العدد 3349 - الإثنين 07 نوفمبر 2011م الموافق 11 ذي الحجة 1432هـ

المؤرخ «كوتو» يتحدث عن فساد الامبراطورية

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

على رغم أنه مُعين من قبل البلاط الإسباني - البرتغالي، أي من قبل الملك (فيليب الثاني - Philip II) بعد أن اتحدت البرتغال مع إسبانيا منذ العام 1580، وعلى رغم أنه سافر على «نفقة الدولة» من لشبونة إلى المستعمرات البرتغالية في الهند، وعاش هناك من راتبه الذي يتقاضاه من «خزينة الدولة»، فإنه كتب عن كل نواحي الفساد في الامبراطورية البرتغالية في المشرق الإسلامي. ولم يعاقب على ما فعل ولم يفصل من عمله، فمن هو؟

هو المؤرخ البرتغالي الثاني في منظومة المؤرخين الذين كتبوا تاريخ الامبراطورية البرتغالية في النصف الشرقي من الكرة الأرضية واعني بها تحديداً منطقة المشرق الإسلامي الآسيوية. هو (دياجو دي كوتو - Diogo de Couto) الذي عاش بين 1542 و1616. عينه الملك (فيليب الثاني) الإسباني مؤرخاً للبلاط الحاكم، فقام بإكمال سجل الأحداث الذي بدأه المؤرخ البرتغالي «باروش» قبله.

سافر كوتو إلى الهند العام 1559 وبقي هناك أكثر من خمسين عاماً. في السنوات العشر الأولى عمل هناك جندياً، ثم صار حافظاً للسجلات في العاصمة (جوا) وقد استخدم بشكل واسع تلك السجلات المسئول عنها عندما كلف بمتابعة إكمال تاريخ سلفه المعروف بـ «عشريات باروش» وكذلك أطلق على عمله الجديد أيضاً الاسم نفسه (عشريات)، ولكنها جاءت باسمه فأصبح هناك عنوان واحد لمؤلفين مختلفين. كذلك حصل كوتو على بعض المعلومات من الموظفين البرتغاليين والجنود العاملين في الهند، ومن بعض العثمانيين الذين بقوا في ولاية كوجرات الإسلامية في غرب الهند بعد حملة سليمان باشا الخادم الفاشلة للسيطرة على ديو العام 1538.

يحتوي عمل كوتو على 11 عشرية غطت الفترة من العام 1580 إلى العام 1600، كما وضع مقدمة لكتابه تضمنت خلفية للأحداث التي تعود إلى العام 1529، مزودة بمعلومات خاصة تغطي الفترة حتى العام 1538. وأهم عشرية لكوتو ضمن كتابه وتشكل رافداً حيوياً للباحثين في تاريخ السيطرة البرتغالية على الخليج؛ تلك التي تحتوي على معلومات وافرة عن المنطقة الخليجية في الأجزاء من 1 إلى 4، والجزءين 7 و10 من تلك العشريات.

أضف إلى ذلك، أن كوتو وضع أيضاً أهم كتاب في حياته بخلاف سجل تأريخ الغزو البرتغالي للمشرق؛ وقد أطلق عليه اسماً مثيراً «تطبيقات على حوار الجنود». لقد احتوى هذا الكتاب على نقد شخصي لاذع للإدارة البرتغالية وأسباب فسادها في الشرق وبشكل خاص في الهند.

في هذا الكتاب وجه كوتو، وهو في المنصب الرسمي الملكي، نقداً قاسياً لأكثر المناصب أهمية وخطورة في الامبراطورية وهما منصبا نائب الملك في الهند وحاكم عام الهند. فتحت يد هاذين المنصبين كانت تجمع كل ضرائب الامبراطورية من مستعمراتها في المشرق. ولذا انتشر الفساد في هاذين المنصبين تحديداً، فحيث يكثر المال «السايب»، بلا رقيب ولا حسيب سوى شخص واحد هو نائب الملك أو الحاكم العام، يكثر الفساد. يقول كوتو لنا إن الضعف الذي أصاب الامبراطورية وحكومتها في الهند وفي الخليج بشكل خاص، لم يكن سببه الأساس هو التدخل الخارجي أو المؤامرات الخارجية كما يقال؛ بل من الفساد والضعف الداخلي الذي نخر في أركان الحكومة. فالرشوة كانت سلوكاً يومياً بين المسئولين البرتغاليين وخصوصاً أصحاب العائلات المعروفة ومن ينافق السلطة البرتغالية حتى ولو كان من الهنود! والغريب في الأمر أن المناصب الحكومية تم بيعها لمن يدفع سعراً أعلى، وما أشبه الليلة بالبارحة. وبما أن من يستطيع الدفع هم جباة الضرائب الحكوميون فقد سيطروا على تلك المناصب لأنها تدر أيضاً دخلاً جيداً، فليس هناك أفضل من مرتع للفساد إلا المناصب الحكومية في امبراطورية فاسدة. حتى أضحت القيم والأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية ذات اعتبارات ثانوية في الامبراطورية، كما يقول كوتو. وببساطة أصبح كل مسئول برتغالي هدفه الأول والأخير من المنصب الحكومي هو جمع المال فقط حتى ولو كان على حساب وطنه وشرفه وأسرته. وعندما اشتكى بعض المخلصين للملك البرتغالي من هذا الوضع وصرخوا «أنقذنا أيها الملك إننا نغرق»، لم يسمعهم أحد، واستمر الفساد. وقد أعطى كوتو أمثلة من الفساد في الخليج عندما كتب أن المسئولين البرتغاليين في هُرمز استحوذوا هم وأصدقاؤهم على جميع النفقات الملكية الخاصة بقلعة هُرمز ومعها كل الذهب أيضاً، وتركوا بقية الناس، وبالذات الجنود، لا حول لهم ولا قوة إلا الشكوى والتمرد أحياناً. يقول كوتو: عندما تدخل بيوت أحد المسئولين البرتغاليين فقط تعتقد بأنك في مخزن لبيع التحف النفيسة من كثرة المقتنيات الثمينة في امبراطورية كانت تعاني من أزمات مالية كما كان يشاع. ويضيف طرفة أخرى هنا بقوله إن المسئولين البرتغاليين في الخليج كانوا يتقاضون رواتب جنود ماتوا منذ فترة، ولكن أولئك المسئولين لم يشطبوا أسماءهم من قائمة الجيش لشيوع هذا النوع من أنواع الفساد الإداري وفي أكبر مؤسسة عسكرية.

وهناك مؤرخ آخر كتب عن الفساد أيضاً وصحح الكثير من الأخطاء التي كتبت عن البرتغاليين في المشرق والهالة التي أحاطوا أنفسهم بها. هو (كاسبار كوريا - Gaspar Correia)، الذي اتخذ منحي سلفه (المؤرخ كوتو)، فبدا منتقداً للجشع والحكم الاستبدادي والأنانية والفساد الذي اتصفت به الإدارة البرتغالية في المشرق بشكل عام، ومع ذلك بقي في منصبه حتى وفاته.

ألا يجدر بنا أن نتعلم الدروس ونستفيد من خبرات الآخرين حتى لو كانوا من المستعمرين السابقين أو الحاليين؟ ألا يجب أن نتعلم من مؤرخي البرتغال شيئاً يفيدنا ويعطينا عبرة؟ فهذا المؤرخ وآخرون غيره عندما انتقدوا الفساد في امبراطوريتهم بهدف الإصلاح لا غير لم يتم عزلهم ولا عقابهم بما لم ينزل الله به حتى على عباده المذنبين والظلمة، بل كتبوا ما كتبوا وهم في مناصبهم ووصل إلينا كما هو اليوم بلا تشويه ولا تحريف. فهم كتبوا لمسئوليهم عن الفساد في الامبراطورية لتفاديه، لأنه كان السبب في سقوط تلك الامبراطورية الحتمي، وهو السبب في تردي وسقوط كل الممالك والدول، ولنا في الدولتين الأموية والعباسية وكذلك العثمانية خير دليل. وهذه المرة الدرس برتغالي الطعم

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3349 - الإثنين 07 نوفمبر 2011م الموافق 11 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:01 ص

      شكرا لك دكتور

      مقال جميل وفي الصميم، لكن على قلوبٍ أقفالها.

    • زائر 2 | 1:48 ص

      هو المدير المساعد في احدى مدارسنا لكنه يستلم 40%من راتبه بدوام كامل وزيادة شويه؟؟؟؟؟

      فإنه كتب عن كل نواحي الفساد في الامبراطورية البرتغالية في المشرق الإسلامي. ولم يعاقب على ما فعل ولم يفصل من عمله، فمن هو؟

    • زائر 1 | 10:49 م

      كنت أكتب ما يحدث في قريتي وبعض ما يجري في البحرين بقصد حفظ هذا التأريخ وقد جمعت عدة اوراق وما أن سمعت الابواب تكسر ويفتشون عن الاوراق والافلام وغيرها مما يمكن أن يحفظ شيئاً للتاريخ قمت بتمزيق كل ما عندي من أوراق ووضعتها بالحاوية وعرفت حينها لماذا وصلنا التاريخ بالمقلوب

اقرأ ايضاً