العدد -6 - الثلثاء 03 سبتمبر 2002م الموافق 25 جمادى الآخرة 1423هـ

إيران والموقف من احتمال هجوم أميركي على العراق

ثلاثة اتجاهات أقواها البراغماتي

حسن فحص comments [at] alwasatnews.com

.

لا شك، ان الازمة العراقية واحتمالات الهجوم الاميركي على هذا البلد تشكل في هذه المرحلة التحدي الاكبر للدولة الايرانية والمعارضة على حد سواء.

وفي هذا الاطار اعتبر سكرتير «مجمع تشخيص مصلحة النظام» والقائد السابق لحرس الثورة محسن رضائي ان على إيران ان تبتعد في موقفها من الازمة العراقية عن الانفعال، وشدد ان اتخاذ مثل هذا الموقف لا يعد مغامرة على الصعيد الدولي، مشيراً «الى وجود خيار ثالث يختلف عن الثنائية العراقية الاميركية».

كلام رضائي عن خط ثالث تسير عليه إيران ويحفظ مصالحها الوطنية، وكذلك عن معارضته للاراء الداخلية الداعية الى التحالف مع العراق ضد اميركا وهي نفسها الدعوة التي اطلقت للتحالف مع «حركة طالبان» والاخرى الداعية للتراجع امام الضغوط الأميركية، جاء ليتوافق مع الايحاء الذي اطلقه وزير الدفاع علي شمخاني بالحياد في هذه الازمة، معتبرا ان موقف بلاده «يقوم على عدم المواكبة وعدم المغامرة في الوقت نفسه».

والتحدي الذي أوجدته الازمة العراقية افرز، وكما هو ظاهر من البيانات والتصريحات المتعارضة، واحيانا المتناقضة، للمسئولين الإيرانيين، ثلاثة اتجاهات في التعاطي مع احتمالات الهجوم الاميركي على هذا البلد.

الاول: يرى ان على إيران ان تتبع مع العراق الاسلوب الذي اعتمدته في حرب الخليج الثانية بعد احتلال دولة الكويت، وهو اسلوب كان عرابه في تلك المرحلة الرئيس السابق للجمهورية الشيخ هاشمي رفسنجاني، الذي يبدو من بعض االحوادث التي تتعلق بالعراق والموقف الايراني في هذه المرحلة انه يسعى ان تتخذ إيران السياسة القديمة نفسها - أي عدم معارضة الهجوم وعدم الموافقة عليه مع الحفاظ على نظام ضعيف في هذا البلد - وعليه فإن المحللين السياسيين في إيران يضعون زيارة كريمته النائبة السابقة في المجلس النيابي فائزه رفسنجاني إلى العراق ولقائها ببعض القيادات في الدولة العراقية في اطار تطمين العراق من الموقف الايراني.

الثاني: وهو التيار المتشدد المعادي لأميركا بشكل قاطع، الذي يرى ان الفرصة مناسبة لتناسي الماضي والدخول مع العراق في تحالف لتوجيه ضربة للقوات الأميركية و منعها من الاقتراب من الحدود الجنوبية والجنوبية الغربية واستكمال دائرة حصارها لإيران بعد ان اصبحت موجودة على الحدود الشرقية في افغانستان والجنوب الشرقي لباكستان، وتسيطر على الملاحة في مياه الخليج بذريعة حصار العراق، في حين انها توسع نفوذها شمال إيران في دول اسيا الوسطى المطلة على بحر الخزر (قزوين)، وخصوصا في اذربيجان.

وان كان هذا التيار لا يتمتع بنفوذ واسع وكبير يسمح له بفرض وجهة نظره وسياسته هذه، إلا ان بعض الاصوات التي تعلو من داخل المؤسسات العسكرية، وخصوصاً من داخل مؤسسة حرس الثورة الإسلامية الإيرانية تعبر عن هذا المنحى التصعيدي.

الثالث: وهو الاتجاه الذي يبدو الاكثر إرباكا في اتخاذ موقف محدد وواضح من تطورات هذه الازمة، ويعبر في النتيجة عما يدور من جدل داخل التيار الاصلاحي والآراء والمواقف التي تتجاذبه، ما بين الموافقة على الهجوم الاميركي وما يعني ذلك من مواجهة مع التيار المحافظ في الداخل الذي يسعى الى ايجاد خيوط تنسيق بين التيار الاصلاحي والإدارة الاميركية لتسهيل عملية القضاء عليه وابعاده عن مراكز القرار التي يسيطر عليها في الدولة.

وما بين الرغبة الكامنة لدى منظري الاصلاحيين في اسقاط النظام الديكتاتوري في العراق وإقامة دولة ديمقراطية فيه تسمح بانتقال العدوى الى إيران، ومن دون الحاجة الى تدخل اميركي مباشر، بل بتفعيل استثمار الإنجازات التي تحققت على صعيد معركة الحريات والديمقراطية مع التيار المحافظ.

في هذا الخضم عارضت بعض الاصوات الزيارات التي يقوم بها بعض المسئولين الإيرانيين «رسميين وغير رسميين» الى العراق ولقاء القيادات العراقية. واتهمت هذه الاصوات بعض الاطراف غير المعلومة السعي الى إلغاء دور وزارة الخارجية، واعتبرت ذلك دليلا على ضعف إدارة هذه الوزارة، في ظل عدم وجود استراتيجية إيرانية واضحة ودقيقة اتجاه العراق، وعليه فهم يرون ضرورة إعادة تعريف الازمة العراقية في المرحلة الحالية وتحديد التكتيك الضروري من اجل الحفاظ على المصالح والأمن الوطنيين، مع الاخذ في الاعتبار المسائل الدولية والاقليمية وواجبات الجيرة، وهو مايتطلب حدة وذكاء خارقين من المسئولين الإيرانيين.

لذلك فإن الجو المسيطر على هذه الاصوات يدعو ألاّ تقع إيران في تعارض مع الاجواء المسيطرة على الصعيد الدولي من ناحية، وألا تتغاضى عن تأمين مصالحها وامنها الوطنيين في المرحلة المقبلة، خصوصا وان أي تغيير في العراق سيترك اثراً على الأمن الإيراني.

وفي هذا السياق، وفي اجواء عدم وجود سياسة او استراتيجية إيرانية واضحة ومحددة اتجاه العراق، دخلت منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية - الاصلاحية المتطرفة - على خط التنظير للموقف الإيراني من القضية العراقية، ودعت المنظمة في بيان اصدرته سابقا الى اتخاذ موقف محايد كليا من الازمة العراقية ومستقبلها، انطلاقاً من مبادئ ايديولوجية اذ لا يمكن لإيران ان تتحول الى حليف لأميركا وان تدخل معها في مباحثات ومساومات لتقرير مستقبل العراق من جهة، ولا يمكنها ايضا الوقوف الى جانب صدام وبالتالي ان تراهن او تفرض شروطا على الخاسر (العراق) من جهة اخرى. وهو ما يدعوها الى ان تكون مراقبا للتطورات، مع السعي الى اتباع سياسة مناسبة قائمة على دراسة الفرص والتهديدات الناجمة عن ذلك من اجل تأمين المصالح الوطنية.

مع استبعاد ان يكون للاتجاه الثاني المتشدد أي لفرض توجهاته، فان السياسة الايرانية، وان كانت اعلنت معارضتها الواضحة لأي هجوم اميركي على العراق، تبدو غير مستقرة حتى الآن على رأي اتجاه هذه القضية، وقد تكون بانتظار «ساعة الصفر» لبدء الهجوم حتى تحسم موقفها بناء على ما تفرضه المصالح الاستراتيجية الوطنية. وقد يكون الثمن تحييد إيران من احتمال أي هجوم قد يطال على الاقل منشآت المفاعل النووي في بوشهر، وقد يضمن عدم إعلان حال طوارئ عسكرية وامنية في الداخل بذريعة التنسيق الاصلاحي مع اميركا لزعزعة النظام الإسلامي، ما يسمح بالتالي استمرار المشروع الاصلاحي. يبقى ان الاجواء والاتجاهات تشير إلى أن إيران قد تتبع الاسلوب والنمط ذاتيهما الذي اتبعته اتجاه الأزمة الافغانية، مترافقاً مع عدم منع المعارضة العراقية التي تتمتع بنفوذ كبير عليها من التفاوض والتنسيق مع الإدارة الأميركية بشأن المستقبل السياسي للعراق و«الحصة الشيعية» في اية تركيبة محتملة للسلطة، مستعيدة بذلك تجربة الفصائل الافغانية ومشاركتها في «مؤتمر بون» ، ومن ناحية أخرى معارضة اي هجوم على هذا البلد للوقوف بوجه اي احتمالات لخريطة سياسية للمنطقة من البوابة العراقية

العدد -6 - الثلثاء 03 سبتمبر 2002م الموافق 25 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً