العدد 3346 - الجمعة 04 نوفمبر 2011م الموافق 08 ذي الحجة 1432هـ

كيف يرى العُمْيُ هلال يوم العيد؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تخيلوا، لو أن أربعة من الرجال العُمْي، قد جاؤوا وشهدوا عند لجنة الاستهلال، بأنهم رأوا هلال يوم العيد، فهل ستقبل شهادتهم؟! وتخيلوا، لو أن رجلاً قام في الناس خطيبًا، داعيًا إياهم إلى صلة الرحم، مُبينًا ثوابها عند الله، في حين، أنه لم يزر أباه طيلة عقديْن، فهل سيستمع له أحد؟! ربما ستكون الإجابة على هذين السؤاليْن وأضرابهما، بديهية جدًا، لكنني وددت ربطهما بواقع نشهده الآن مع اجتماعات وزراء الخارجية العرب بشأن الأحداث في سورية.

بعض السادة من وزراء الخارجية العرب، دعوا خلال اجتماعاتهم المتواصلة في جامعة الدول العربية، الحكومة والمعارضة في سورية، إلى البدء في حوار شامل في مقر الجامعة العربية، ووقف عمليات القتل والعنف في سورية والإفراج عن معتقلي الرأي، والبدء في إصلاحات سياسية واسعة من انتخابات تشريعية ورئاسية واستقلالية القضاء، وإقرار لقوانين الأحزاب والصحافة وغيرها. ثم قاموا بزيارة دمشق، لمناقشة الأمر، وأتبعوها بزيارة أخرى للغرض ذاته، وهكذا دواليك.

حسنًا، الدعوة في حدّ ذاتها أمر جيد، تجاه وضع دموي بامتياز يجري في سورية منذ سبعة أشهر، لكن الإشكال هو في أن الكثير من الدول العربية متورطة في الإشكال ذاته، وإن بدرجات متفاوتة. فهم لا يُحاورون شعوبهم، ولا يجلسون مع المعارضات السياسية في بلدانهم، وليست لديهم مؤسسات دستورية طبيعية، ولا هم قادرون حتى على تحقيق أدنى تلك الأمور، لا في السابق ولا الآن.

أقول هذا الكلام، ليس من أجل الدفاع عن النظام السوري الدموي والمحنط؛ شخصيًا كتبتُ عن الأزمة السورية أكثر من سبعة مقالات، فيها من القسوة ما جعل البعض من مُحبِّي النظام السوري، والمقاومتيْن اللبنانية والفلسطينية لأن يأخذوا موقفًا سلبيًا مني، لكن أن تأتي دعوات عربية لجهات ليس بها برلمانات حقيقية ولا طبيعية، ولا مؤسسات ديمقراطية، ولديها سجناء رأي، فهذا أمر غير مقبول، ولا يستقيم مع المنطق، فضلاً عن أصل الدعوة.

هذا الحال يُذكرني بالدعم الذي كان يقدمه نظام لويس السادس عشر القمعي والإليغاري والبرجوازي للثورة الأميركية في العام 1776. فذلك النظام لم يكن ليفعل ذلك حبًا في الديمقراطية والمنطق الثوري، وإنما نكاية بالبريطانيين غرماؤه في حروب العالَم الجديد، وصراعاته معهم في القارة الأوروبية، ويذكرني أيضًا بالدعم الذي كان يحصل عليه الايرلنديون (الكاثوليك) ضد الإنجليز (البروتستانت) من أنظمة لم تشم رائحة الحرية أو الديمقراطية، لكنها فعلت ذلك، فقط من أجل إضعاف الموقف الإنجليزي في صراعات الشمال الأوروبي.

وفي حاضرنا، فليس الإيرانيون بسلفيين سُنَّة عندما يدعمون حركة طالبان في أفغانستان، ويُؤوون عوائل قيادات تنظيم القاعدة في بلادهم، ولا الفنزوليون بعرب عندما يدعمون الفلسطينيين، ولا هم بمسلمين عندما يدعمون الإيرانيين، ولا الفرنسيون بإسلاميين عندما يدعمون جماعة الإخوان المسلمين السورية، ولا الأميركان بمجاهدين عندما يُصافحون قيادات الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية في مطار طرابلس قبل أيام، ولا الإسرائيليون بأحباب هيئة تنسيق قوى الثورة السورية، عندما يدعون إلى إسقاط النظام السوري.

هذا الأمر مفهوم جدًا، ولا يجب تحميله أكثر مما يحتمل. فالسواد الأعظم من الدول العربية، هي بالأساس، مُحتاجة إلى الدعوة مثل سورية إن لم يكن أكثر. فحين تدعو لذلك دول عربية، فيها احتقان سياسي، وغياب للحريات الشخصية والعامة، فأين الرابط هنا بين هذا وذاك، غير تعارض المصالح، وتسجيل النقاط، واللعب على ساحات الخصم، وكأننا في مبارزة.

اليوم، يفصلنا عن التجربة الديمقراطية في فرنسا 222 عامًا. ويفصلنا عن التجربة الديمقراطية البريطانية 323 عامًا. ويفصلنا عن التجربة الديمقراطية الأميركية 223 عامًا. بمعنى، أن شعوب تلك الدول، لم تمارس الحرية فقط، وإنما تشرَّبتها إلى حدّ النخاع. شعوب تلك الدول، كانت غير متعلِّمة، وكان بين 90 و97 من الأوروبيين ريفيُّون، لكن ذلك لم يمنع تلك الدول من أن تسير نحو الديمقراطية، ولم تكن تنتظر أعواماً مديدة لكي تنضج شعوبها كما يقال لنا الآن، على رغم أن شعوب هذه المنطقة أناس متعلمون ونابهون ونابغون أيضًا.

إذا كانت هذه الشعوب (العربية) متخلفة، ولا تستطيع تحمُّل التحوّل الديمقراطي في بلدانها، فكيف نفسِّر إذاً إبداع الآلاف من ناس هذه المنطقة عندما يذهبون للعيش في الدول الغربية، سواء في أميركا أو أوروبا. كيف أبدع وليد نبهان في مالطة، وجمال الدين بن عبدالجليل في جامعة فيينا، والبشير صوالحي الجزائري، وآية خليل ومدثر عبدالرحيم وجمال الصالحي وغيرهم بالآلاف في الغرب وجامعاته إذا كنا فعلاً شعوبًا جاهلة؟! هذه فرية لا يحتملها عقل أبدًا، ويدحضها المنطق.

نحن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من التاريخ البشري. مرحلة مرَّ بها الأوروبيون قبلنا وتبدَّلت أحوالهم إلى زماننا هذا. أغلب الدول الأوروبية استجابت لدعوات شعوبها، ومَنْ تمنَّع فقد زحف عليه التغيير دون أن يحسب إليه حساب. لذا، فإن الأنظمة العربية، يجب أن تلتفت إلى هكذا أمر، وأن تتصالح مع شعوبها، وتنشئ ديمقراطياتها الحقيقية وليس المحنطة، وإلاَّ فلن يكون حالها بأسلم من حال غيرها من الدول المهزوزة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3346 - الجمعة 04 نوفمبر 2011م الموافق 08 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 5:26 ص

      ربما لا اصدق ما ذكرته لواني قرأته قبل سنه

      أما اليوم فلا يمكن أن نستغرب بشهادات ألعمي بالهلال فربما تكون أهون من ما مر بنا خلال هاده السنة, فا بالا نظافة لما ذكرته في هذا المقال كنا لم نتخيل في مجتمعنا من يوشى بزميله ويحرمه من لقمت العيش ولم نتخيل بان قناة أو صحيفة توصم طائفة بالخيانة والعمالة ولم نسمع بمجلس برلمان يحرض ويؤجج على طائفية,ولم نتخيل بمن يشهد شهادة زور لجار أو لأخ في الدين والوطن,فمن عاش السبعينات هنا ,ما كان أن يتخيل ما يحدث اليوم ,ولذا هو يتألم لما حل بنا, ولا يمكن أن يستغرب لو سمع أن اللون الأبيض يسمى اسود وبالعكس .

    • زائر 11 | 4:49 ص

      المقال العالمي المفيد

      التعليق رائع جدا لأنة الكاتب يريد التحدث على الديمقراطية أي يريد الديمقراطية في الشعوب

    • زائر 6 | 4:06 ص

      صدقني يا اخ محمد انت نصحا مخلصا والصديق من صدقك وليس من صدقك بتشديد الصاد

      نحن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من التاريخ البشري. مرحلة مرَّ بها الأوروبيون قبلنا وتبدَّلت أحوالهم إلى زماننا هذا. أغلب الدول الأوروبية استجابت لدعوات شعوبها، ومَنْ تمنَّع فقد زحف عليه التغيير دون أن يحسب إليه حساب. لذا، فإن الأنظمة العربية، يجب أن تلتفت إلى هكذا أمر، وأن تتصالح مع شعوبها، وتنشئ ديمقراطياتها الحقيقية وليس المحنطة، وإلاَّ فلن يكون حالها بأسلم من حال غيرها من الدول المهزوزة

    • زائر 5 | 3:57 ص

      فاقد الشي لايعطيه

      كيف اطلب من ابني ان يصلي وانا لااصلي

    • زائر 4 | 3:54 ص

      أن الكثير من الدول العربية متورطة في الإشكال ذاته

      حسنًا، الدعوة في حدّ ذاتها أمر جيد، تجاه وضع دموي بامتياز يجري في سورية منذ سبعة أشهر، لكن الإشكال هو في أن الكثير من الدول العربية متورطة في الإشكال ذاته، وإن بدرجات متفاوتة. فهم لا يُحاورون شعوبهم، ولا يجلسون مع المعارضات السياسية في بلدانهم، وليست لديهم مؤسسات دستورية طبيعية، ولا هم قادرون حتى على تحقيق أدنى تلك الأمور، لا في السابق ولا الآن.

    • زائر 3 | 2:21 ص

      شكرا

      مقال رائع .. يعطيك العافية

    • زائر 1 | 12:59 ص

      اعجبني

      اعجبني المقال و اتفق مع جميع مااحتواه وعبر عن ما اعتقد به.

اقرأ ايضاً