العدد 3344 - الأربعاء 02 نوفمبر 2011م الموافق 06 ذي الحجة 1432هـ

ربيع برائحة الدم لا الورد

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

الربيع العربي يثبت أن المنظومة السياسية العربية ظلت مستمرأة الخريف الذي وضعت فيه شعوبها وأبدت مصيرهم فيه. الربيع العربي قام ونهض وفاجأ العالم كل العالم بتحضره. هل أفهم أن الربيع متحضّر، والخريف متخلف؟ فقط أسأل.

الربيع كفصل، يمارس دورته الطبيعية المرسومة له من الخالق على أمم الأرض؛ إلا في الجغرافية العربية، يراد له أن يكون خارج تلك الهيمنة والإرادة. ثمة جحيم وثمة خريف وثمة شتاء مقيم، والفصول الثلاثة ممجوجة ومكروهة حتى من البهائم، ويراد لشعوب الجغرافية العربية أن تنسجم مع كل جحيم وخريف وشتاء، وأن تُسقط الربيع من أجندتها في الحياة!

***

كم من طاغية في الخريف العربي نكّست له الأعلام بعد رحيله، وبعد أن رتّب تركة ووراثة الأمة والشعب؟ وكم من شهيد طورد وحورب حتى وهو في قبره، عبر التضييق على من لهم صلة به، فقط لأنه تجرأ على رفع الصوت وفتح الفم؟

لا نتحدث هنا عن حقه في تنكيس علم؛ لأن الطاغية بعد رحيله وحده الذي يحتكر الشهادة في أوطان بهكذا مواصفات، وله وحده الحق في تنكيس رؤوس شعبه لا الأعلام وحدها.

***

حتى الربيع كفصل من الفصول في بلدان الخريف السياسي العربي، لا يختلف كثيراً عن المدخل المؤدّي إلى جهنم.

***

لم نلتفت إلى الفصول إلا عبر فصول احتجاج الشارع العربي المتحضّر والسلمي. لم نعرف السيد الربيع الذي كان يعبر كأي مخلوق كل تسعة شهور في شارع مزدحم بهموم ومآسي الخلق، على رغم بهائه ووسامته وآخر صرعات أزيائه. التفتنا إليه يوم أن عبر حدودنا وهو مكلّل بالدم والشهداء والأطراف المبتورة والمهجّرين وتكدّس أعداد الأرامل واليتامى. ربيع برائحة الدم لا الورد.

***

الأصوات المخوِّنة والمثبِّطة والمحرِّضة على الربيع المفاجئ لخريف مزمن، والمطالبة باقتلاعه ونفيه وقطع دابره حتى «لا تكون فتنة»، هي خارج الفصول، وخارج دورة الحياة، وخارج المكان الذي منه تخوِّن وتثبِّط وتحرِّض.أصوات لم تعتد إلا على ربيعها الاصطناعي والخاص والمؤبَّد، كما تتوهم؛ فيما الخلق في جحيم نهائي ومفتوح على تناسل أكثر من فظاعات ومحارق.

***

الشعب العربي هو الوحيد بين شعوب الدنيا الذي استطاع أن يصمد ويتحمَّل ويأمل في تغيير فصل ظل جاثماً عليه لأكثر من ستة عقود (فصل الجحيم/ الخريف)، وحين طفح به الكيل، صار متهماً بالتواطؤ مع فصول خارجية ومغرضة وتضمر شراً للفصل الذي فطمت عنه أجيال! من يقوى على مجاورة الجحيم، عدا الدخول في غرفه ودهاليزه؟

***

حين تتعب المخلوقات تتثاءب، والتثاؤب نوع من احتجاج البدن على الرتابة أو الإرهاق؛ ولكن في صورة بليدة لا خيار لك فيها، ويراد للمواطن العربي قبل الربيع العربي أن يسهر على حفر قبره حين يشعر بالرتابة أو الإرهاق أو السأم. السأم من أي شيء. لذلك ازدهرت عندنا تجارة القبور وراج رفع الجثامين، متجاوزة بذلك تجارة أعياد الميلاد أو ما يدل على الفرح.

***

يراد للعربي في ظل الخريف المزمن أن يكون من دون صوت أو أظافر أو سمع أو نظر أو خيار أو سعي. يراد له أن يكون لصاً في مكمن، ومهرِّب بضائع مقلّدة أو أسلحة في منفذ للجمارك، وشريط تسجيل يصدح بالمديح والثناء مع كل خطاب رسمي، ويراد له أن يكون مؤمِّنا مع كل دعاء، ولا يهم لمن وما هو موضوع الدعاء، ويراد له أن يكون مخصياً في روحه!

***

الربيع العربي يجب أن يُقرأ في سياق إغلاق الأفق. في سياق إغلاق محكم للخيارات، ومصادرة مطلقة لأدنى الحقوق ونهب لكل هواء وتراب ونار وكرامة وقيمة ومعنى لإنسان لا يطلب غير أن تكون جبهته باتجاه الأفق والسماء، لا موضوعاً للتراب والانحناء وإدمان الطاعة والركوع

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3344 - الأربعاء 02 نوفمبر 2011م الموافق 06 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 7:38 ص

      وهكذا ياجمري خدعت الذليل البوصله

      هكذا العالم يارجل زحفت على بطونها لمنابع الحريه غير ابهين بلجوع ولا بلتعذيب نعم ورد ربيع العرب روي من منابع النجيع الطاهر وهاهو الربيع ياجمري يتكرر بين جيل وجيل وهاهم عشاق الحريه في بلادنا العربيه يطحنون بين رحى الغدر و رحى التخوين ولاكن كل ماهو زائف سيزول وسيبقى النافع الخالد المروي بدم احرار العرب
      الذين سطروا اروع ملاحم الاباء ورفض الخنوع

    • زائر 4 | 6:29 ص

      الاصوات المنفرة

      الاصوات المنفرة المغردة خارج سرب ما يصبو اليه أبناء الوطن من وحدة وتفاهم ومودة عبر وسائل الاعلام الرسمي هي توقيت فصل الخريف اليومي في ممــــــلكة الـــــبــــــحرين!!!!.

    • زائر 2 | 2:17 ص

      الربيع ربيع الورود و الزهور وليس الدماء

      ظلم العرب الربيع فبدلا من كونه ربيع فرح وورد
      صار ربيعا احمرا ملطخا ببالدماء..... الله يرجع لنا الربيع الطلق ....

    • زائر 1 | 12:03 ص

      صباحك جميل

      شكراً على المقال الراءع وكل عام ونت بخير

اقرأ ايضاً