أثار شأن حماية البيئة والحفاظ على مواردها جدلاً قانونيّاً بين هيئة الإفتاء والتشريع القانوني، والمجلس البلدي للمنطقة الشمالية، حيث أصرت هيئة الإفتاء ضمن دفاعها أمام المحكمة الكبرى المدنية في القضية المنظورة بشأن مشروع نورانا الاستثماري الإٍسكاني المزمع إنشاؤه على الواجهة البحرية بالساحل الشمالي للبلاد، على عدم اختصاص المجلس بجزئية المحافظة على البيئة البحرية والثروة السمكية وعلى حقوق البحارة.
وفي المقابل، دفع المجلس البلدي الذي ادعى على 5 أطراف قال إنها رخصت لدفان المشروع المذكور بصورة مخالفة، نحو «مخالفة الهيئة لقانون البلديات رقم (35) للعام 2001 ولائحته التنفيذية الذي يعطي للمجلس الحق في تولي مهمات الحفاظ على البيئة وشئونها العامة».
وضمت دعوى المجلس البلدي الشمالي كلاًّ من وزير البلديات والتخطيط العمراني مدعى عليه أول بصفته، ومدير البلدية للمنطقة الشمالية مدعى عليه ثاني بصفته، ورئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة مدعى عليه ثالث بصفته، وشركة منارة للتطوير مدعى عليه رابع، وشركة «إن إس أغادير البحرين القابضة» مدعى عليه خامس.
وجاء في رد المحامي حسن علي إسماعيل المُوكل من جانب المجلس البلدي، على دفاع المدعى عليهم الخمسة في الجلسة الأخيرة التي عُقدت في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، أنه «كيف يستقيم ما دفعت به هيئة التشريع والإفتاء القانوني بعدم اختصاص المجلس البلدي بالمحافظة على البيئة البحرية والثروة السمكية، وهو يختص في الوقت ذاته باختصاص أصيل نص عليه قانون البلديات في المادة (19 /ج) بالعمل على حماية البيئة من التلوث في ضوء تجارب الدول المختلفة وأنظمة المؤسسات الدولية في مجال البيئة وذلك بالتـنسيق مع الجهات المختصة بشئون البـيئة في الدولة».
واستطرد رد المجلس البلدي الشمالي مبيناً أنه «كيف يمكن قبول دفع هيئة الإفتاء والتشريع بعدم اختصاص المجلس البلدي بالنظر في طلبات الدفان، وأن دوره يقتصر على اقتراح رسوم دفان الأراضي البحرية، في حين أن قانون البلديات نص بوضوح في المادة المذكورة على أن المجلس البلدي يختص بتقرير المنفعة العامة في مجال المشروعات البلدية وفقاً للأوضاع التي يقررها قانون استملاك الأراضي للمنفعة العامة، ويشترك مع الجهات المختصة في دراسة ووضع المخططات العمرانية الهيكلية والعامة ومخططات المناطق التفصيلية، ويقترح المشروعات ومواقع تـنفيذها في شئون العمران والتعمير؟».
ويرى البلدي الشمالي أن «المجلس له الحق بحسب المادة (21) من القانون عند وضع المخططات التـنظيمية العامة، ومخططات المناطق التفصيلية أو دراسة مشروعات المنفعة العامة تمهيداً لمتطلبات الاستملاك المستقبلية، أن يطلب من الجهة المختصة منع البناء أو وقفه في بعض المناطق الداخلة في المخطط أو المشروع للمدة التي يحددها. كما يكون له أن يطلب تمديد هذه المدة إذا كانت ثمة ظروف تدعو إلى ذلك طبقاً لقانوني التخطيط العمراني وتقسيم الأراضي المعدة للبناء واللوائح التنفيذية الصادرة بشأنهما. ويترتب على مخالفة هذا القرار عدم الاعتداد بقيمة المباني المخالفة عند استملاك الأراضي التي أقيمت عليها. وذلك من دون إخلال بالجزاءات المنصوص عليها في هذا القانون أو في قوانين أخرى».
وعزز المجلس البلدي رده على هيئة الإفتاء والتشريع القانوني، بأن «اللائحة التنفيذية لقانون البلديات والصادرة بموجب القرار رقم (16) للعام 2002 جاءت لتؤكد الاختصاصات المذكورة آنفاً التي يختص بها المجلس البلدي، وتضيف إليها حقه بموجب المادة (12 البند ط) من هذه اللائحة في المحافظة على أملاك وممتلكات البلدية واقتراح النظم الكفيلة تنظيم إدارتها واستغلالها والتصرف فيها ومنع التعدي عليها, وقواعد الانتفاع المؤقت بها, بما في ذلك استغلال الأراضي المغمورة بالمياه والمسطحات المائية الداخلة في نطاق اختصاص المجلس البلدي».
وبناء على ما تقدم، اعتبر المجلس البلدي الشمالي «ما دفعت به هيئة التشريع والإفتاء القانوني بعدم اختصاص المجلس البلدي بالبيئة البحرية، وبطلبات الدفان جاء خلافاً لقانون البلديات ولائحته التنفيذية». ملحقةً ذلك بأن «القرارات محل التداعي (الترخيص للدفان) لا تخضع لقانون تنظيم المباني، فهي قرارات صدرت متعلقة بدفان ثروة من الثروات الطبيعية، ومن ثم لا ينطبق عليها حكم المادة (22) من هذا القانون، ويكون دفاع المدعى عليهما الرابع والخامس برد الدعوى لتقادمها استنادا على هذه المادة في غير محله».
والتمس المجلس البلدي من المحكمة رفض الدفوع المتعلقة بعدم قبول الدعوى وقبول صفة المدعي في إقامتها، وقبول الدفع بعدم دستورية المرسوم رقم (24) للعام 2008 بشأن المخطط الهيكلي الاستراتيجي لمملكة البحرين والقرارات محل التداعي.
هيئة «الإفتاء والتشريع» تعترض
ويأتي رد المجلس البلدي بالإصرار على حقه استناداً إلى قانون البلديات رقم 35 للعام 2001 في شئون حماية البيئة والحفاظ على مواردها وما يلحقها من ثروة طبيعية، بعد أن أكدت هيئة التشريع والإفتاء عدم اختصاص المجلس في هذا الشأن.
وجاء في دفاع الهيئة أن «المجلس البلدي غير مختص بجزئية المحافظة على البيئة البحرية والثروة السمكية، والمحافظة على حقوق البحارة. حيث إن ذلك يقع ضمن اختصاص الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم (20) للعام 2002، بشأن تنظيم صيد واستغلال وحماية الثروة البحرية، والذي أناط بإدارة الثروة السمكية حماية الثروة البحرية». مضيفةً أن «المجلس البلدي غير مختص أيضاً بالنظر في طلبات دفان المشروعات، حيث إن دور المجالس البلدية وفقاً لأحكام اللائحة التنفيذية لقانون البلديات الصادر بالقرار رقم (16) للعام 2001 وفقاً لأحكام المادة (21) اقتراح رسوم دفان الأراضي البحرية».
وبررت هيئة الإفتاء في دفاعها عن موقف وزارة شئون البلديات في الترخيص لدفان «نورانا»، بأن «المجلس البلدي خرج على السياسة العامة للدولة، حيث إن المخطط الهيكلي الاستراتيجي للبحرين الصادر بالمرسوم رقم (24) للعام 2008 الذي يمثل السياسة العمرانية العامة للدولة، تضمن المخطط وبشكل واضح مواقع المشروعات المستقبلية ومنها مشروع نورانا، الذي حدد في المخطط على هيئة: (مواقع مستقبلية يتم تحديد شكلها بناء على الدراسات الهيدروديناميكية)، فإن توصية المجلس في هذه الجزئية تخالف السياسة العامة للدولة».
وبينت هيئة التشريع والإفتاء ضمن أسباب اعتراض وزير البلديات على قرار المجلس بإلغاء المشروع أيضاً، أن «المجلس البلدي غير مختص بتراخيص دفان المشروعات، وذلك وفقاً لأحكام المادة (33) البند (4) من اللائحة التنفيذية التي نصت على اختصاص إدارة الخدمات الفنية، وأما من جهة أخرى، فإن دفان المشروع قد تم بموجب رخصة رسمية صادرة من بلدية المنطقة الشمالية في 17 سبتمبر/ أيلول 2009 لكون المشروع متماشياً مع المخطط الهيكلي، وحصل على موافقة وحدة التخطيط المركزي بوزارة الأشغال التي تتضمن موافقة هيئة الكهرباء والماء بحسب الشروط الواردة في خطاب الوحدة في 28 يونيو/ حزيران 2009، وكذلك موافقة الهيئة العامة لحماية البيئة 29 أبريل/ نيسان 2009».
وبينت هيئة التشريع والإفتاء أن المجالس البلدية جزء من السلطة التنفيذية، وفُرض على قراراتها الوصاية بحيث لا تفعل ولا تنفذ إلا بعد عرضها على السلطة المختصة. وإن القول بغير ذلك يعد خروجاً على مراد المشروع الدستوري وابتداع طرق ووسائل لم ينص عليها القانون ومحاولة للخروج بالمجالس البلدية عن الحيز الدستوري والقانوني المرسوم لها في البلاد لتجعل من نفسها سلطة مطلقة بالمخالفة لقانون إنشائها، وكذلك الخروج على قواعد القانون الدستوري».
يشار إلى أن المجلس البلدي لخص ضمن لائحة دعوى القضية للمحامي حسن علي إسماعيل أسباب الدعوى، في أن «القرارات التي اتخذها كل من المدعى عليهما الأول والثاني بصفتهما، جاءت بالمخالفة لأحكام قانون البلديات واللائحة التنفيذية، ولأحكام الدستور والقانون المدني. وإن مشروع نورانا محل التداعي يعتدي على الشواطئ والسواحل والمنافذ البحرية ويدمر الصيد والثروة البحرية والبيئة، فضلاً عن أنه ينال من المشروعات الإسكانية المخصصة للقرى المجاورة له».
بتاريخ 7 يوليو/ تموز 2009 تقدمت المدعى عليها الرابعة (شركة منارة للتطوير بصفتها المطورة والمنفذة لمشروع نورانا) للمدعي (المجلس البلدي للمنطقة الشمالية) بكتاب تطلب بموجبه «الحصول على عدم ممانعة المجلس لعملية دفان أرض مشروع نورانا، حيث إنها المتطلب الوحيد غير المستوفى والذي يعوق إصدار الرخصة من قبل بلدية المنطقة الشمالية».
وبتاريخ 17 سبتمبر/ أيلول 2009 أصدر المدعى عليه الثاني (بصفته مدير عام بلدية المنطقة الشمالية) إجازة دفان للمدعى عليها الخامسة شركة (ان . إس القابضة/ أغادير البحرين القابضة) وهي الشركة القابضة لمجموعة شركات منها الشركة المدعى عليها الرابعة شركة منارة للتطوير، وذلك من أجل دفن العقار رقم 04029157، مقابل رسم دفان قيمته 370 ألفاً و546 ديناراً.
وبتاريخ 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2009، أصدر المجلس البلدي الشمالي قراراً بوقف دفان مشروع نورانا أوضح فيه أسباب القرار، وقد تم رفعه إلى المدعى عليه الأول (بصفته وزير شئون البلديات والزراعة) حينها، وفي اليوم التالي من تاريخ اتخاذه، وبتاريخ 24 نوفمبر 2009 خاطب المجلس البلدي المدعى عليه الثاني يشعره بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لوقف الدفان استناداً لقراره.
وبتاريخ 2 ديسمبر/ كانون الأول 2009 أرسل وزير البلديات (المدعى عليه الأول) كتاباً للمجلس البلدي (المدعي) ردا على قرار هذا الأخير طلب وقف دفان البحر لمشروع نورانا، تضمن أنه «ستتم إحالة هذا القرار إلى الجهة المختصة للدراسة، وانه سيوافي المجلس بالرد خلال شهر من تاريخه».
وفي تاريخ 1 فبراير/ شباط 2010، أصدر المجلس البلدي (المدعي) قرارا برفض الترخيص لإقامة المشروع محل التداعي رفضا نهائيا، وتم رفعه إلى المدعى عليه الأول في اليوم التالي من تاريخ اتخاذه. وقد اعترض هذا الأخير بتاريخ 18 فبراير 2010، على قرار المجلس رفض المشروع، مسبباً ذلك بأن «المشروع يقع ضمن معطيات المخطط الهيكلي الاستراتيجي لمملكة البحرين».
وبتاريخ 8 مارس/ آذار 2010، أصر المجلس البلدي مجدداً على رأيه «برفض إقامة المشروع وضرورة وقفه»، وقرر إعادة رفع هذا القرار للمدعى عليه الأول في 11 مارس 2010.
أما في تاريخ 9 مايو/ أيار 2010، قرر مجلس الوزراء تجميد كل الأراضي التي تقع خارج المخطط الاستراتيجي الهيكلي فيما عدا المنشآت العسكرية والأمنية، مثل: الأراضي الواقعة غربي المدينة الشمالية، وإيقاف منح رخص الدفان في جميع المنطقة الشمالية من بندر الساية بالمحرق شرقاً وإلى المدينة الشمالية غرباً، وكذلك المنطقة المحيطة بجزيرة المحرق باستثناء المشروعات ذات النفع العام، وذلك إلى حين الانتهاء من إعداد واعتماد مخطط تفصيلي للمنطقة مكمل للمخطط الهيكلي.
واستمرت أعمال الدفان والردم حتى الانتهاء من دفان مساحة المشروع بالكامل على رغم قرارات مجلس بلدي الشمالية وقف الدفان الفوري، وإحالة ملف المشروع إلى القضاء
العدد 3346 - الجمعة 04 نوفمبر 2011م الموافق 08 ذي الحجة 1432هـ