العدد -7 - الأربعاء 04 سبتمبر 2002م الموافق 26 جمادى الآخرة 1423هـ

بين السلطة «الشرعية» و«المتسلطة»

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

السلطة (Power) هي القدرة على تحقيق الأعمال، والقدرة على تحقيق هذه الأعمال من خلال الآخرين، سواء كانوا راضين أم غير راضين والسلطة التي تحقق الأعمال من خلال اشخاص ليست لديهم صلاحية تسمى «متسلطة» (Authoritarian).

السلطة لديها وسائل كثيرة وكبيرة في العادة لتسييرالأمور بحسب ما تقرره، وأهم شيء لدى السلطة قدرتها على المكافأة والعقاب. فأي سلطة لا تستطيع أن تكافئ أو تعاقب ليست فعالة وتنتهي عندما يرفض الآخرون الانصياع لها. والسلطة مطلوبة ليس في الدول فقط وإنما في العائلة والعمل والحركة والجمعية والفرق الرياضية وفي كل مكان يعتمد على علاقات اجتماعية لإنجاز المهام. فالطفل الذي يعصي أو يطيع والديه إنما يتعامل معهما بقدر ما لديهما من سلطة توجيهية مصحوبة بالمكافأة والعقاب. الأطفال «في حالة العائلة». قد لا يطيعون الأب أو الأم الا خوفا من العقاب وطمعا في المكافأة. وبالاضافة إلى ذلك فان هناك عاملا آخر وهو اعتقاد الطفل بصحة ما يقوله له الأب أو الأم. و «اعتقاد» الطفل أن الأب والأم لهما «الحق» في ان يتسلما زمام السلطة يجعل سلطتهما «شرعية».

افراد المجتمع ليسوا أطفالا ولكنهم يؤمنون بضرورة السلطة لكي لا تتعطل الحياة، اذ «لابد للناس من إمام بر أو فاجر» بحسب تعبير الامام علي «رض». فإذا لم توجد سلطة فإن الحياة تتعطل وجميع أمور المجتمع تتوقف.

السلطة في المجتمع قد تعتمد على قوات الأمن والجيش لفرض القرارات الصادرة، إذا استدعى الأمر ذلك. غير أن هناك اضراراً بعيدة المدى ترجع على الذين يستخدمون قوات الأمن والعسكر بصورة دائمة ومستمرة لفرض قرارات السلطة، فإذا كانت السلطة مرفوضة من المجتمع وترفض باستمرار الرجوع إلى الشعب لأخذ الإذن والموافقة والحصول على رضا غالبية افراد المجتمع، فإن السلطة تصبح «غير شرعية» و«متسلطة» والتسلط يعتمد بصورة أساسية على القهر المستمر الذي يكلف المسئولين الكثير وهم يسعون إلى فرض سيطرتهم.

الا ان جميع السلطات تحتاج إلى القدرة والسعة لاستخدام القوة والعنف اذا تطلب الأمر. ولكن السلطة التي تعجز عن الحصول على احترام المجتمع وحبه وإيمانه بشرعيتها، فإن عليها أن تستمر إلى النهاية في الاعتماد على «القوة» و «العنف» لكي تبقى في موقع القيادة.

وهنا يأتي موضوع «الصلاحية» التي تعني قدرة الانسان على تحقيق الأعمال من خلال الآخرين الذين يؤمنون «بشرعية» موقعه ويوافقون عليه. فالصلاحية ترتبط بصورة مباشرة باحترام الآخرين الذين يعطون «الشرعية» للمسئول.

وكما يشير المفكر الالماني ماكس فيبر فان الصلاحية تعطى للإنسان لثلاثة أسباب. السبب الأول هو العادات والتقاليد. فأفراد المجتمع قد يحترمون شخصا ما ويعطونه الصلاحية لأنه يمثل جانب العادات والتقاليد التاريخية.

فالشخص الكبير في قرية ما قد يعطى احتراما وتكون له كلمة مسموعة على أساس العادات والتقاليد.

السبب الثاني أو النوع الثاني من الصلاحية، هو «العقلانية» التي تعتمد على القوانين والقواعد والمبادئ. فالحكومة القائمة على أسس معينة «تسمى دستوراً» يوافق عليها أفراد المجتمع تحصل على صلاحيتها لان المجتمع يؤمن بأنها التزمت بالأسس المتفق عليها.

النوع الثالث من الصلاحية هو الهيبة «الكاريزما» فالأشخاص ذوو الهيبة يمتلكون صفات قوية تجعل الآخرين يوافقون عليهم ويأخذون بكلامهم. والمجتمع الذي يعتمد على إعطاء الصلاحيات لذوي الهيبة فقط يواجه مشكلة الحصول على أشخاص لديهم هيبة وكاريزما تساوي أو تفوق الشخص السابق الذي كان يتسنم الموقع القيادي. و قد يكون هناك شخص أو هيئة تمتلك الصلاحية ولكن ليس لها قوة أو سلطة والعكس بالعكس.

من جانب اخر فإن السلطة «القوة النافذة» لها عدة انواع. ولو اخذنا مثال الدولة والوطن فإن هناك عادة ثلاثة أنواع من السلطات «القوى»: السلطة أو «القوة» السياسية، القوة الاقتصادية، القوة العسكرية.

السلطة «او القوة» السياسية. يقصد بالسياسية هنا تلك السلطة التي تصدر القرارات التي تؤثر بصورة مباشرة على حياة الناس الذين يعيشون في مجتمع ما. والسلطة السياسية تصدر قرارات بصورة مستمرة في الوقت الذي توجد فيه خلافات «ايضا بصورة مستمرة وطبيعية» حول الأهداف من هذه القرارات وحول وسائل تنفيذ تلك القرارات. وتتمثل السلطة السياسية في الحكومة ، سواء كانت منتخبة ام معينة.

السلطة «القوة» الاقتصادية: ان ثروة أي أمة تعتمد بصورة اساسية على حجم المنتجات والخدمات التي ينتجها افراد المجتمع. وفي مطلع و منتصف القرن العشرين سعت الحكومات للتدخل بصورة مباشرة في عمليات الانتاج والتنظيم او السيطرة على السوق من خلال فرض التسعيرات أو الحد من الاستيراد أو التصدير. وفي السنوات الأخيرة، اجتاحت العالم موجات الخصخصة التي تدعو إلى اعطاء القطاع الخاص دوراً اكبر في العملية الاقتصادية. غير ان الحكومات مازالت أحد أكبر الجهات التي توظف المواطنين في الوزارات والدوائر الحكومية. ولهذا فإن السلطة السياسية لها تداخل مع السلطة الاقتصادية.

غير ان هناك جهات اخرى تشارك او تزاحم الحكومة في السلطة الاقتصادية، وأهم تلك الجهات هي: الشركات والمجموعات التجارية، والبنوك والمؤسسات المالية، والنقابات العمالية.

والشركات العالمية والمحلية التي توظف المواطنين وتتحكم في المنتجات والخدمات تمتلك سلطات اقتصادية واسعة لاحتلالها مركزاً مهما في عملية انتاج الثروة. وهذه الشركات تسعى للحصول على الأرباح لكي تستمر في نشاطها. ولانها تركز على جني الارباح، فان القرارات الصادرة تؤثر بصورة مباشرة على المواطنين. واذا كانت الممارسة حرة من اي ترشيد فان المتضرر الأكبر هو المواطن المطلوب منه توفير جهده من دون مقابل معقول لجهوده. وفي الوقت ذاته، فان المجتمعات التي لا تسمح للشركات بالعمل من اجل جني الارباح لا تتطور امكاناتها الاقتصادية، كما كان الوضع في الدول الاشتراكية في اوروبا الشرقية قبل سقوطها حيث الموازنة في الأمور تخضع للسلطة السياسية. ان المفترض من السلطة السياسية الا تكون هي الطرف التجاري. ففي البلدان المتقدمة لا يسمح للسياسي ان يأخذ قرارا اقتصاديا اذا كان هو الطرف المستفيد «شخصيا» او المتضرر بصورة مباشرة.

النقابات العمالية تهدف إلى تمثيل العمال والموظفين من أجل تحسين ظروف المعيشة لاعضائها. والنقابات لديها سلطات اقتصادية من خلال عدد اعضائها الذين يدفعون اشتراكات العضوية ومن خلال ممارستها الضغط على أصحاب العمل لتوفير أفضل الظروف للعمال والموظفين. والنقابات اذا تحركت بقوة يمكنها اسقاط الحكومة كما حدث في بلدان كثيرة مثل بريطانيا وبولندا وغيرهما.

من جانب اخر فان المؤسسات المالية والبورصة لها دور كبير في السلطة الاقتصادية لأنها تعتبر المؤشر العام للثقة باقتصاد واستقرار تلك الدولة.

السلطة «القوة» العسكرية «الجيش»: تسيطر السلطة العسكرية على جميع الأسلحة ووسائل القوة في أي بلد. وهذا يعطي السلطة العسكرية قوة كبيرة في مواجهة الآخرين. وفي الدول المتطورة فان العسكر لا يستخدم في العادة الا في الحالات القصوى وحالات الطوارئ. غير انه في الدول غير المتطورة تلعب السلطة العسكرية دورا كبيرا في عملية الصراع على السلطة السياسية.

ولا شك في ان القوة العسكرية تستطيع، اذا ارادت، ان تسيطر على الأوضاع السياسية في البلاد من خلال ازاحة المدنيين بالقوة. غير ان القوات العسكرية في البلدان المتطورة تعلم ان صلاحيتها تستمد من الحكومة المنتخبة شعبيا. ولهذا فانها لا تتصرف في اي شيء من دون رخصة المسئولين الذين انتخبهم الشعب. فالقوة العسكرية أساسا تستخدم من اجل ردع العدوان الخارجي.

السلطة السياسية تحتاج إلى قوة «أمنية» «وتسمى قوات شبه عسكرية» تستطيع حمل الأسلحة الخفيفة من اجل رعاية الأمن الداخلي «حماية حكم القانون» سواء كان القانون عشوائيا ودكتاتوريا ام كان قانونا مستمدا من عملية دستورية.

السلطات والقوى في الدول المتقدمة تكون موزعة لكي لا يسمح لأي طرف ان يتجاوز آراء وتطلعات المجتمع. ولكن في الدول الدكتاتورية تكون السلطات جميعها بيد طرف واحد.

والحديث اعلاه عن القوى «السلطات» يلزم ألا يختلط بمفهوم السلطات الثلاث «التشريعية والتنفيذية والقضائية». فهذه السلطات جميعها مدنية وتدخل ضمن اطار السلطة «القوة» السياسية المشار اليها اعلاه

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد -7 - الأربعاء 04 سبتمبر 2002م الموافق 26 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً