نقرأ في اللغة (لَعَبَ الصبيُّ لعباً): أي سالَ لعابُهُ من فمه.
واللعب في الاصطلاح «نشاط موجَّه يقوم به الأطفال لتنمية سلوكهم وقدراتهم العقلية والجسمية والوجدانية، ويحقق لهم في الوقت ذاته قدراً من المتعة والتسلية، من خلال استغلال أنشطة اللعب المتعددة في اكتساب المعرفة وتقريب مبادئ التعلم للأطفال وتوسيع آفاقهم المعرفية».
إن جاز لنا القول، فثمة ارتباط وثيق بين اللعب من المنظور اللغوي من جهة، واستثارة دافعية الطفل نحو التعلم من جهة أخرى.
ما يؤكد هذا المعنى إحدى نظريات التعلُّم للعالم الروسي إيفان بافلوف، الذي أشار إلى قوة الارتباط بين المثير والاستجابة (صوت الجرس وسيلان لعاب الكلب إلى فمه بمجرد سماع خطوات الشخص الذي يقدم له قطعة اللحم).
القرآن الكريم يشير إلى مفهوم «اللعب» في قصة يوسف (ع) كأسلوب لكسب تعاطف الآباء، عندما ألحَّ أبناء يعقوب (ع) على أبيهم اصطحاب يوسف (ع) معهم، قال تعالى: «أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون» (يوسف: 12)، على أساس أن يوسف لايزال صبياً وهو يميل بطبعه الطفولي والإنساني إلى اللعب، وليس من الصحيح ـ بحسب تصورهم ـ حبسه في البيت، فهم حريصون على حمايته، لذا أصبح يعقوب (ع) في زاوية ضيقة، فإن لم يرسل يوسف مع إِخوته فهو تأكيد على اتهامهم له من قبل بالإفراط في حب يوسف وتفضيله عليهم، كما أن طلبهم لقي تقبلاً واستحساناً من يوسف للذهاب مع إخوته للتنزّه، واستنشاق الهواء الطلق خارج المدينة.
من دون أدنى شك أن للطفل حقاً في اللعب كما ورد في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة في العام 1989، لأنه من خلال اللعب يكتسب الطفل السلوك الصحيح، ويحرره من حالة الرتابة والملل والتوتر النفسي، لينفتح على القوانين والمفاهيم الأخلاقية كالشراكة والحوار واحترام حقوق الآخرين الذين يعيش معهم في المدرسة أو الحي وما إلى ذلك، وخصوصاً إذا كان يلعب ضمن مجموعة من أقرانه، فاللعب يعدُّ وسيطاً تربوياً نشطاً يساهم بدرجة كبيرة في تشكيل شخصية الطفل.
الكلام نفسه ينسحب على الألعاب التعليمية للأطفال، فمتى ما أحسنـَّا توظيفها بالشكل الصحيح، عند الإعداد والتخطيط لها وتنظيمها والإشراف عليها، فإنها حتماً ستؤثر في اكتساب الطفل للمعارف والمهارات التواصلية، وفقاً لمفهوم «تفريد التعلم» لمواجهة الفروق الفردية بين الأطفال وحل بعض مشكلاتهم.
الألعاب التعليمية كثيرة ومتنوعة، إلا أن أكثرها ملاءمة في مجال التربية على حقوق الإنسان «لعب الأدوار»، حيث يقوم المعلم بتقسيم الأطفال على مجموعات، ويحدِّد قواعد اللعب بشكل واضح ومناسب لخبرات وميول وقدرات الأطفال وباللغة التي يفهمونها، ليقوموا هم بدورهم بتقمُّص الأدوار المطلوبة منهم بكل حرية واستقلالية، لأن دور المعلم في هذا السياق هو التوجيه والإرشاد وتقديم المساعدة، والتدخل في الوقت المناسب، ليقوم في نهاية الحصة بإجراء عملية مراجعة وتقويم للتأكد من مدى فاعلية اللعب في تحقيق الأهداف الموضوعة.
قبل فترة مضت، اطلعت على نسخة من رزمة التربية على حقوق الإنسان للأطفال «ألعاب من أجل حقوق الإنسان»، وهو جزء من مشروع التربية على حقوق الإنسان ومناهضة التمييز وحل النزاعات بصورة سلمية في برامج التربية اللا صفية للأطفال، حيث تعزز أنشطة الرزمة سبع قيم إيجابية لدى الأطفال من عمر 6 إلى 12 سنة والعاملين معهم، وهذه القيم هي: التعاون والاحترام والعدالة والإشراك واحترام التنوع والمسئولية والقبول.
الرزمة تحتوي على قسمين، الأول: المواد المرجعية، ويحتوي على فهرس للأوراق المرجعية للتعرف على مبادئ وقيم حقوق الإنسان وكيفية حل النزعات سلمياً وكيفية قيادة الأنشطة ومناقشة المجموعات مع الأطفال. أما القسم الآخر: فيتضمن الأنشطة التعليمية، وذلك بحسب العمر والقيمة والقضية.
هذا المشروع يقوم بتنفيذه المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا لمنظمة العفو الدولية في بيروت، بالشراكة مع المركز الدولي لتعليم حقوق الإنسان (إكويتاس) في كندا.
وزارة التربية والتعليم في البحرين هي الأخرى مطالبة ببذل الجهود الرامية لتعزيز الثقافة الأممية للتربية على حقوق الإنسان في الفضاء المدرسي، حيث نظمت مطلع العام الدراسي الجاري 2011 ـ 2012 ورشة تدريبية بعنوان «ألعاب من أجل حقوق الإنسان»، بالتعاون مع وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والشبكة العربية للتربية على حقوق الإنسان والمواطنة بمشاركة 30 من المعلمين الأوائل والاختصاصيين من مختلف إدارات الوزارة، بهدف تدريبهم على كيفية تعزيز قيم حقوق الإنسان والسلوك الإيجابي للطلبة من سن 6 إلى 12 سنة، وإدماج قيم حقوق الإنسان في المواقف والسلوكيات اليومية، وتشجيع الطلبة على احترام الإنسانية والمساواة والتعاون والاحترام والعدالة والمسئولية وقبول الآخر، عن طريق الأنشطة المعززة لقيم حقوق الإنسان وخلق مناخ إيجابي وتنمية قيم الانفتاح واحترام الرأي الآخر، من أجل زيادة وعي المشاركين بمبادئ حقوق الإنسان وتعزيز مهاراتهم في هذا المجال، ومساعدتهم على تطبيق ما تعلموه في مدارسهم.
ونحن في الوقت الذي نشجع مثل هذه المبادرات البيداغوجية، نرى لزاماً أهمية أن تنصب جهود الوزارة في مشاريعها التطويرية على مرحلة التعليم الأساسي لا من التعليم الثانوي، إيماناً منا بأهمية المرحلية والتراكمية في الحقل التعليمي، وعليه فإننا مطالبون بأن نتعاطى مع الطفل بمزيد من الوعي والذكاء والاهتمام والرعاية، فهو مشروع إنسان جدير بالدراسة والتحليل، ولا أدل على ذلك من علاقته الاستراتيجية باللعب، حيث انها «علاقة سياسية» بامتياز، فعندما يرفض الأب شراء الألعاب للطفل، يبدأ الأخير بالصراخ والبكاء والعويل بدءاً من محل بيع الألعاب إلى السيارة ومن ثم إلى البيت وهكذا، ويظل يتحيَّن الفرصة تلو الأخرى لممارسة الضغط على أبيه لتحقيق مطالبه، ولكن متى يضغط؟ وكيف؟ عندما يدرك الطفل جيداً نقاط الضعف عند أبيه (خوف الأب من سلطة الجَدَّة)، فبمجرد أن يزور الأب الجدة فإن الطفل يسارع بالارتماء في أحضان جدته، شاكياً إليها رفض ابنها قبل أيام شراء الألعاب له، لكي يذعن الأب إليه في نهاية المطاف!
من هنا، تبدأ قصتنا مع الطفل عندما يحاول هذا الكائن الصغير الفطن الولوج إلى مجتمع المعرفة من خلال مفردات السياسة
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3340 - السبت 29 أكتوبر 2011م الموافق 02 ذي الحجة 1432هـ