نحن متوحشون وغير آدميين، فما حصل مع معمر القذافي يصنف جريمة حرب أو إعداما خارج نطاق القانون أو بالإنجليزية EXTRAJUDICIAL EXECUTION يحاكم عليها فاعلها.
«الثوار» اندفعوا وبطريقة خلت من أي ثقافة إنسانية عندما راحوا يشنعون بجثمان القذافي قبل قتله أو نحره لا نعرف ما جرى بالضبط.
إذا كان وجه ليبيا المستقبل هكذا فماذا بقي لنا من «ثورة الشعب» التي ستقوم ببناء دولة جديدة مغايرة تماماً لعهد القذافي.
قلائل أولئك الذين يناصرون القذافي اليوم في العالم العربي، لكن ما فعله الثوار كان في مصلحة أنصار «العقيد» الذين نزلت عليهم هبة من السماء لمصلحة هذا الرجل الدكتاتوري، مؤيدين يسعون وبكل قوة وبأي وسيلة كانت لضرب من يحكم ليبيا وخاصة «الإسلاميين» منهم.
ما هي قيمة الثورة وما هو التغيير الذي يبشرون به إذا كانت ستمارس الجرائم نفسها التي مارسها القذافي؟ ليس هناك من مبرر لأن تقلد الحكم البوليسي الذي سحق أي صوت للمعارضة وتأتي اليوم لتظهر صورة مستنسخة عن ذلك الزمن القذر والرديء!
أربعون ألف شهيد وأكثر من مئة ألف جريح هم «الثمن» الذي دفعه الشعب من أجل الإطاحة بنظام دكتاتوري هؤلاء أخرجوا مشهداً مخيفاً أمام العالم وخاصة المسلمين منهم، أيا كانت التعليمات التي قيلت للثوار من قبل المجلس الوطني للهروب من آثار الجريمة لينتهي الجثمان حشراً في براد اللحوم في مصراتة وتفتح الأبواب للجمهور لالتقاط صورة تذكارية مع الجثة ثم يجري تهريبها تحت جنح الظلام حتى لا يتحول قبره إلى مزار!
جلعاد شاليط جندي إسرائيلي و «عدو» رسمي، للفلسطينيين ولحماس التي ينظر إليها كحركة «إرهابية» بمقاييس الغرب وبعض العرب، اختطفه ثوار حماس أثناء المعركة، وبقي أسيراً لمدة خمس سنوات لم يمسس بضربة كف وقال كلاماً إنسانياً وحلواً بعد خروجه من الأسر فما بالك بشخص مورس بحقه تعذيب وقتل وحشي مثل القذافي من قبل ثورة ستحكم ليبيا بالعدل والمساواة وحقوق الإنسان!
ليبيا ما بعد القذافي ليست ما قبلها والخوف كبير من «هوية» الحكم القادم، وإن كانت بعض ملامحه رسمت يوم الاحتفال بـ «التحرير» بإبطال قانون منع تعدد الزوجات وإعادة العمل بالمصارف الإسلامية التي تحرم الربا.
الحديث عن 20 ألف صاروخ «سام - 7» وآلاف الصواريخ من نوع «ستريلا - 2» المحمولة على الكتف تثير مخاوف الدول المجاورة وتصل آثارها إلى أوروبا وإمكانية أن يتم تهريب جزء منها إلى أيدي تنظيم «القاعدة» وإسلاميين متشددين في الساحل الإفريقي أو عبر الحدود مع مصر وصولاً إلى قطاع غزة أمر وارد وهناك معلومات تتكلم عن مبادلة المخدرات بالسلاح، ومشكلة جمع السلاح بالداخل بعد أن رفع الغطاء عن المخازن وباتت تحت أيدي الثوار هي الأخرى من المسائل التي تهدد البلاد وتجعلها رهينة لقوى سياسية وإسلامية تستقوي بالسلاح من أجل فرض شروط سياسية أو غيرها، فبالنسبة لهؤلاء يضعون السلطة مقابل السلاح وما حصل في لبنان بعد إعلان اتفاق الطائف العام 1990 وإنهاء الحرب الأهلية التي دامت ربع قرن لم يكن بالإمكان جمع السلاح وحل الميليشيات إلا بمشروع سياسي أعطى للفئات المتحاربة حقوقاً كانت تطالب بها وكذلك الحال مع الصومال والعراق البلدين الذين أنهكتهما حروب القبائل والطوائف بعد أن توزع السلاح على الجميع إثر سقوط الدولة المركزية ولم تنته آثارها المأساوية بعد.
نصف عائلة القذافي مازالت في الخارج، سيف الإسلام ومحمد وهنيبعل وعائشة وأمهم صفية، هؤلاء أصبحت لديهم الرغبة في الانتقام بعد المشهد الدموي لموت «زعيمهم» ولاشك أن لديهم جماعات تناصرهم سواء من «الطوارق» أو من «الداخل» أو من تجار الأسلحة الذين ينشطون في مثل هذه الأحوال... وفي المجمل قد يشكل هؤلاء مجموعات قتالية تعمل على تخريب الداخل الليبي وتستغل ثغرات يرتكبها أعضاء المجلس الوطني الانتقالي.
بين سقوط العقيد وإعلان حكومة جديدة وانتخابات قادمة مدة زمنية قد تصل إلى السنة تقريباً وهي فترة رخوة في عمر الانتقال من حال إلى حال وهي معرضة للاهتزاز والانقسام وكل ما من شأنه استعراض القوى الجديدة التي لم يتسن لها العمل السياسي من قبل وهو ما يعني أن الساحة الليبية ستكون حبلى بالمفاجآت.
فطرابلس على سبيل المثال حكمتها أسرة «بلحاج» في مرحلة الثورة، الأمين بلحاج عضو المجلس الانتقالي ممثلاً عن طرابلس العاصمة وهو في الوقت نفسه القيادي البارز في جماعة «الإخوان المسلمين» وهو بخلاف عبدالكريم بلحاج رئيس المجلس العسكري في طرابلس وأحد أكبر قيادات الجماعة الإسلامية المقاتلة، والتي لجأت إلى العنف لإسقاط القذافي وكانت تشكل الأرضية الصلبة لمنظمة «القاعدة» هؤلاء القادمون إلى الحكم الجديد من خلفية «الإخوان» و «القاعدة» ماذا سيكون دورهم وما هو شكل الصراعات التي سيواجهون بها خصومهم السياسيين كيف سيتم الجمع بين المستقلين والليبراليين والقبائل على هذه الجماعات التي تحكمها أجندات خاصة بها وفي «مرحلة التحول الديمقراطي» التي تقبل عليها ليبيا الجديدة!
ربما كانت الجزائر الساحة الخلفية المهيأة إلى أن تكون في حالة عدم توافق وخوف من الحكم الليبي الجديد، وهي التي لم تظهر أبداً طوال الأشهر الثمانية أي موقف إيجابي تجاه الثوار، بل ذهبت إلى حد التشكيك بهم و بـ «اتجاهاتهم الإسلامية» والخوف من انتقال الأسلحة إلى أراضيها وعبر الحدود والممتدة إلى نحو ألف كيلومتر، وكان البلد الوحيد الذي لم يعترف بالمجلس الوطني الانتقالي بل استقبل «أسرة القذافي» لأسباب إنسانية! كما يدعي وقيل إن الجزائر زودت النظام الساقط بالوقود، وأيا كانت المسببات من وجهة نظر الجزائر لهذا الموقف الملتبس جداً إلا أن المراقبين يربطون بين الحساسية المفرطة في انتقال حالة «الفوضى» إلى الداخل الجزائري من جماعات القاعدة وتهريب الأسلحة وإمكان توظيف جماعات من الرافضين للسلطة ومن «الطوارق» الذين أغدق عليهم القذافي أموالا وذهبا ومساعدات طوال سنوات وخاصة تلك الهدايا التي كانت تحملها الطائرات وتذهب بها إلى نساء الطوارق باعتبارهن من يحكمن بحسب التقاليد السائدة عندهم.
كان الأميركيون والغرب عموماً «قلقين جداً» من هوية الثوار وزعمائهم ولم يكونوا واثقين من طريقة تصرفهم إذا أطاحوا بالقذافي وتسلموا السلطة ثم تراجعوا عن تلك لأقوال في منتصف عمر «الثورة» عندما غسلوا أيديهم من مواقفهم معلنين أنه لا وجود لـ «القاعدة» والمتشددين في صفوف الثوار! علماً بأن القذافي نفسه هدد دول الناتو بعقد تحالف مع «القاعدة» إذا هوجم عسكريا من قبلهم بعدما استمات بالتهويل من خطورة «القاعدة» إذا تخلى عنه الغرب! وهذا أحد أوجه المأساة.
ليبيا إلى أين بعد النهاية المفجعة لمقتل القذافي؟ من سيحكم ليبيا بعد 42 سنة من حكم الرجل الواحد والأوحد؟ كيف ستتجه ليبيا إلى الشرق أم إلى الغرب الذي «دفع المليارات في حملته العسكرية لإسقاط القذافي وكانت آخر «طلعة» - لاحظ استخدام الكلمة الناعمة - لطائرة الميراج الفرنسية عندما أوقفت رتل السيارات بقذيفة صاروخية بمثابة خاتمة الأحزان «من سيدفع ثمن «التحرير»؟ أسئلة برهنت الأحداث القادمة والتطورات اللاحقة التي ستحول ليبيا إلى حالة عربية جديدة ومختلفة بعد أن سبقتها تونس ومصر لكن بظروف ونتائج مغايرة تماماً؟
الخبير في إدارة النزاعات الدولية والأستاذ بجامعة نورث تكساس في مدينة دنتون، مايكل غريغ، الذي أمضى 41 عاماً في دراساته عن عملية الانتقال السياسي في العالم ينظر إلى الشأن الليبي على أنه مجتمع متنوع يصعب توحيده طالما أن الثقافة القبلية والتنوع الإثني هما المسيطران، لذلك فهذا النوع من الأنظمة يتجه إلى عدم الاستقرار... نكتب ليس حباَّ بالقذافي ولكن خوفاً على ليبيا
إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "العدد 3340 - السبت 29 أكتوبر 2011م الموافق 02 ذي الحجة 1432هـ
اتق الله
مردود عليك يا اخي ... هذا الذي حدث انما حدث بدون امر من المجلس الانتقالي وقد كان نصرفا من افراد بعينهم وليس مأموار به فلا يجب ان نأخذ المجلس به .. ولا يجب أن نلمح للاسلاميين هذا التلميح السخيف
لا إدانات
لماذا صمت كل العرب و المسلميين و لم يعلقوا او يدينوا ما جرى للقذافي؟ غنام جرى للقذافي عار و عيب على العرب.. لما ذا لم يتكلم القرضاوي الذي أفام الدنذا و لم يقعدها على إعدام صدام؟ صدام الذي حوكم و عومل معاملة انسانية و كان يلبس و يشرب و يسب محاكميه و يشتم الشهود، و مع ذلك تحرك ضمير القرضاوي .ز اما بانسبة للقذافي فلا نرى القذافي أو أي شيخ او مسؤؤل عربي أو جامعة عربي يحرك ساكناً، غناه الطائفية التي إبتلينا بها ..نسأل الله أن تقبر مع موت القذافي...