا الوجوه المبللة بالغناء والعناء والضوء والتيه. ألاَّ أقرأ إلا ما تيسَّر من الباحات والمدى وما أذن الله من فضاء مفتوح على التمني وابتهال مؤجَّل. كل حوْلٍ أتفقد روحي تحت مطر كانون. أستدعي صخرة الروشة وقوس النصر وتمثال الحرية وميدان عبدالناصر في دبي وشارع العليَّا في الرياض والأسواق الشعبية في المناطق النائية من المكان... القريبة من الحس والوعي.
لم يغب عن بالي لحظة تذكر زهوي الغابر. لم يغب عن روحي ذلك الألق القديم/الجديد يوم انهمر الغناء وسط جلبة نساء موشومات بالنعي والفقد. لم أنس رفاهيتي في بؤس مقيم أترصَّده ... ألمسه ... أناجيه... أسخط عليه. في العواصف وردة، وفي الحزن مهرجانات فرح مفتوحة على الشمس. لم أنس وحدة الذين بلا مأوى. مأوى القلب قبل المكان. في هذا المدى الضروري الذي أتجاوزه أحياناً لأنه يذكِّرني بالفالج حين لا أستطيع ملامسته. أدلف إلى نصي الأثير. أكتب ما أذن الله والوقت. أدنو من النص فتنهمر الجهات كأنها شلالات فضَّة. أدنو لأعلِّق من بياض هذا الحبر قمراً يرتب صباحي المقبل، وروحي المنهكة. رويدك أيتها الروح. في الصحراء فقط اكتشف معدن المكان وذهب الوقت
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3351 - الخميس 10 نوفمبر 2011م الموافق 14 ذي الحجة 1432هـ
جميل
تكتبين مشاعرك وكأنك تكتبين ارواحنا وقلوبنا سلم قلمك استاذة سوسن
عندا تفقد نفسك
شعور غريب و كلامات جميلة يستشعرها اثنان اما نقاد فاحص متخصص او فاقد عزيز ترتسم الذكريات في خياله و يفقد تلك اللذة التي كانت تزين حياتنانحن نشعر بذلك ليس فس مناسبة بل في لحظة.
جميل جدا
رائع هذا الشعور سيدتي
جميل ما خطه قلمك أيتها الشاعرة الجميلة
دمتي بخير
رويدك أيتها الروح. رويدك أيتها الأنفاس. لا أطلب سوى أن أكون وحيدة روحي في هذا الهذر والضوضاء والخرس المفتوح على اللاشيء... اللامكان.
كم هو جميل واحساس مرهف هذا المقطع
رويدك أيتها الروح. رويدك أيتها الأنفاس. لا أطلب سوى أن أكون وحيدة روحي في هذا الهذر والضوضاء والخرس المفتوح على اللاشيء... اللامكان.
رويدك أيتها المحطات التي ستأخذني إليَّ وأنا هنا مظلة المسافر ومناديل الأحبة في وداعهم. رويدك أيتها الأحضان الشحيحة. قلبي نهار في اعتراف العاشق وروحي تكاد تلامس الأفق الذي نسيت.
رويدك أيها العمر الطاعن في نعيمه وجحيمه.