يصح أن يقال إن بعض الأمور لا تعرف إلا بأشباهها، ولا تكتشف إلا بمعرفة نظائرها، وكأن الشبه أو النظير مرآة تعكس حقيقة شبيهه ونظيره الآخر.
يوم أعدم طاغية العراق صدام حسين تلقى العراقيون السهام من كل حدب وصوب، لم يكن أحد يرغب في الاستماع لوجهة نظرهم، ولا في استيعاب معاناتهم الإنسانية من صدام، ولا في الاعتراف بحقهم في إعدامه.
ولعل منصفٌ يتذكر كيف مُجِّد صدام حتى تحول إلى بطل للعروبة، وشهيد من شهداء الإسلام، وحامل أمين لراية الدين، وناصر صابر لأتباع سيد المرسلين.
الإعلام لم يكتف بتمجيد صدام، بل أهان من أعدموه، ولم يتوقف عندهم كأشخاص، بل تمادى وتجاسر وانفلت ليستدعي التاريخ ويقلب أوراقه، وليعرج على أمور مقززة وبغيضة لا علاقة لها بإعدام ظالم بعد محاكمته وثبوت إدانته.
يومها كان التساؤل يتحرك بقلق في الأعماق، هل نـُسي صدام الاحتلال؟ وصدام البعث؟ هل نسي شهداء العراق وسجون العراق ومجازر العراق؟ وهل فقدت ذاكرتنا ملايين اللاجئين من العراقيين الذين مددتهم الأقدار على بقاع المعمورة كلها من دون استثناء؟
قسوة المكنة الإعلامية أوحت لكل عربي أن إعدام صدام في يوم العيد هو جرم لا يعلوه جرم آخر، وفرحة الذين نفذوا حكم الإعدام فيه مصيبة حلت على العراقيين وكشفت مستورهم، وأبانت ما تخفيه قلوبهم، واستمر الإعلام يجهز على ما بقي سالما معافى من طبيعة العراقيين الطيبة، فتنكر لإنسانيتهم، واستخف بمعاناتهم، وألصق بهم من التهم ما يتعالى عن التفوه به أبناء الشوارع، من دون حياء وخجل ومن دون ورع، فما لا تقبله لغة الشوارع، قد تستسيغه شريعة الغاب، وشريعة التعصب الأعمى، وشريعة الإعلام المريض.
يحسب لأبناء دجلة والفرات حين شهدوا ما شهده العالم من نهاية قاسية للقذافي وبطريقة غير متوقعة - بعد أن وقع في الأسر - أنهم لم يرمِّزوه لأن ترميز المجرم جريمة، ولم يعطوه من الأوسمة ما لا يستحق، لأنها مشاركة للظالم في ظلمه، ولم يعتبروه مظلوما شهيدا، لأن ذلك كذب وافتراء لا يسوغ استعماله وتعاطيه، ولم يرفعوا صوره لأنه إعلاء لشأن الظالمين، ولم يشوهوا من قتله مع ما يمكن أن يقال في طريقة قتله.
يحسب لأبناء دجلة والفرات أنهم شعروا صادقين بحرقة المظلوم، ووضعوا أنفسهم موضعه، وتذكروا ويلات الظلم التي حلت بهم، ففرحوا للشعب الليبي دون عصبية أو شعور بالاختلاف أو التمايز، لأن الظلم قبيح في ذاته من أي أحد صدر، ولأن المظلوم يستحق أن يفرح له إذا تخلص من ظلمه، لأن ذلك انتصار للإنسان ولقيم السماء التي كرمت الإنسان كإنسان.
يحسب لأبناء دجلة والفرات مكيالهم الواحد، فلم يعمدوا للكيل بمكيالين، لم يكن ظلم الأبيض حراما وظلم الأسود جائزا ومطلوبا، بل هو كيل واحد يرفض الظلم من الظالم، دون أن ينظر إلى من وقع عليه.
يحسب لشعب العراق الأبي ابتعاده عن ردود الفعل الخاطئة تجاه كل من أساء إليه، وقد تابعت بعض ما كتبه العراقيون بعد مقتل القذافي، فرأيتها فرحة هادئة إنسانية، تحمل الأمل، وتنطلق من بصيرة وفهم ووعي، لم تنجر إلى المستنقع الذي رسم لها، ولم تقع في الفخ الذي توقع الكثيرون وقوعها فيه.
ويحسب للأجواء الدينية في العراق بكل أطيافها محافظتها على ثقلها ودينها وسلامة سريرتها، وابتعادها عن سلوك التهييج والتحريض تحت أي عنوان أو دافع سياسي، فتحية من القلب لكل العراق بكل مكوناته، وألف شكر لأبناء العراق، أبناء تضاريسه، أبناء تاريخه، أبناء حضارته وإسلامه وعروبته
إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"العدد 3341 - الأحد 30 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي الحجة 1432هـ
ليس كل العراقيين
أوافقك الرأي في نضج ووعي الشعب العراقي ولكن الشيء بالشيء يذكر ففي العراق وليس في ليبيا يقتل الانسان لأسمه ولعمامته ولسرواله
فكم قتل من السنة والشيعة فقط لأن أسماءهم عمر وعبدالزهره وكم قتل من الأكراد لأنهم يلبسون السروال الكردي
صدام و معمر و صالح وبشار كلهم مجرمون ومسؤلون أمام الله عن الدماء التي أهرقت وعن الأرواح التي زهقت
مهما تغنى المغنون وتملق المتملقون يضل المجرم مجرما....
كل اناء بما فيه ينضح
مقال اكثر من رائع ، انصف أهلنا في العراق . واولا واخيرا .. لآ يصح الا الصحيح . شكرا لكم ... شكرا لكم .
كلنا نحب العراق
شكرا على المقال