الإحاطة بمآزق العالم تقودك إلى الإحاطة بمآزقك، وليس العكس. الخروج من العزلة باتجاه العالم يمنحك صفة المواطن الكوني؛ وإن لم تبرح مكانك/ وطنك.
تصبح مواطناً كونياً بقدرتك على إحداث تغيير وتأثير في محيطك وما بعده. بقدرتك على المبادرة، وقدرتك على الإصغاء لما حولك. أن تتأمل لا أن تتفرج. الفرجة لم تصنع واقعاً ولم تحركه. ما يصنع الواقع هو الدخول في شراكة الصنع. أن تكون جزءاً من المبادرة وروحها.
والذين صنعوا الفارق في الحياة لم يأووا إلى ركن قصي أو مغارة أو غلَّقوا الأبواب وحصروا العالم في أمكنتهم وحيزاتهم؛ بل صنع الفارق الذين ذهبوا إلى النقيض من ذلك، وقوفاً على طبيعة الحياة ومشكلاتها ومآزقها، محاولة واجتهاداً ومبادرات في طريق الوصول بها إلى حالات من التوازن والاستواء والإبداع والفعل الخلاق.
ولدى كل منا عالم هو من يتحكم في أن يجعله عاقلاً أو مجنوناً، تماماً كما الحياة، يملك كل منا أن يحولها إلى حياة عاقلة أو مجنونة بمدى استعداد كل منا في الذهاب إلى الخيار الذي يرتئيه؛ فنحيل عوالمنا إلى عقل متجدد بتجدد رؤيتنا واكتساب المزيد من المعارف وتراكم كثير من القيم والأخلاق والخبرات، وباستطاعتنا أن نحيلها إلى مختبرات وشواهد للجنون بمدى استعدادنا أيضاً للذهاب إلى نهاية الشوط لنسف كل قيمة للعقل وردم كل معنى لضمير وقيم وأخلاق. والأمر ذاته ينطبق على الحياة التي وجدنا أنفسنا أعضاء وأطرافاً في حركتها.
كل اضطراب وخلل وعطب وقلاقل ونهايات تطل برأسها في هذه الحياة يظل الإنسان هو الأول والأخير المسئول عن نتائجها الكارثية التي نجابه بها كمجموع بشري. قلت، إن الحياة عاقلة بإدارتنا لها بالعقل؛ إذ لا عقل لها بعيداً عن تفاعلنا ومبادراتنا وتأثيرنا وتحركنا. نحن عقلها إذا استوينا واستوى عقلنا. عقلها يكمن في كل ذلك من طرفنا، وجنونها يتضح ويبرز بتخلينا أو انحيازنا للنقيض من كل ذلك.
الخوف والقلق الفائض والحروب والانتهاكات والتجاوزات والخروج على إجماع العقل السوي والمتزن المحكوم بالضمير والأخلاق، والاحتكام إلى الأوهام والهواجس وما يصيب النفس البشرية من خلل لا يمكن له أن يؤدي بهذه الحياة وإنسانها إلى استقامة أو استقرار أو تعايش حتى مع نفسه قبل الحديث عن التعايش مع ما عداه.
تظل الحياة فارغة حين تمتلئ بالوهم. وهم قدرتنا على الحياة بعيداً عن مواجهة متطلباتها ومشكلاتها ومآزقها والألغام التي تنتظرنا في الطريق إلى إنجاز وفعل يترصده أعداء الحياة وأعداء المبادرات وأعداء الإنجاز وأعداء النجاح.
لا يظنن أحد أن الفاشلين سيظلون متفرجين على صور وحركة وشواهد النجاح من حولهم من دون أن يحركوا ساكناً، تشويشاً عليه وتهكما على مآلاته. من دون أن يحركوا ويحفزوا أمراضهم وعقدهم في سبيل صده وإعاقته والحيلولة دون تحقيق نتائجه على الأرض.
الفاشلون غافلون بإشاعة الفشل من حولهم. غافلون ماداموا بعيداً عمَّا يستفز ويذكر بفشلهم؛ لكنهم يقظون ومنتبهون لما يذكرهم بذلك الفشل. لما يذكرهم بعبئهم على الحياة والمأزق الذي يضعونها فيه.
وتظل الحياة ممتلئة ومترعة كلما انحسر عنها الوهم، وكلما تبدَّد في نفوس الذين من المفترض بهم أن يصنعوا واقعها وحقيقتها وصورتها ومعناها وقيمتها الحقيقية. مترعة بالفعل ومليئة بالمبادرات ومشحونة بالتوق إلى التحول ولا فصل بين الامتلاءين. وإشارة مارسيل أشار: «الأحلام خلقت لكي لا يتولانا السأم ونحن نائمون». لا علاقة لها بطور الوهم الذي ينتاب الحياة في لحظات ضعف أو فشل أو كوارث. وثمة برزخ بين الأوهام والأحلام. الأوهام تستند إلى العدم واللاقيمة واللامعنى؛ فيما الأحلام تقبض على الحياة وقيمتها ومعناها.
ونحن لا نكبر بالحياة. الحياة تكبر بنا، وبقدرتنا على ضخ مزيد من القيمة والمعنى في روحها وحركتها وفعلها الذي هو فعلنا وحركتنا وروحنا مادامت متسقة مع هدف الإعمار والإحياء على أكثر من مستوى. الحياة تتنفسنا بالفعل الخلاَّق ونتنفسها بترجمة ذلك الفعل إلى صور تقود إلى القيمة والمعنى والأثر
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3344 - الأربعاء 02 نوفمبر 2011م الموافق 06 ذي الحجة 1432هـ
نعم يبنتي
بعض المتميزين والممتازين في شغله شق الصف هم يبنتي حياتهم فارغه من كل مضمون مقيد وتري كروشهم على كبرها جوفاء كجوف الطبل الصوت عالي والجوف خالي والعياذ بل الله عز وجل لم يعرفوا ان الرجل يسبر ويختبر بكلمه كا قال سيد المتكلمين الامام علي اهاب الرجل حتى يتكلم
حماش الله
الله يبعد عنش وعنا الوهم استادة مقالة جميلة جدا
الوهم متعب جدا خصوصا لما يتعلق بالحب او العمل او الحالات المصيرية
حماش الله
الله يبعد عنش وعنا الوهم استادة مقالة جميلة جدا
الوهم متعب جدا خصوصا لما يتعلق بالحب او العمل او الحالات المصيرية
رائع جدا
الفاشلون غافلون بإشاعة الفشل من حولهم. غافلون ماداموا بعيداً عمَّا يستفز ويذكر بفشلهم؛ لكنهم يقظون ومنتبهون لما يذكرهم بذلك الفشل. لما يذكرهم بعبئهم على الحياة والمأزق الذي يضعونها فيه.
رائع جدا استاذة سوسن