بتوصية من منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم والآداب (اليونسكو)، أوقفت مؤسسة كريستي العالمية مزاداً مخططاً له هذا الشهر لبيع «بوذا الصائم»، وهو تمثال عمره أكثر من ألفي عام من حضارة «غندهارا»، يُعتقد أنه سُرِق من باكستان وبيع لأحد هواة جمع الآثار في ألمانيا في ثمانينيات القرن الماضي. يتوجب على السلطات الباكستانية إثبات ادعاءها بأن عملية البيع غير قانونية إذا أرادت استرجاع هذه القطعة الأثرية الثمينة. بقي أن نرى ما سيحصل لهذه القطعة الأثرية، إلا أن هذه الأخبار تثير إدراكاً للتراث الثقافي الفني لهذا البلد، على رغم صورته التي تتلطخ بشكل متزايد كمركز لقِصَر النظر وعدم التسامح.
يعتبر التراث الثقافي لباكستان، الذي يقع على تقاطع طرق جنوب آسيا ووسطها وغربها ومنطقة الخليج العربي، متنوعاً وفريداً. وتتراوح مواقعها التاريخية بين المستوطنات الحضرية القديمة في موهنجو دارو من حضارة وادي الإندوس في السند وحضارة الغندهارا الغنية، إلى النصب التذكارية المغولية ومعابد الصوفيين المسلمين وهياكل السيخ والهندوس وهندسة العصر الاستعماري المعمارية، إضافة إلى عجائب طبيعية متنوعة.
إلا أن التنوع الثقافي الباكستاني وطبيعتها الغنيّة لا يحصلان إلا على اهتمام قليل مقارنة بالمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهائلة التي تواجه الدولة. من سوء الحظ كذلك أن الصورة العالمية الحالية لباكستان تغطّي على التراث الثقافي للدولة، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من العزلة الدولية. وحتى يتسنى عكس هذه التوجهات المزعجة من الحيوي لفت الانتباه إلى تراث الدولة الثقافي واستغلال إمكاناتها لتشجيع صورة أكثر توازناً للدولة.
وحتى يتسنى عمل ذلك من الضروري لمؤسسات الدولة ذات العلاقة أن تبذل جهوداً أعظم لحماية وتشجيع تطلعات المجال الواسع من الجماعات العرقية واللغوية التي تقام في باكستان. بدلاً من ابتكار تدخلات بيروقراطية من الأعلى إلى الأسفل، يتوجب بذل الجهود لتشجيع مشاركة أوسع من قبل المجتمعات المحلية المهمّشة، بمن فيهم النساء، في الحفاظ على وإدارة الأصول الوطنية الثقافية المتنوعة، بما فيها المباني التاريخية والأدب المحلي والفولكلور وحتى الموسيقى. ففي نهاية المطاف، يشهد هذا التراث على التنوع الغني للثقافات والديانات في هذه الأرض ولقرون طويلة.
تعترف وزارة الثقافة الباكستانية بالحاجة لإدراك وتشجيع التنوع الثقافي، بما في ذلك تقدير واحترام تجمّع الثقافات التي طالما شكّلت جزءاً من تاريخ باكستان. إلا أن الأولويات المنخفضة وانعدام الموارد الكافية لإدراك هذا الهدف نتجت عنه محاولات مؤقتة لتشجيع التراث الثقافي، ومعظمها على شكل تجديد أو حفاظ على عدد محدود جداً من المواقع التاريخية، مثل حدائق شاليمار التي تعود إلى القرن السابع عشر والتي بناها الإمبراطور المغولي شاه جيهان، أو قلعة لاهور التي تعود إلى القرن السادس عشر والتي بناها الإمبراطور المغولي أكبر. هناك غياب لإجراءات عملية للحماية والحفاظ والصيانة لمواقع تراثية متنوعة أخرى متناثرة في أرجاء باكستان.
قام استطلاع أجرته جامعة «القائد الأعظم» السنة الماضية بتوثيق 450 موقعاً تراثياً في إسلام آباد وراولبندي وحدها، هما في أمس الحاجة للحماية والحفاظ عليهما. وتضم هذه المواقع معابد بوذية وكهوفاً قديمة وملاذات صخرية وهياكل ومعابد مختلفة. وتتعرض عمليات الحفاظ على المهارات التقليدية والحرف اليدوية والموسيقى والأدب وتشجيعها لتهديدات مماثلة نظراً لانعدام سياسات حفاظ ملائمة ودعم مادي.
ويتم تعريض تراث باكستان الطبيعي كذلك إلى هجمة الضغوط السكانية والاستغلال التجاري. وعلى رغم أن الحكومة اتخذت بعض الخطوات لحماية البيئة عن طريق إيجاد هيئات حماية بيئية على المستويات الفيدرالية والإقليمية، إلا أن هذه الكينونات مستمرة في الكفاح مع مجموعة من الموارد ونقص القدرات تظل بسببها غير فاعلة في وقف تهديد الامتداد العمراني وقطع الغابات وتلوث التراث الطبيعي الباكستاني الذي لا يمكن استعادته.
ربما توفّر السياحة الثقافية أفضل السبل لتشجيع الأصول الثقافية، وفي الوقت نفسه الحصول على فوائد اقتصادية منها. هناك أمثلة دولية كثيرة من جنوب شرق آسيا وأجزاء من إفريقيا وأميركا الجنوبية تشير إلى كيفية حماية المواقع الثقافية والبيئية من خلال تبني خطط سياحية مستدامة. وعلى رغم وجود إمكانات هائلة كامنة للسياحة في باكستان إلا أن انعدام الأمن المتنامي في البلاد يجب التعامل معه أولاً.
وعلى رغم أنه لا يمكن إجبار السياح على زيارة باكستان، يمكن لصانعي القرار أن يبدأوا ببذل جهود صادقة لتشجيع استراتيجيات التراث الثقافي الذي يمكنه التغلب على التوجهات المؤذية للتباعد والخلاف الداخليين. في نهاية المطاف، لن يؤدي منظور شمولي لتراث باكستان الثقافي، يرتكز على التسامح والشمولية والتناغم في التنوع، كعامل مهم إلى جانب متطلبات أخرى للحفاظ على القانون والنظام والحوكمة الجيدة، إلى الاستقرار الداخلي فحسب، وإنما سينشّط احتمالات السياحة في الدولة كذلك
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3341 - الأحد 30 أكتوبر 2011م الموافق 03 ذي الحجة 1432هـ