كلنا نعرف، والذي لا يعرف فتلك مشكلته وهو مسئول عنها، أن الشيطان أو (إبليس) هو أول متمرد على مشيئة الله في خلقه. وكل من يقومون بعمله نفسه مهما صغُر أو كبُر فهم من أتباعه ورجاله وأن تمسحوا بلباس آخر مضلل للناس. وللعلم أن اسم الشيطان لم يختلف عند الأمم والشعوب، فهو عند اليهود يسمى (سيتن)، وعند الإغريق (سيتاناس)، وعند أهل الشام القدامى من الآراميين يسمي (سيطانا) وتتفق جميعها في دلالة الاسم على الشر وعلى المعصية والاستكبار.
وكلكم تعلمون، والذي لا يعلم فتلك مصيبته هو مسئول عنها، أن الشيطان من الجان وليس من الملائكة. وكلمة إبليس في اللغة العربية، من الأصل الثلاثي بَلَسَ. وأبلس، أي انقطعت حجته ويئس وتحيَّر، والإبلاس هو الشر. ولذلك يطلق اسم «شيطان» على الأشرار من بني البشر.
وليعلم كل بحريني أنه متى ما اتصف بواحدة أو أكثر من هذه الصفات (الخيلاء، الكبر، العصيان، التمرد، الكراهية، النفاق، الحسد، الباطل، الغواية، الخبث، الخداع، وغيرها) فهو شيطان في حد ذاته أو بدرجة ما هو من أتباعه. مع ملاحظة ألا تستخدم صفتي العصيان والتمرد في غير مكانهما الصحيح رجاءً.
وأعتقد أن الكل يعلم، ومن لا يعلم فهو مسئول عن ذلك، أن الإغواء الشيطاني للإنسان في الخليج أو في عموم الوطن العربي والإسلامي لا يأتي قسراً أو قهراً... فالشيطان ليس له سلطان القهر على الإنسان، ولذا فهو دائماً ينفي التهمة عن نفسه أمام المولي عز وجل بأنه لم يمسك بيديه أي فرد منا ليفعل المعصية والعمل المشين الذي يوقعه في الخطأ أو الرذيلة أياً كان معناها اليوم فالرذائل كثيرة من حولنا. بل هو يزين الخطأ لضعاف النفس ومن يعجبه يقوم بفعله في نفسه أو في أخيه الذي يعيش بقربه. وهنا لسنا بصدد خطأ الإنسان ضد نفسه لأنه حر في كيفية التعامل معها مصداقاً لقول المولي عز وجل: «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها» (الشمس: 7-8). ولكن ما يُقرح القلوب ويُدمع حتى الحجر في هذا الدهر الذي لم نشهد له مثيلاً؛ هو فعل الشيطان بك لتضر أخاك في الخلق وفي الدين وهو أقرب الناس إليك. أخوك الذي تقاسمت معه لقمة العيش سنين وافترشت الأرض نفسها تراباً، بل وصليتم لله تحت السماء نفسها طويلاً. فما بال الشيطان صار هو واعظكم ومرشدكم لتركنوا لما يقول عن إخوانكم في الدين والخلق؟
فلم يعد الشيطان اليوم يحضك فقط على ترك الصلاة، عقوق الوالدين، الزنى، شرب الخمر، أو استعمال المخدّرات. بل تطور أسلوبه مع نسائم الربيع العربي أيضاً، فقرر التدخل في تغيير مسار هذا النسيم وتلويث هوائه بإغواء البعض بأن يقف ضد الثورات العربية وأن تساهم مع كل من يريد إطفاء جذوتها. ولذا يزين لك مرشدك الشيطان أن طاعة الطغاة هي من طاعة الله وعصيانهم هو تمرد على استخلاف الإنسان لحكم الأرض. مع الخالق لم ينشأ الأكوان للطغاة أبداً. ولكن هكذا بكل بساطة تنطلي على البعض بل ربما المعظم مثل تلك الأقوال وبذلك تبدأ قرون الشيطان تنمو رويداً رويداً كلما سمعت الزعيق والصراخ يرتفع ضد مطالب الشعوب في كل الوطن ووصفها بأنها من فعل أدوات خارجية. ولعمري، لو كان الأميركان يؤمنون بشيطان العرب أيضاً لرددوا النغمات نفسها من وجود أيدٍ خارجية عابثة في تحركات «وول ستريت»! ولا ندري هل هذه الأيدي العابثة من الفضاء أم من كوكب آخر؟ وإلا كيف تستطيع هذه الأيدي التي لا نعلم مدى طولها، أن تمتد في كل أرجاء الوطن. ولكن ألم يصرخ الشيطان يوم أُحد «قتل الرسول محمد (ص)» فتخاذل معظم الناس حول النبي وثبت البعض فقط معه؟ أليس هو الشيطان الذي يعظكم اليوم؟
والأدهى والأمر أن شيطان اليوم بدأ بفتح فروعاً لمدرسته بيننا منذ عدة أشهر، وقام بنشر إعلان غريب علينا، في صحف غير مرئية لجلب مدرسين وجوههم هلامية، مدربين على زرع الشقاق والفرقة بين أبناء الوطن الواحد. فالشيطان كما نعلم لا يعمل لوحده، فهو محاط بفريق يعمل دائماً معه وهم من المتخصصين في شتى فنون الضحك على الذقون وإلهاء الناس عن فعل الخير والركون إلى الإضرار بالآخرين من أخوتك يحملون المكون الإنساني نفسه وإن تعبد أو دعا بكلمات لا تعجبك. وهنا يكمن الشيطان ليوسوس لك، أليس هناك شيطان طائفي النزعة حين يلبسك فلا تستطيع الفكاك منه حتى ولو بوجود (الملا مرشد) وأعظم حفلة زار في العالم كله؟ أليس هناك شيطان مثقف كما هناك شيطان سياسي وشيطان يدعي الوطنية وهو منافق لكي يضحك على من يسعون للانحراف بسهولة عن الخط الوطني وينتظرون مساعدة فرع الشيطان الذي يدعي الوطنية كي يعظهم ويساعدهم. ولذلك ترى هؤلاء سرعان ما يغيرون جلودهم وخانات اصطفافهم في أسرع وقت.
وكلنا يعلم، والذي لا يعلم فهو ليس من هذا العصر، بأن الشيطان خبير في تقنيات التواصل الحديثة فيستخدمها للإيقاع بالآخرين وتسخير أتباعه من بني البشر كي يوقعوا بإخوانهم في الوطن نفسه لمجرد أن الشيطان أمرهم ولأنهم سلموا أنفسهم إليه، مع أن أنفسهم ليست ملكهم بل هي تعود لله فقط. ألا تقولون في وفياتكم «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي لربك راضية مرضية»، فكيف تسلمونها للشيطان؟ ولا تقولوا، عفواً، أن الله أمركم بالإضرار بإخوانكم في الدين والخلق والوطن، حاشا لله. ألا ترى أن الشيطان يستعمل معك في فروع مدرسته الجديدة الكلام والهمس والصوت والصورة والإشارة بل و «الموبايل» و «الفيسبوك» و «التويتر» والسيف والقلم، وغيرها... إنه أذكى منك يا من تدعي الفهم، لأنه يأتيك بكل العجائب، ويغريك ويمنيك وله في ذلك طرق متعددة ينتقيها على حسب ضحيته ومناطق تواجدها في بؤر الربيع العربي.
فويل لمن قدم نفسه أو أبناءه للانضمام إلى فروع مدرسة الشيطان الجديدة، لأنها فروع مغرية بما تقدمه من هبات وعطايا ووعود براقة، ولكنها خبيثة وتحوي عناوين عصرية منفلتة ومعدية ولا علاج لها. إنها فروع لمدرسة تعتمد على الفتنة الطائفية في معظم مناهجها المحدثة. هي فروع لمدرسة شيطانية تزرع بذور العلقم والمر ومشاهد التناحر الطائفي البغيض، لنحصد الخراب الذي سينعق عليه غراب البين في النهاية. فاحذروها أيها الأحبة في كل الأوطان... احذروا الشيطان وحزبه، كما أوصاكم رب العباد بالابتعاد عنه وعدم الركون إليه، لأنه حزب لا ككل الأحزاب، فهو مدمر للأخضر واليابس
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3346 - الجمعة 04 نوفمبر 2011م الموافق 08 ذي الحجة 1432هـ
فروع كثيرة
فروع جديدة وكثيرة لمدرسة الشيطان، وأكثر منتسبيها من قطاع الطرق والارزاق.
مقال واضح
ولكن لن يفهمه اللا من يخاف الله والحساب