العدد -3 - السبت 24 أغسطس 2002م الموافق 15 جمادى الآخرة 1423هـ

نجاح تجربة البحرين يحسِّن اقتصادها وعلاقاتها الإقليمية ومكاسبها الدولية

المعايير الدولية للديمقراطية والتنمية

أحمد عباس أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

لا شك في أن نجاح التجربة الديمقراطية في البحرين، سيكون مكسباً مهماً في تحسين علاقات البحرين الدولية مع العالم، خصوصاً مع البلدان الغربية التي تعتبر الديمقراطية جزءاً من ثقافتها السياسية في نظام الحكم. كما أن البلدان التي تسعى إلى تحقيق درجات عالية من التنمية لا بد لها ان تنتهج الاسلوب الديمقراطي في الحكم، ولا يخفى على احد ان المؤسسات الدولية المتعددة الاطراف تحمل شعار: (لا تنمية من دون ديمقراطية ولا ديمقراطية من دون تنمية). وفي ظل الديمقراطية لا يمكن استنزاف موارد البلد من اجل المصالح الشخصية، لوجود آلية للمراقبة على المال العام في دول المؤسسات والمجتمع المدني، التي تحترم القانون عن طريق تطبيق الشفافية، والقضاء على المركزية والتداخل في المسئوليات من اجل تحسين مستوى الخدمات العامة.

ميثاق 99 العالمي، الذي اعتمده تحالف المنظمات غير الحكومية، وأيدته معظم البلدان الديمقراطية في العالم، من اهم اهدافه: ربط الديمقراطية بالتنمية لتطبيق المساواة والعدالة بين شعوب العالم للوصول إلى مستويات عالية من التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

هذه المبادئ نادى بها ايضا ميثاق الامم المتحدة في الفصل التاسع المتعلق بالتعاون الاقتصادي والاجتماعي الدولي (المادة 55 الفقرة أ) التي تطالب بتحقيق مستوى أعلى للمعيشة لتوفير اسباب الاستخدام المتصل لكل فرد، والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي. وتطالب الفقرة (ج) بأن يشيع في العالم احترام لحقوق الانسان والحريات الاساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس او اللغة او الدين، او تفريق بين الرجال والنساء، مع مراعاة تامة لتلك الحقوق والحريات.

المؤسسات التنموية الدولية، كـ «منتدى دافوس» و«صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي» و«منظمة التجارة العالمية» و«النظام الأميركي للأفضلية التجارية»، ربطت الديمقراطية بالتنمية ووضعت معايير ثابتة كمرجعية لتقديم المساعدات التنموية للدول الملتزمة بتلك المعايير. لهذا فإن البلدان الديمقراطية تحظى بمعاملة افضل من تلك المنظمات بالمقارنة مع البلدان غير الديمقراطية. لا شك في ان ثلاثة ارباع سكان الارض فقراء ويعانون من المرض والمديونية. إلا ان المنظمات المتعددة الاطراف لن تستجيب إلى احتياجات الدول ما لم تطبق معاييرها الديمقراطية. وبمجرد الاستجابة ستسرع في وضع خطة عمل لتنمية الموارد البشرية، وايجاد حلول للمشكلات الاقتصادية، والاعتراف بالتنوع الثقافي بين البشر، واعتماد الحوار والتسامح بين الحضارات.

والامر نفسه ينطبق على الدول الغربية التي تطبق المعايير الديمقراطية لأغراض التنمية، وتطالب البلدان النامية بتوسيع المشاركة الشعبية وتطوير المؤسسات البرلمانية، والتعامل بشفافية مع القضايا الملحة، وتطبيق المساواة ومكافحة الفساد، لتمكين القطاع الخاص من المنافسة في الاسواق العالمية والاستثمار في التعليم والابحاث والتدريب.

تجربة البحرين

البحرين بعد تطبيقها للمعايير الديمقراطية الدولية ستكون مؤهلة لدخول عصر العولمة بأقل الخسائر، وان العولمة سوف تمنح البحرين افضل الفرص للارتقاء باقتصادياتها، وذلك لتوافر مناخ الاندماج في الاسواق العالمية بعد كسب ثقة المستثمرين في العالم، والاستفادة من الحوافز العالمية المتاحة التي ستوفر فرص عمل لمساحة كبيرة من الشباب المتخرج حديثاً.

اقتصاد البحرين - بشهادة الجميع - من اكثر اقتصاديات منطقة الشرق الاوسط تقدما واستيعابا للتقنية المتقدمة. والدليل على ذلك انها بعد أن كانت مركز اشعاع حضاري في الماضي اصبحت الآن المركز المالي الاول في المنطقة، ومركزا دوليا للمعارض والتحكيم التجاري الدولي وللمؤتمرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والفنية والعلمية والطبية والسياحية، ومركز جذب سياحي مفضل اقليميا ودوليا، بالاضافة الى كونها بؤرة مهمة للاتصالات الدولية.

اللجنة الاستشارية الدولية التابعة للكونغرس الاميركي، وضع لها الاقتصادي الاميركي المعروف ألن ميلزير معايير ثابتة لتطبيق الديمقراطية.

الكونغرس الاميركي طالب الدول بتطبيق تلك المعايير التي تحترم حقوق الانسان، حتى ينظر إلى طلبات الدعم المالي والتنموي من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والحكومة الاميركية.

المجتمعات الديمقراطية اعادت الهيبة إلى المجتمع المدني، ووضعت نهاية لتدخلات الدولة في القضايا الاقتصادية، وأصبح على عاتق المجتمع المدني الذي يعتبر حجراً أساسياً للمجتمع الليبرالي الضمني(المستقل)، حمل مسئولية الوصول إلى مجتمع الرفاهية للمواطنين كبديل لمسئولية الدولة. وهذا يقلل من التدخل الخارجي في السياسات الداخلية للدولة. جماعة كوليمان (1990) ترى ان الليبرالية الضمنية للمجتمع المدني جزء من الاقتصاد السياسي الكلاسيكي الجديد، والدولة الديمقراطية تلعب فيه دورا مهماً لتطوير مجتمع منتج اكثر كفاءة ومقدرة. ولرد الاعتبار إلى المجتمع المدني في البلدان غير الديمقراطية، يطالب الاقتصاديون بمساندة الدولة للمجتمع المدني لتوفير الاحتياجات الاساسية للسكان، ولتقوية السوق المحلية، ولتلبية الاحتياجات الاجتماعية الاساسية للمواطنين. هذا التوجه يخدم الجانب السياسي لتحسين وضع وخدمات المنافع العامة للدولة.

مؤتمر كوبنهايغن لرؤساء الدول والحكومات للتنمية الاجتماعية في العام 1995 (الدانمارك) وضع برنامج التعديل الهيكلي للتنمية الاجتماعية.

البرنامج طرح عدة قضايا تنموية جدية وفاعلة لتنفيذ التعهدات العشرة التي تشمل النقاط الآتية: خلق بيـئة ثقافية وقانونية واجتماعية وسياسية واقتصادية لتمكين الناس من تحقيق تنمية اجتماعية ملحوظة، القضاء على الفقر في العالم، الارتقاء بالعمل واعتباره من الاولويات الاقتصادية الاساسية لسياسات التنمية الاجتماعية، الارتقاء بالتكامل الاجتماعي عن طريق حماية كل الحقوق الاساسية للناس، القضاء على الممارسات غير الانسانية كالتمييز بين الاجناس والطوائف (وهذا يتطلب احترام التنويع والمساواة في الفرص والتضامن وضمان مشاركة جميع الناس)، الارتقاء بالاحترام التام للكرامة الانسانية بما في ذلك تحقيق المساواة والانصاف بين النساء والرجال، ادماج المرأة في التنمية وتمكينها من تولي المراكز القيادية، تنفيذ الهدف العالمي للوصول إلى المستوى العالمي العالي للتربية النوعية وتحقيق مستوى عال من الصحة الجسمانية والعقلية والعناية بالصحة الابتدائية وتصحيح التفاوت في الشروط الاجتماعية والتعجيل بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتنمية الموارد البشرية لافريقيا والبلدان الاقل نموا، ضمان تنفيذ برامج التعديل الهيكلي ليتوافق مع اهداف التنمية الاجتماعية خصوصاً فيما يتعلق بالقضاء على الفقر والارتقاء بالعمل بشكل متكامل ومنتج لتحسين اوضاع التكامل الاجتماعي، اهمية زيادة استعمال المصادر المخصصة للتنمية الاجتماعية بكفاءة وتحسين وتقوية التعاون الاقليمي في مجال التنمية الاجتماعية وتشجيع روح المشاركة الجماعية في إطار الأمم المتحدة والمؤسسات المتعددة الأطراف الأخرى.

نجاح البحرين في تطبيق تلك المعايير الدولية سوف يحسن وضعها في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي تعقد سنوياً في جنيف ويمنع انتقاد المؤسسات الأهلية لحقوق الإنسان لسجل البحرين في هذا المجال.

ووضعت منظمة التجارة العالمية جملة شروط لانضمام الدول للمنظمة، تشمل الآتي: احترام حقوق الإنسان وإطلاق الحريات الأساسية للإنسان، تطور وتقنين القوانين التجارية المحلية بما يتماشي مع القوانين التجارية للدول الأعضاء، توقيع اتفاق التبادل التجاري وفتح الأسواق لمنتجات الدول الأعضاء في المنظمة من دون قيد أو شرط من حيث تأسيس الشركات أو من حيث الحماية الجمركية للمنشأ وتسعير البضائع. وعلى رغم أن البحرين انضمت إلى المنظمة لكونها تتمتع بالحماية البريطانية في السابق، إلا أن هذا لا يمنع تعرضها للنقد داخل المنظمة إذا لم تأخذ بالمعايير التي وضعتها المنظمة، وأهمها تطبيق نظام ديمقراطي متكامل للحكم.

البراغماتيكية

الرومانسية في طرح ومناقشة مواد الميثاق أو الدستور لا تخدم التنمية في شيء، ويلزم معالجة الموضوع بأسلوب براغماتيكي واقعي يتطابق مع المنظور الشعبي للمستقبل الديمقراطي. والمناقشة الواقعية تتطلب تحديد أولويات المسار الديمقراطي التنموي، وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات فورية للإصلاح الإداري، والقضاء على الفساد والتمييز بين طوائف الشعب، وتطبيق أساليب المحاسبة والمكاشفة، لماذا؟ لأن البحرين دولة نامية محدودة الموارد تسعى إلى تنمية قطاعاتها الاقتصادية والاجتماعية، وتشغيل الأعداد الهائلة من الشباب والخريجين بجلب الاستثمارات الخارجية. الاستثمارات لن تأتي من دون إحساس أصحاب رؤوس الأموال بالاستقرار السياسي في بلد يحترم دولة القانون والمؤسسات.

حرية التعبير من الحقوق المدنية الأساسية للفرد يكفلها أي نظام ديمقراطي. ويعتبر الرأي والرأي الآخر، شكلاً من أشكال التعبير لإصلاح الخلل الذي قد ينشأ من ممارسة العمل السياسي في الدول الديمقراطية، ووسيلة نقدية بناءة لكشف العيوب وتجاوزات المسئولين الخارجة على السقف القانوني الذي تحدده النظم الديمقراطية لمراقبة تصرفات المسئولين في الحكومة، والغرض من حرية التعبير هو وضع آلية فعالة لحماية الحقوق المدنية للفرد.

البحرين ستكسب الكثير لو سمحت بحرية التعبير، لأنها لن تتعرض للانتقاد من مؤسسات دولية لها احترامها في العالم مثل «مراسلون بلا حدود» و«جمعية مراقبة حقوق الإنسان الأميركية» و«لجنة حقوق الإنسان الأوروبية» في ستراسبورغ، وجمعيات حقوق الإنسان غير الحكومية، و«اتحاد العمال العالمي» وغيرها.

الحد الأدنى للمعايير الديمقراطية المعترف بها دولياً هو اعتراف الدولة بحق المواطنة للسكان، وهذا الحق يعتبر أساسياً لنيل الحقوق المدنية للمواطن. والبلدان التي تمنح المواطن حقه الكامل في المواطنة تكون بذلك حققت السقف الأعلى لمعايير الديمقراطية المعترف بها دوليا. المواطنة اصطلاح يشير إلى الانتماء إلى أمة أو وطن ويعني الاصطلاح في سياق آخر «الجنسية». ويشار في هذا الصدد إلى أن مفهوم الجنسية يحمل معنى اكثر اتساعا، حيث يشير إلى حق الحماية التي تسبغها الدولة على مواطنيها أثناء زيارتهم إلى دولة أخرى. وللأسف الشديد أن المواطن البحريني حتى الآن لا يشعر بحماية الدولة له عندما يتعرض لمشكلة في خارج البحرين مما يضعف بناء الثقة بين المواطن والدولة، في وقت ينتمي معظم الناس على الأقل إلى جنسية واحدة، وتسبغ المواطنة حقوقا وواجبات معينة على المواطنين تشمل: حق التصويت، وشغل الوظائف العامة بالإضافة إلى منحهم حرية الرأي.

الضعف الحالي لفعالية عمل مؤسسات المجتمع المدني في البحرين، وخصوصاً العمل التطوعي، مرده عدم تمتع هذه المؤسسات بالاستقلالية بسبب التدخل الحكومي، وفرض أجهزة الدولة المعنية الوصاية عليها وتوجيهها بحسب مقتضيات سياساتها العامة، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال، إلى انخفاض أعداد المتطوعين أو المشاركين أو المساهمين في تلك التنظيمات المدنية بسبب قلة حماسهم، ولشعورهم أن هذه المؤسسات، وخصوصاً الحرفية منها، لن تحقق طموحاتهم. حق الرعاية الاجتماعية من حقوق الإنسان المدنية التي أقرتها المواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا يمكن لأي دولة ديمقراطية الوصول إلى مراتب دولة الرفاهية من دون أن يكون لها تشريعات وقوانين، تنص صراحة على حق المواطن في الحصول على الرعاية الاجتماعية. الأنظمة الديمقراطية عودت شعوبها على حمل شعار «الرجل المناسب في المكان المناسب» وليس «الرجل الموالي في المكان غير المناسب».

من هنا فإن تطبيق البحرين للمعايير الدولية للنظم الديمقراطية في العالم، سوف يكسب كل بحريني يمثل المملكة في الخارج الثقة بالنفس، ويكسر حاجز الخوف وهواجس النقد الدولي. كما يحسن من وضع البحرين عالميا في مجال الاقتصاد والتنمية، ويرفع من رصيدها في الحصول على الاحترام الدولي لها والاولوية في المعاملات ذات الأفضلية التجارية، ويساعد على تدفق الأموال الأجنبية للاستثمار. كما أن الديمقراطية توجد جوا حميما يساعد على استتباب الاستقرار بين الشعب والحكومة

العدد -3 - السبت 24 أغسطس 2002م الموافق 15 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً