الدعاء صلة بين العبد وخالقه، تُثبت حالةً من افتقار الإنسان وعوزه إلى الخالق العظيم، وتنمي من حالة الإحساس العميق بالحاجة إلى الربِّ سبحانه والرغبة فيما عنده من رحمةٍ واسعةٍ وقدرةٍ على العطاء غير المحدود كالشفاء من الداء، ودفع أمواج البلاء، واللطف في القدر والقضاء، والإعانة على البأساء والضراء.
الدعاء باب الله الذي فتحه للبشرية جمعاء حيث يقول سبحانه: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ « (غافر:60)، لا يخَيبُ ولا يُخيّبُ مَنْ دعاه ووفد عليه، وغير خاسرٍ مَنْ قصده وأمَّل معروفه وفيضه، بابهُ مفتوحٌ لكل سؤول، وخيره مبذول، وفضله مباح، ونيله متاح، ورزقه مبسوط لمن عصاه، وحلمه معترضٌ لمن ناواه، رؤوف بالمطيعين، محسنٌ إلى المسيئين، دأبٌ دَأَبَ عليه الأنبياء والأوصياء والصالحين.
الدعاء في اللغة: جاء تعريف مصطلح الدعاء في كتب اللغة مثل (لسان العرب) للعلامة المشهور جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور (المتوفى 711 هـ)، وكتاب تاج اللغة وصحاح العربية لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (المتوفى 393 هـ)، وفي كتاب مقاييس اللغة للعلامة اللغوي أبي الحسين أحمد بن فارس القزويني (المتوفى 395 هـ)، بأن الدعاء هو أن تميل الشيء إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك، تقول دعوت فلاناً أدعوه دعاءً، أي ناديته وطلبت إقباله.
كما أثبت العلماء لمصطلح الدعاء في اللغة معاني أخرى: كالاستعانة والسؤال والقول والعبادة.
الدعاء في الاصطلاح: قال أبوالقاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (المتوفى 502 هـ) في مفرداته هو: «طلب الأدنى للفعل من الأعلى على جهة الخضوع والاستكانة»، وعرفه الشيخ جمال الدين أبوالعباس أحمد المشهور بابن فهد الحلي (المتوفى 841 هـ) في عدة الداعي بقوله: «هو دعاء العبد ربه جلَّ جلاله طلب العناية منه، واستمداده إياه المعونة».
الدعاء في آيات القرآن الكريم
والأحاديث الشريفة
طائفةٌ من الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الدعاء وتحُثُّ عليه، في أوقات الرخاء وعند نزول البلاء بل حتى قبله، ولعل الكثير منا عند نزول الشدائد العاصفة والمحن التي تعترض طريقنا هي التي تجعلنا نلجأ إلى الدعاء والتوجه إلى الخالق العظيم لكشف ما نزل بنا، وهذه حقيقة تحدث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: «وإذا مسَّ الإنسانَ الضُرُّ دعانا لجنبِهِ أو قاعِداً أو قائماً فلمّا كشفنا عنه ضُرَّهُ مرَّ كأن لم يدعُنا إلى ضُرٍّ مَّسّهُ» (يونس:12)، وفي آيةٍ أخرى «وإذا مسَكُم الضُرُّ في البحر ضلَّ من تدعُونَ إلاّ إياهُ فلمّا نجَّاكم إلى البرِّ أعرضتُم وكان الإنسانُ كفوراً» (الإسراء :67)، إلا أنه سبحانه وكما أسلفنا فتح باب الدعاء لكل البشر، بشتى توجهاتهم وانتمائهم، وما ذلك إلا لرحمته الواسعة وقدرته غير المحدودة على البذل والعطاء والتفضل على من سأله وقصده وأمَّل معروفه، بل إنه جلّت عظمته وعظُمت قدرته يعطي حتى مَنْ لم يسأله وَمَنْ لم يعرفه تحنناً منه ورحمة؛ وهو القائل عزَّ اسمه: «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة» (الأنعام:54).
هذه الرحمة جاءت على لسان نبيه الأكرم (ص) حيث قال: «أفضل العبادة الدعاء، وإذا أذِن الله لعبد في الدعاء فتح له أبواب الرحمة، إنّه لن يهلك مع الدعاء أحد»، ومن أروع النصوص التي تحدثت عن فضل الدعاء وأثره وتأثيره في حياة الإنسان ما جاء في نهج البلاغة لسيد البلغاء والمتكلمين علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع) في وصيةٍ لابنه الإمام الحسن (ع): «واعلم أن الذي بيده خزائن السماوات والأرض، قد أذن لك في الدعاء، وتكفّل لك بالإجابة، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وتسترحمه ليرحمك، ولم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه... فإذا ناديته سمع نداك، وإذا ناجيته علم نجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره من زيادة الأعمار، وصحّة الأبدان، وسعة الأرزاق، ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرت شآبيب رحمته».
آثار الدعاء
1 - الطمأنينة: للدعاء أثرٌ كبيرٌ جداً على مستوى الروح والجسد، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد المرضى من خلال تعلقهم بربهم سبحانه، أو على اصطلاح البعض الآخر تلك القوة العظيمة والطاقة الجبَّارة راحة وفسحة من الأمل، وهذا ما يشير له الحق تعالى في كتابه الكريم: «ألا بذكر الله تطمئن القلوب» (الرعد: 28)، وهذا هو ما أدركه الطبيب والجراح الفسيولوجي الفرنسي، البروفيسور كارل (Alexis Carrel) (المتوفى 1944م) في كتابه الشهير الدعاء (Prayer) الصادر في العام (1947م) والذي تحدث فيه بشأن أهمية الدعاء في الاستشفاء وتضميد الآلام والجروح حيث يقول: «الدعاء معراج روحي للإنسان نحو الله، وبالدعاء يتغلغل الله في أعماق ذواتنا، وهكذا يتبدى لنا أن الدعاء ضرورة لا يستغنى عنها لرقي الإنسان وتساميه نحو الأمثل والأفضل، فهو يعتبر وظيفة طبيعية للروح والجسد في آنٍ معاً بحيث لا يمكن الاستغناء عنها أبداً»، يذكر أن البروفيسور كارل حاصل على جائزة نوبل للطب في العام (1912م).
2 - تعميق أصل التوحيد: يمثل الدعاء أحد الركائز المهمة في تثبيت عقيدة المؤمن في خالقه سبحانه، فمن باب المثال نجد أن الأدعية غالباً ما تفتتح فقراتها بكلمة «اللَّهُمَّ» والتي قال العلماء في إعرابها إن أصل «اللَّهُمَّ» هو «يا الله»، فحُذف حرف النداء وعُوِّض عنه الميم المشددة، فهو منادى مبني على الضم، والميم للتعويض، لذا نجد أن هذه المفردة لوحدها تمثل توحيداً للخالق وتعلُقاً بتلك القوة والمشيئة والإرادة التي لا يقف أمامها شيء.
وعلى هذا الأساس كان الدعاء مدرسة من تلك المدارس التي تساهم في تأصيل عقيدة التوحيد، وتعمّق إحساسها بجبار السموات والأرض، ولا أوضح من قوله سبحانه وتعالى: «وإذا مسَكُم الضُرُّ في البحر ضلَّ من تدعُونَ إلاّ إياهُ فلمّا نجَّاكم إلى البرِّ أعرضتُم وكان الإنسانُ كفوراً»(الإسراء :67)، الأمر الذي توضحه الرواية الواردة عن أبي عبد الله الإمام جعفر بن محمد الصادق (المتوفى 148هـ) حينما سأله رجل فقال: يا بن رسول الله، دلّني على الله ما هو؟ فقد أكثر عليَّ المجادلون وحيّروني، فقال له: «يا عبد الله، هل ركبت سفينة قط؟ قال: نعم. قال (ع): فهل كُسر بك حيث لا سفينة تنجيك، ولا سباحة تغنيك؟ قال: نعم، قال (ع): فهل تعلّق قلبك هنالك أنَّ شيئاً من الأشياء قادرٌ على أن يخلُّصُك مِن ورطتك؟ قال: نعم. قال الإمام (ع): فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث».
3 - الأمل والثقة بالله تعالى: بمعنى حسن الظن بالله، والتوكل عليه، وعدم القنوط واليأس من رحمته، ويكفي في هذا المجال أن نورد هذا الحديث القدسي العظيم الذي تقشعر من عظمته الأرواح، ويوضح الرحمة الواسعة للخالق سبحانه، فعن رسول الله (ص) أنه قال: «يقول الله عزّ وجلّ: لأقطعنَّ أمل كلّ مؤمن أمل دوني بالإياس، ولألبسنه ثوب مذلة بين الناس، ولأنحينه وصلي ولأبعدنه عن قربي، من ذا الذي أمَّلني لقضاء حوائجه فقطعت به دونها، أم مَنْ ذا الذي رجاني بعظيم جرمه فقطعت رجاءه مني، أيؤمِّل أحداً غيري في الشدائد وأنا الحيّ الكريم، وبابي مفتوحٌ لمن دعاني، يا بؤساً للقانطين من رحمتي، ويا شقوة لمن عصاني ولم يراقبني».
الدعاء ومسألة القدر والقضاء
كثيرة هي الأبحاث التي تعرض فيها علماء العقائد والفلاسفة والمتكلمون حول مسألة الدعاء وارتباطها بالقدر والقضاء، والجبر والتفويض، وللإجابة على هذه الشبهة نقول:
أولاً: هذه الفكرة تعد من أحد أهم الإسرائيليات والمعتقدات التي لا تمتّ إلى شريعة سيد المرسلين (ص)، فهي دخيلة على الإسلام.
ثانياً:مبدأ الفكرة يقوم على انتفاء الحاجة للدعاء لأمرين هما:
1 - علم الله بوقوع الحدث واجبٌ بوقوعه.
2 - عدم علمه - جلّ عن ذلك ربنا سبحانه وتعالى - بوقوع الحدث واجبٌ لامتناع الوقوع.
خلاصة الرد على النقطة (2) أنها تتعارض مع المبادئ القرآنية والتي منها قوله سبحانه: «إنّ الله لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ» (آل عمران:5)، وكذلك ما ورد في حديث عن الإمام أبوجعفر محمد الباقر (المتوفى 114هـ) أنه قال:»من الأمور أمورٌ محتومةٌ جَائيةٌ لا مَحالة، ومِنَ الأمور أمورٌ موقوفةٌ عِندَ اللهِ يُقدمُ منها ما يشاء، ويُثبت منها ما يشاء»، وفي حديث آخر للإمام موسى بن جعفر الكاظم (المتوفى 183هـ): «لم يزلِ اللهُ عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء، كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء».
أما بالنسبة للنقطة (1) يمكننا أن نطلق على هذا المبدأ «مصطلح الجبر» الذي أخذ به البعض وعمل به، فترك الدعاء ومسألة الرب سبحانه! لماذا؟
هذا المبدأ يرمي إلى أن قَدَرَ الإنسان من الخير أو الشرّ، ومن السعادة أو الشقاء مرسومٌ له سلفاً، ومصيره مقدّرٌ مبرم، وليس بإمكانه أن يغيّر شيئاً منه، وهذا ما لا يقرّه عقلٌ ولا تقبله شريعةٌ أو حتى وجدان، بل أكثر من ذلك نراه يتعارض مع مبدأ الرحمة والعدالة، فضلاً عن بعثه لليأس والقنوط في النفس. يشار إلى أن هذه الرؤية الخاطئة اتُخذت كذريعة لدعم بقاء الحكومات الظالمة على عروشها وتبريراً لحالة الظلم وتكريساً للاستبداد بحق الرعية التي تحكمها.
رابعاً: قاعدة المحو والإثبات: قال تعالى: «يمحُو اللهُ ما يشاءُ ويُثبتُ وعندَهُ أمُّ الكتاب» (الرعد: 39). قال العلماء في هذه القاعدة إن لله تبارك وتعالى المشيئة في أن يقدم ما يشاء وأن يؤخر ما يشاء، بحسب ما تقتضيه أحوال العباد من حُسن الأفعال أو قبحها التي يقومون بها، والتي تسير بهم إلى طُرق الخير أو الشر وتؤدي بهم إلى سُبل السعادة أو الشقاء، لا محالة في ذلك.
مقتضى قاعدة المحو والإثبات يُكتب للعبد تقديرٌ أول، يُعلّق بتحقق شرط أو زوال مانعه، وكل ذلك متوقف على العبد وعمله لقوله سبحانه «إنَّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيّرُوا ما بأنفُسِهِم» (الرعد:11).
إن الدعاء لا يقع خارج دائرة القضاء والقدر، بل هو من أجزائها ومتعلق بها، متى ما اقتضت المشيئة الإلهية وقَعَ القضاءُ وجرى القدر، ولنا في نبي الله زكريا عليه وعلى نبينا وآله آلاف التحية والسلام خيرُ دليلٍ ومثالٍ يقُصُّهُ علينا القرآن الكريم حيث المقدَّر في علم الله سبحانه أنْ يولد النبي يحيى (ع) لنبي الله زكريا (ع)، إلا أن القضاء والقدر والمشيئة الإلهية اقتضت أن يبلغ زكريا من العمر عتياً، وزوجته كبيرة في السن تتجاوز سن الإنجاب، إلى أن كان الدعاء منه إلى الله تعالى «رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ « (الأنبياء:89)، فيأتيه الجواب من الحق سبحانه» فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ « (آل عمران:39)، وفي جواب آخر في قوله سبحانه: «فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ « (آل عمران:39)، كل ذلك بسبب الدعاء المستمر والمتواصل في كل آنٍ وحينٍ لرب الأرض السماء «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ» (الأنبياء:90). والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.
أحمد عبدالله
عندما تتقطع الأنامل الناعمة
يبكي الليل
على موت القمر
والشمس لا تعشق
الغروب
وعندما تسقط الدمعة تأتي هبوب الموت
بالكفن البراق القبيح
هذا هو سكون الموت
طريق مجهول
لبداية رحلة جديدة
مزينة برائحة
الكافور
شاهد القبر
يشهد
على قساوة القلوب
لا فائدة من شهادة
ميلاد دائمة
والجسد مدفون
صالح ناصر طوق
العدد 3345 - الخميس 03 نوفمبر 2011م الموافق 07 ذي الحجة 1432هـ
المصلي
الدعاء هو صلة حميمة بين الخالق والعبد ولكن يشترط في استجابة الدعاء الطهارة القلبية والطهار ة الجسمية اما الطهارة القلبية فهي خلو الأنسان من الحقد والحسد والنفاق وغيرها واما الطهارة الجسدية فعلى الأنسان ان يكون على طهارة مطلقة في الملبس والمأكل والمشرب وغيرها أما المكان له دورا اساس في استجابة الدعاء فمثلا استجابة الدعاء في بيت الله المعظم وتحت قبة النبي ص والمشاهد المعظمى للأئمة الطاهرين وخصوصا تحت قبة المولى الأمام الحسين ع فستجابة الدعاء شىء مؤكد اذا استوفت الشروط المذكورة في هذا النص