العدد 3346 - الجمعة 04 نوفمبر 2011م الموافق 08 ذي الحجة 1432هـ

لا تركنوا إلى أوهامكم

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

الصدمة الصانعة لم يخلقها الوهم. خلقها صناع الحياة. خلقها الآملون والمتأملون والشغوفون بالأثر وصناعته.

لا تركنوا إلى أوهامكم، ولا تركنوا إلى الذين يروجون للأوهام. هم قتلة الحياة فاحذروهم قاتلهم الله أنى يؤفكون.

الأمل هو الذي يرفد رئة الحياة بالهواء حين تتوعك وتمرض وتصاب بحال من الهزال وحتى الغيبوبة.

اجعلوا أملكم يصب انهاراً وروافد لمن هم في تيههم ويأسهم يعمهون. اجعلوه دليل وصول ودليل بلوغ إلى أهداف ساهم الوهم في جعله ضرباً من التخرص وضرباً من المتاهة والبحث في العدم عن حياة.

الشعوب التي تسيدت وتتسيد العالم اليوم لم تأتِ نتاج وهم أو يأس. اليأس أول مراحل العدم ودليل عليه. لم تتسيد الشعوب إلا بعد نطاح وصراع ومواجهة وتوغل وتحدٍ لذلك الغول الذي لا قلب ولا حس ولا بوصلة ولا قرون استشعار له. تسيدت بقدرتها على التهكم عليه، وقدرتها على مشاكسته ومناطحته، وقدرتها على إثبات أنها أهل للحياة وتشريفها.

أوسكار وايلد في مقولته الشهيرة: «أستطيع مقاومة كل شيء إلا الإغراء»، يرمي إلى إغراء الأمل. الأمل في قدرته على الإحياء بعد موات، وقدرته على قلب المعادلات بعد انتكاسات وانهيارات وفوضى، وقدرته على أن يعيد صوغ الحياة؛ وحتى إعادة تعريفها.

والواهم والمروج لوهمه في وسط يضج بالأمل تنطبق عليه تماماً مقولة نورمان ميلر: «لقد تصرفت كحمار أكثر من مرة حتى صرت أظن أني حمار». ثم إن الحياة في مفهومها الشائع والمتداول «أسلوب». الحياة أسلوب وطريقة ونهج ورؤية. والأسلوب والطريقة والنهج والرؤية تتناقض تماماً مع الوهم، ولا يمكن أن تصدر عنه. إنها تصدر عن وعي وإدراك واستيعاب.

ولا إنجاز يتحقق في العالم اليوم لأي منا على مستوى الدول والأفراد من دون عناء ومن دون رعدة ومن دون وجل وقلق. لا إنجاز يسبق القلق. والقلق في بعده المنتج والصانع أداة خلق وطريقة وصول، تماماً كما ألمح رينيه شار: «لكي تكبر لابد أن ترتعد». والوهم لا يمنحك تلك الرعدة. إنه يوفر لك طمأنينة زائفة وحضوراً زائفاً وحياة ممعنة في زيفها، ولا رعدة في الزيف، كما أنه لا زيف في الرعدة!

وعلى الواحد منا أن يمعن النظر في ما حوله من أشكال وصور الحياة والدول والأفراد؛ كي يقرر استواء الحضور فيها من عدمه، تبعاً لقيمة تعاطيها مع الأمرين: الوهم والأمل؛ ولكي يقرر نهجه وطريقته وأسلوبه ومداخله في التعاطي مع الحياة، وطريقته في الوصول بالأهداف في تلك الحياة.

لا شيء أكثر إساءة للإنسان وقيمته من دفعه دفعاً إلى تعطيل عقله وقيمته وطاقته وقدرته وإرادته على تخطي المستحيل الذي لا يعرفه، إذا كان في أوج حضوره وانتباهه ووعيه وإدراكه لمعنى أن ينتصر على الحياة، لا أن تنتصر عليه. لا حياة للحياة حين نتوهم أنها انتصرت على الإنسان.

وفي المحصلة، يظل الوهم متراساً ومانعاً مهماً جنح واستطال وذهبت به المذاهب، ويظل الأمل ذلك الأفق المفتوح على المحاولة المثلى للتعامل مع حياة لن تكترث بالموتى. والواهمون والدالون على الوهم والراكنون إليه موتى في حقيقة أمرهم وممارستهم وحضورهم الذي لا حضور فيه!

لا تفسدوا الحياة بالانحياز إلى الوهم. امنحوها قيمتها وجدواها بالانحياز إليها. إلى روحها (الأمل).

يخطئ من يظن أن الإصرار على الوهم يصنع أملاً. يخطئ من يظن أن الإصرار على الأمل سيؤدي إلى الوهم.

طوبى للآملين بحق. تعساً للواهمين والذين يركنون إليهم

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3346 - الجمعة 04 نوفمبر 2011م الموافق 08 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:38 ص

      الله يعطيش العافية

      جميل جدًا استاذة سوسن يعطيش العافية على هالمقال وهذا الامل الكبير اللي تعطينا اياه كل يوم احنا من المتابعين للي تكتبينه على طول تسلم ايدش

    • زائر 1 | 2:52 ص

      دهنيم

      مقالج رائع تسلم يمينج

اقرأ ايضاً