بالعربي والعبري والإنجليزي خاطب العالم: «ستنتصر الانتفاضة» فتأكد الجميع أن هذا هو مروان البرغوثي. أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية، عضو المجلس التشريعي والمتحدث باسم الانتفاضة الفلسطينية الملقب بـ «دينامو الانتفاضة» وأحد أبرز قياداتها. أظهرت استطلاعات الرأي التي جرت بعد اعتقاله في 15 ابريل/ نيسان 2002 تزايد شعبيته إلى المرتبة الثانية بعد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
هذا هو مروان البرغوثي، الذي احتفلت السلطات الإسرائيلية «حكومتها وعسكرها» بنجاحها في اعتقاله. حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، تمنى لو استطاع الجيش أن يحضر له مروان رماداً في جرة. وقال ان البرغوثي سيحاكم وسيسجن سنين طويلة «وسيتكلم، وإذا تكلم فإنه سيدين رئيسه ياسر عرفات». وتلقى الإسرائيليون نبأ اعتقاله بالفرحة، وأطلقت السيارات أبواقها ورقص الناس في الشوارع، والمستوطنون في مستوطناتهم، والطلاب في جامعاتهم، لدى سماعهم نبأ اعتقال البرغوثي.
البرغوثي الشاب قائد طلابي...
لم يتجاوز الرابعة عشرة حين بدأ نشاطه في قيادة الحركة الطلابية والمسيرات والاعتصامات، وتميز بصفة القيادة، ومن أجل هذا كان مطلوباً لقوات الاحتلال، إذ كان يُستدعى بشكل أسبوعي للتحقيق معه من قبل المخابرات الإسرائيلية. ويقول نائل موسى، زميل البرغوثي على مقاعد الدراسة، ان المخابرات كانت تحقق معه لأتفه الأسباب، ويروي كيف أن مروان تمكن من استفزاز المحققين عندما سألوه ذات مرة: مع من تعمل؟ قال لهم: «مع حالي» فباشروا تعذيبه.
ولد في العام 1958 في قرية كوبر شمال غربي رام الله لأسرة تنتمي إلى فقراء عائلة البراغثة الكبيرة، ولوالد فلاح، وعاش طفولة عادية في وضع اقتصادي واجتماعي صعبين، أكمل تحصيله الإعدادي والثانوي في مدرسة الأمير حسن الثانوية في قرية بير زيت، التي كان يذهب اليها ماشياً على الأقدام. وأكمل تحصيله الثانوي داخل المعتقل، فنال شهادة الثانوية (التوجيهي) في العام 1978. وبعد خروجه من المعتقل التحق بجامعة بير زيت في العام 1983 ليدرس العلوم السياسية. ثم بعد عودته إلى فلسطين التحق بقسم الدراسات الدولية في جامعة بير زيت ليحصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية. وكان موضوع دراسته العلاقات الفلسطينية الفرنسية ليصبح بعد ذلك رئيساً لجمعية الصداقة الفرنسية الفلسطينية.
متزوج من قريبته المحامية فدوى البرغوثي وله أربعة أطفال، ثلاثة ذكور هم: القسّام وشرف وعرب، وأنثى اسمها ربا.
وكان أول اعتقال رسمي للبرغوثي حين كان في الخامسة عشرة من عمره حين وُجهت إليه تهمة عسكرية، تضمنت المشاركة في صناعة المتفجرات، وحكم عليه آنذاك بالسجن لمدة أربع سنوات. تلتها مرات أخرى قضى خلالها حوالي خمس سنوات في السجن. وفرضت عليه الإقامة الجبرية في العام 1987 ابان الانتفاضة الأولى. وأبعد بعد ذلك إلى الأردن بعد تصاعد أحداث جامعة بير زيت. فعمل في القطاع الغربي الذي كان يديره القائد الشهيد خليل الوزير (أبوجهاد) ومن مكتبه في عمان ومن ثمّ في تونس، تابع تنسيق وقيادة الانتفاضة. وعاد إلى الضفة الغربية في 5 ابريل 1994 مع أول دفعة من العائدين في أعقاب توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر/ايلول 1993 .
ومع اشتداد العمليات التي نفذتها كتائب شهداء الأقصى - الجناح العسكري التابع لتنظيم فتح، طالبت إسرائيل السلطة الفلسطينية بتسليمه. وكان على رأس قائمة المطلوبين في عملية ما أسمته سلطات الاحتلال الاسرائيلي «السور الواقي» لجيش الاحتلال التي استمرت من 29/3/2002 وحتى 10/5/2002 في كل انحاء الضفة الغربية.
اتفاق اوسلو
يمكن التسجيل لمروان البرغوثي محطة مهمة في حياته، بعد مؤتمر مدريد 1991، وتوقيع اتفاقات اوسلو 1993. فبعد عام من الاتفاق الشهير، عاد البرغوثي إلى بلدته كوبر، وبدأ نشاطه السياسي يتخذ منحى اوسع، فبدأ التقرب من «اليسار الاسرائيلي» ومجموعات السلام المختلفة في الدولة العبرية. وخلال محاكمته، شهد الكثير من اليهود الذين عرفوه لصالحه، اذ انه معروف بتأييده الحل السياسي.
ويرى المقربون منه ان قناعة البرغوثي بامكانية ان يؤدي اتفاق اوسلو إلى انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية على اراضي 1967 هي السبب الذي دفعه إلى الانتقال للنضال السياسي وتأييد السلام، حيث وجد فيه الفرصة لتحقيق الشعار الذي طرحته حركة فتح بالكفاح المسلح حتى اقامة دولة على اراضي 1967.
ولكن البرغوثي تحدث لاحقا عما اسماه «الخيبة». فبعد شهر على الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) وفي حديث إلى صحيفة «الحوار» (اللبنانية) في 28 اكتوبر/تشرين الاول 2000، قال ان «الخيبة العميقة تراكمت لدى الشعب الفلسطيني على مدى السنوات الماضية من عملية السلام والاتفاقات التي لم تترجم على الارض واستمرار سياسة اسرائيل في الاستيطان ونهب الأراضي واحتجاز الأسرى إلى حد الاستهتار الكامل بالعرب والجانب الفلسطيني». وهو قال ايضا انه «ينبغي ان يكون واضحا ان حركة فتح لم تسقط خيار الكفاح المسلح من برنامجها ومن قاموسها، وانما قبلت بالمفاوضات وعملية السلام خياراً مشروطا لتحقيق المطالب الفلسطينية، فاذا حققت هذه العملية للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية، فليكن، اما اذا لم تحقق ما نصبو اليه فسلاحنا في ايدينا وسنحافظ عليه حتى نيل الحرية والاستقلال».
وفي العام 1996 خاض البرغوثي انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، وفاز عن دائرة رام الله، لكن لم يلبث ان عاود نشاطاته داخل حركة فتح وأطلق ما يسمى «التنظيم». وعلى رغم ان حسن الشيخ، احتل منصب امين سر حركة فتح بدلاً من البرغوثي ابان الانتخابات فقد علق احد انصار البرغوثي حين رآه على شاشات التلفزة، يطلق من قاعات المحكمة، كلماته وكأنه بين جماهيره في حواري وشوارع رام الله، بالقول «مهما فعل حسن الشيخ، سيبقى مروان امين سر حركة فتح».
على اي حال تشير اوساط الحركة إلى ان البرغوثي تمكن من اضافة 4500 عضو جديد إلى فتح بشكل رسمي خلال السنوات الثلاث الاخيرة. وهذه الظاهرة لا تعني اوساط «الفتحاوية» فقط بل تشير إلى أهمية نشاطه وسط تصاعد المنظمات الاسلامية وخصوصاً مع صعود نجم المقاومة الاسلامية (حماس) والجهاد الاسلامي. ولم تتوقف نشاطات مروان على اعادة ترميم هيكلية فتح، بل فتح ملفات الفساد وأثار قضية البيروقراطية في مؤسسات السلطة، ووجه انتقادات لاذعة الى رموز بارزة في القيادة الفلسطينية أدت احيانا إلى وقوع صدامات ومواجهات مسلحة بين اعضاء التنظيم المدربين وأجهزة السلطة الامنية.
الانتفاضة الثانية
لا شك في أن الانتفاضة الثانية، هي احدى اهم محطات مروان ، فقد برز في انتفاضة الاقصى في 28/ سبتمبر ايلول 2000 بوصفه قائداً جماهيريا محبوبا، يقود المظاهرات ويشارك الناس افراحهم واتراحهم. وهي أمور شكلت تحولاً جديداً في مسيرة نضاله، فبعد ان رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود بارك في العام 1999 تسليم ثلاث قرى فلسطينية محيطة بالقدس إلى سيادة السلطة الفلسطينية حينها لمس البرغوثي ان اوسلو قد لا تقود إلى الدولة المرجوة وحين انفجرت انتفاضة الاقصى قرر البرغوثي ان تشارك حركة فتح بشكل بارز. وفي الحديث عينه إلى «الحوار» اللبنانية اعتبر البرغوثي «ان محطة كامب ديفيد الاخيرة أوصلت الجمهور الفلسطيني بأجمعه إلى اقتناع باستحالة التوصل إلى اتفاق مع حكومة باراك يؤمّن الحد الادنى من الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني». مؤكداً ان الانتفاضة جاءت لتكشف تصميم الشعب الفلسطيني على تحقيق استقلاله التام عن اسرائيل، مشيراً إلى «ان الانتفاضة تملك مقومات الاستمرار والاتساع والتصاعد، وانها ليست مؤقتة... وهي ليست مجرد هبّة لمواجهة حدث معين».
شارك مروان في قيادة الانتفاضة التي ضمت كل الفصائل الوطنية والاسلامية، على الساحة الفلسطينية. وفي هذا الموضوع، رد على سؤال لصحيفة «الحوار» عن البيانات المشتركة والدورية من كل التنظيمات الفلسطينية من حركة فتح وحركتي حماس والجهاد والتنظيمات المعارضة الاخرى، «نعم ان اهم انجازات الانتفاضة على الصعيد الداخلي هي تلك الوحدة الوطنية الصلبة التي تجسدت ميدانيا وعلى الارض (...) ونحن بذلك نقتدي بتجربة القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة التي قادت على مدى سبع سنوات انتفاضتنا المباركة السابقة
العدد -7 - الأربعاء 04 سبتمبر 2002م الموافق 26 جمادى الآخرة 1423هـ