رفع الرئيس الاميركي جورج بوش الانفاق العسكري إلى اعلى مستوياته في التاريخ متجاوزاً بذلك الارقام الخيالية التي وصلت إليها موازنة الدفاع في عهد الرئيس السابق رونالد ريغان. ففي عهد الاخير وصل الانفاق اليومي (التسلح والدفاع) إلى مليار دولار (365 ملياراً في السنة) بينما وصل الانفاق في عهد بوش، متذرعاً بضربة 11 سبتمبر/ ايلول، إلى مليار و100 مليون دولار يومياً.
وبذلك يكون الحزب الجمهوري اطاح بطريقة غير مباشرة ببرنامج الحزب الديمقراطي حين نجح الرئيس السابق بيل كلينتون في خفض موازنة الدفاع من 365 إلى 285 ملياراً في السنة محاولاً استثمار الفارق في تحسين الضمانات الصحية والمساعدات الاجتماعية للفئات الفقيرة والمحتاجة في المجتمع الاميركي.
قراءة سريعة لهذا التحول الاستراتيجي في الانفاق العسكري تكشف عن عوامل داخلية لا صلة لها بالتهديد الامني الذي تتعرض له اميركا من قبيلة البشتون (حكم طالبان) او تنظيم القاعدة (اسامة بن لادن). فأفغانستان لا تحتاج إلى كل هذه المليارات من التصنيع العسكري في وقت تهدد المجاعة اكثر من بلد افريقي وآسيوي. القراءة تحتاج إلى نظرة من الداخل الاميركي لكشف اخطبوط التحالفات السرية بين مصانع الاسلحة وشركات النفط. فالتحالف المذكور يفسر الكثير من السياسات الدولية سواء تلك الواقعة في دول آسيا الوسطى وعلى ضفاف بحر قزوين أو تلك التهديدات المتكررة ضد العراق وأهل فلسطين واخيراً ضد بعض الدول الصديقة تقليدياً للولايات المتحدة.
وفي حال نظرنا إلى ادارة «البيت الابيض» الجمهورية نجد ان المسئولين من نائب الرئيس ديك تشيني إلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد صعوداً إلى الرئيس نفسه هم مجموعة مستثمرين أو وكلاء شركات عملاقة تعمل في قطاعي التصنيع العسكري وشركات الطاقة (النفط). فوزير الدفاع هو وكيل مشاريع مؤسسة البحوث العسكرية - التي تأسست في العام 1958 وتبلغ موازنتها السنوية مليار دولار - ويشرف على تنظيم الصفقات العسكرية وتعبئة العلماء والصناعيين وحثهم على تطوير البحوث العلمية لتعزيز الآلة الحربية.
والرئيس الاميركي هو ابن رئيس سابق يعتبر من اهم خبراء الشئون النفطية. فالابن يشبه والده في صلاته العميقة بشركات الطاقة العملاقة. وجرى التحقيق معه مراراً في مطلع التسعينات - حين كان والده في البيت الابيض - بسبب تورطه في صفقات مشبوهة تتعلق بإفلاس شركة «هاركن» النفطية. فبوش الابن كان عضوا في مجلس ادارة الشركة في ولاية تكساس بعد ان باع شركته الخاصة (واجهت مشكلات مالية) وحصل بالصفقة على أسهم في «هاركن» تصل قيمتها إلى اكثر من نصف مليون دولار. وحين واجهت «هاركن» نفسها مشكلات مالية العام 1990 باع بوش اسهمه بحوالي ثلاثة ارباع المليون قبل افلاس الشركة بشهور. وقامت لجنة الاوراق المالية الفيدرالية (اس. اي . سي) بالتحقيق مع بوش الابن لمعرفة الجهات التي سربت إليه المعلومات عن اوضاع «هاركن» المالية. وفشلت اللجنة في التوصل إلى معلومات ثابتة تدين تورط بوش في تلك الصفقة في العام 1991. وقيل حينها ان والده الرئيس تدخل سراً وضغط على لجنة التحقيق.
طرح موضوع التورط مجدداً بعد افلاس شركات عملاقة مثل «انرون» للطاقة و«وورلد كوم» للاتصالات ومسئولية نائب الرئيس تشيني (صديق جورج بوش الاب) وصلته بتلك الانهيارات المالية ومدى افادة قطاع التسلح بتحويل الاستثمارات من تكنولوجيا المعلومات والانترنيت إلى تكنولوجيا الدفاع.
المسألة اذاً اكبر من افغانستان وكرامة الولايات المتحدة. انها مسألة السلطة والمال ومن يديرهما في البيت الابيض
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد -8 - الخميس 05 سبتمبر 2002م الموافق 27 جمادى الآخرة 1423هـ