أدى تفاقم وضعية الاستبداد في بلادنا -مع تقادم العهود والأزمان- إلى قيام أنظمتنا وحكوماتنا المستبدة والمتسلطة بالضغط المستمر على العباد والبلاد، وعدم اهتمامها بأبسط حق من حقوق الإنسان وهو حق التعبير عن الرأي والاعتراض السلمي الهادئ على الممارسات الخاطئة والسياسات الظالمة الفاسدة والمفسدة التي أصبحت تتحرك علانية هنا وهناك، وبدأت تفعل فعلها السلبي في جسد هذه الأمة، وخصوصاً بعد أن قام أصحابها بتقنينها ووضعها قسراً ضمن أنظمة السلوك اليومي الذي يجب أن يسير عليه الفرد والمجتمع، الأمر الذي أدى إلى أن ننتقل من هزيمة إلى أخرى ومن خسارة إلى أخرى، حتى وصلنا -في عالمنا العربي والإسلامي عموماً- إلى مرحلة الضياع والتشتت واللاتوازن وتبديد الطاقات والثروات، وبالتالي فقداننا القدرة على العمل والحركة، وامتناع واقعنا المتردي عن الإصلاح (أو التغيير!)، وانتظاره التوجيهات والأوامر من هنا وهناك.
وبالنتيجة، كان من الطبيعي جدّاً أن نصل إلى ما وصلنا إليه -في داخل اجتماعنا الديني العربي والإسلامي- من انهيار وتفكك وتفرق، أدى إلى هيمنة الآخرين على مواقع قوتنا، نتيجة ضعفنا أو تضعيفنا لأنفسنا كما ذكرنا، وخاصة بعد أن انتصرت قيم الطغيان والتغلب والعصبية الدينية والتاريخية، حيث تحولت الدولة العربية على مدار تاريخنا إلى حكم وملك عضوض، تم بموجبه -وبقوة الحديد والنار- فرض الوصاية الأبوية الذكورية على المجتمع كله، وضرب قواه الأهلية والمدنية الحية، والهيمنة عليه بالكامل (إلغاءً أو إلحاقاً وتبعية).
طبعاً لا نود القول إن حالة الانحطاط الشامل التي يعيشها العالم العربي هي حالة انحطاط مطلق وقطعي، أو غير قابلة للاختراق أو المواجهة وبالتالي الإسقاط... باعتبار أن الأزمات التي وصفناها -في المتن العام بالداهمة والمقيمة- هي التي ساهمت في وصول عالمنا العربي إلى حالة الانحطاط هذه المعقدة والتي هي نوع من أنواع الانحطاط بطبائع الأمور... والدليل هو هذا الخرق البنيوي العميق الذي أحدثته شعوبنا العربية الثائرة حاليّاً.
ملاحظة أخيرة:
كثيراً ما نستخدم في كتاباتنا مصطلح ومفردة «الاستبداد»... فماذا تعني هذه الكلمة؟!
جاء في المعجم الوسيط أن الاستبداد لغة، هو اسم لفعل (استبدّ)ي قوم به فاعل (مستبد)، ليتحكم في موضوعه (المستبد)، فلا بد أن يتجسد الاستبداد في شخص أو فئة... يقال: استبد به: انفرد به، واستبدّ: ذهب. واستبد الأمر بفلان:غلبه فلم يقدر على ضبطه، واستبد بأميره: غلب على رأيه، فهو لا يسمع إلا منه.(راجع المعجم الوسيط ج1، ص42).
أما في لسان العرب: استبد فلان بكذا، أي انفرد به، فيقال استبد بالأمر، يستبد به استبداداً إذا انفرد به دون غيره. (لسان العرب، ج3، ص81).
وفي شرح نهج البلاغة: الاستبداد بالشيء، التفرّد به. (راجع: شرح النهج لابن أبي الحديد، ج9، ص243).
..وإلى ذلك ذهب الجوهري في الصحاح، حيث قال: استأثر فلان بالشيء، استبد به.(راجع الصحاح، ج2،ص444، مادة بدد).
وفي القاموس المحيط، أشار الفيروز آبادي إلى المعنى ذاته عندما قال: «استأثر بالشيء استبد به، وخص به نفسه».(ص341، مادة بدد).
إذاً الاستبداد هو الاستئثار المطلق بالسلطة والتشبث العنيف بالحكم... أي سلب الحكم الصالح من أهله وأصحابه الحقيقيين... وهو يكون عادة مترافقاً مع تجاوز شبه كلي للقانون والنظام القائم الناظم لعمل الدولة والمجتمع ككل. أي الدستور الذي يرعى الصالح العام في الدولة... ويسعى فكر وسلوك الاستبداد والمستبدين إلى هيمنة الذاتي على الموضوعي والخاص على العام والمزاج على المعيار القانوني، وحرمان الناس من ممارسة حقوقهم الطبيعية في القول والتعبير والانتخاب والمشاركة السياسية الفعالة، بعد أن تتم عملية السيطرة الكاملة على مقدرات الآخرين المادية، وتدمير قيمهم المعنوية والإنسانية، وإلغاء شخصياتهم المستقلة والمتميزة، وتقزيمهم ومسخهم، ليتم تحويلهم إلى مجرد عبيد لدى الفرد (أو المجتمع أو الأمة) المستبد، وذلك بفعل القوة المادية القاهرة، والمعنوية المضللة، التي تلغي القوانين وتجعل من إرادة المتسلطين قانوناً يُعمل به، إذ ليس هناك من حد قانوني للطاغية المستبد فهو يسخّر كل شيء لإرادته ورغباته ونزعاته
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"العدد 3338 - الخميس 27 أكتوبر 2011م الموافق 30 ذي القعدة 1432هـ
wounderful article
thanks Mr. Nabeel for your artilcle, so, I blieve the majority of Arab country having dectatorship and never respect to the free nation and they are looking in one angle only
thanks and god blese you
يا نبيل لا تكثر عليك الحبر والاوراق
لا تحتاج الى لسان عرب ولا لسان عجم ولا تحتاج للمعاجم انت في دوله من ضمن منظومه العالم الثالث وكل الكلامات اللي فصفصتها حرف حرف بس طل من الدريشه وتعيشها live اشرايك تحتاج الى لسان الحال بس